Home»National»قراءة في ديوان الأحجار الفوارة لمحمد علي الرباوي الجزء الرابع

قراءة في ديوان الأحجار الفوارة لمحمد علي الرباوي الجزء الرابع

0
Shares
PinterestGoogle+

ثالثا: الذات/ الاحتراق والتكون.

لم تخل جل قصائد المجموعة الشعرية (الأحجار الفوارة) من مفردة الاحتراق، أو بعض مرادفاتها وتجلياتها. وحضور مثل هذه البنية اللغوية شعريا دليل على الاحتراق الذاتي. يقول محمد علي الرباوي في قصيدة (الحزن):
يا أيها الحزن الذي توج وجهه الخزامى، إنني بالبشر ألقاك، فرد الساعة السلاما.
أذنت أن تشتعل اللحظة في قلبي الكئيب، فاشتعل علي أحس باللهيب العذب، هل حي أنا أم هل أنا سقط الرماد؟ فاشتعل يا أيها الحزن الحبيب وانتصب على تضاريس محياي وساما. (ص- 58).
فالاحتراق ذ: احتراق الحزن الذي يشعر به الشاعر، وتدفق الهيجان الخارجي منبع آخر للتألم الذاتي، والرماد سر الخلود الذاتي كذلك (هي أنا أم أنا سقط الرماد). فتساؤل الشاعر عن مسرحياته مرتبط بمدى الاحتراق والتشبث ببقايا الحياة من الجسد المحترق؛ إنه الرماد، يقول محمد بنعمارة في إطار حديثه عن الشعر المغربي المعاصر في علاقته بالتصوف، أو كما أطلق عليه: الاحتراق الصوفي الذي هو صفة من صفات الشعر المغربي المعاصر: » الذي يعتقد أن تجربة الشعر هي تجربة احتراق واشتعال، وتحول إلى رماد متناثر داخل لغة القصيدة، وفي كل معنى من معانيها. » الصوفية في الشعر المغربي المعاصر، ص- 109).. ويقول عن محمد علي الرباوي: » وكما أن الحديث عن النار متصل بالشعر، وقصائده وحروفه، فإن الشعور بالذات يزداد عند بعض الشعراء، لأن ذواتهم تحوم حول النار، وأحيانا تقذف في لهيبها. وكلما ازداد الشعور بالذات الحائرة، ازداد الاقتراب من النار، ولا نجد مثالا يسبق تجربة الشاعر محمد علي الرباوي.
إن محمد علي الرباوي شاعر تلتهمه النار، فيقبل عليها محتارا حتى لكأننا أمام شاعر يطلب نشوة المتألم في اشتعال النار » (محمد بنعمارة، المرجع السابق، ص- 114). ويقدم الدكتور محمد بنعمارة رحمه الله في هذا الصدد شواهد شعر الرباوي ليؤكد قولنا السابق، أو نؤكد نحن ما وصلنا إليه: إنه يحترق شوقا إلى الذوات الأخرى. فالذات حبلى بالآلام، وذاته مشتاقة لخلق ذات أخرى بديلا. يقول محمد علي الرباوي:
داهمني حبك
بينا كنت أعد الزاد
لآدخل دائرة النار
عسى جسدي يتحول جمرا (الأحجار الفوارة ص- 70).

إن هذا التحول، ملزم الشاعر أن يخطو الخطوات الثابتة التي تنطوي على مراحل سبق أن قمنا بتفصيلها في مجال (الماء) باعتباره أحد أسس الهم الذاتي عند الشاعر، والشيء نفسه نقوم في ما يخص النار، وهي المصدر الثاني للحياة؛ وإن كانت مرتبطة عند الشاعر حسن الأمراني بالاطمئنان والأمان. يقول:
وآنست من شمس (تبريز) نارا
ولكنها ما أحاطت بنورك وصفا(حسن الأمراني، ثلاثية الغيب والشهادة، ص- 37).
على العكس من ذلك فالنار عند محمد علي الرباوي مرتبطة في غالبيتها بالجسد المحترق. يقول:
ما عدت أحس بخطوك فوق ربا جسدي يتأجج نارا (الأحجار الفوارة، ص- 34).
إن محاولة التدقيق في المستويات التي تتجسد فيها قوة النار: مصدرا، فتكوينا ثم تجمعا (أو تحولا بعد الاحتراق الكلي) هي حصيلة التحليل الذي سبق أن أشرنا إليها. لذلك، فسيكون عملنا في هذا الحقل الدلالي من خلال هذه الترسيمة التي تبرز النواحي التي ركز عليها في التحليل بإحصاء نماذج فقط من كل مستوى:

المستوى الأول: النار / التكون
المصدر هو النار المتأججة يقول:
* من يغسلني بشآبيب الكأس عسى تحرق ذاتي عند قرارتها البيضاء ص- 19.
* أيتها الحمامة المقصوصة الجناح، هاك جمرة قاتلة من همي الغاضب. ص- 59.
* فلا كان الحب إذا لم يتحول فيك قنبلة تنسف هذا السد. ص- 66.
فهنا التحول من الأقل قوة في إنشاء مصدر النار، إلى أكثرها قوة: من شآبيب الكأس على القنبلة. وكلها دوال تشي بالاحتراق.
المستوى الثاني: النار/ التكون.
أما المستوى الأعم فهو ما بعد الاحتراق، أو أثناءه. فالنار تكون في ثورتها مائلة نحو تكسير الذات. يقول:
* وتظل ضلوعي تبحث عن كأس أخرى تطفئ ما بخمائلها من لهب ثجاج. ص- 20.
* لك هيكل ناري هذي الكأس. ص- 52.
* تشعر أن شجيرات الآهات تطوق ذاتك، آن لك اللحظة مهادا. ص- 80.
المستوى الثالث: النار/ التجمع.
إن التحول الذي يطمح إليه الشاعر هو أن يكون في حالة أحسن، لكنه في جل مقاطع شعره التي يتبنى فيها الرؤية الصوفية، لا تجلب له إلا الذات الحزينة:
* تناولي الكأس عساها تمخر أدغال دمائي، ناولينها. ص- 20.
* عسى جسدي يتحول جمرا يحي ويميت. ص- 70.
* في هذي المقهى وحدك، يمخر يم العمر أزيز الزبناء، وأنت هنا في هذا القبو رماد. ص- 79.
من الواضح جدا أن التراتب الزمني من حيث مراحل التكوين قد روعي؛ سواء عن قصد من الشاعر أم غيره.

المهم أن الدواعي والأسباب تناسقت لتخلق المقاصد، والمرجع الأساس لذلك في نظرنا لا يعود إلى تملك الشاعر هذا المبتغى الصوفي؛ وإنما هو مبني على التذمر الذاتي، وهو نفسه يؤكد أن علاقته بالتصوف علاقة اعتباطية غير مقصودة، ووصف شعره بالانتماء للشعر الصوفي أيضا نوع من الحكم الذي لا يستطيع الشاعر التعبير عنه. يقول: » لم أطلب التصوف، ولكن قيل لي إن شعري نفحات صوفية، لا أستطيع أن أقول بأن هذا صحيح أو غير صحيح. لكن ما يمكن قوله هو أنه ربما تكون التجارب التي أعيشها وأعبر عنها تجارب تشبه تجارب المتصوفة. وبخاصة أني أنطلق في التعبير عن ذاتي كما يفعل المتصوفة، ربما يكون هذا من الأسباب التي أدى بالبعض إلى ملاحظة المنزع الصوفي في شعري » (من حوار للشاعر).
إن هذا التقسيم يحيلنا قطعا إلى إبراز بعض الجوانب المشتركة في شعر محمد علي الرباوي من خلال مجموعته الشعرية (الأحجار الفوارة) المتميزة في نظرنا بكونها تحمل مرحلة انتقال والقطيعة من لا شيء إلى الشيء المنتظر. وهذه الجوانب لن تكون إلا مجمل ملاحظات حول بعض الخاصيات الشعرية كالتناص والمرجعيات ثم الإيقاع.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *