Home»Islam»حديث الجمعة : (( وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون وكان ربك بصيرا ))

حديث الجمعة : (( وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون وكان ربك بصيرا ))

0
Shares
PinterestGoogle+

حديث الجمعة : (( وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون وكان ربك بصيرا ))

محمد شركي

مما تعبَّد به الله تعالى المرسلين صلواته وسلامه عليهم أجمعين ، والذين آمنوا معهم الصبر، وهو حبس النفس عن الجزع، والشكوى، والتجلّد ،والتحمّل ،وعدم التسرع  أو العجلة في الفرج ، والرضى ، والطمأنينة عند نزول المكروه . والصبر شعور شاق على النفس البشرية التي جبلت على حب اللذة ، وكره الألم .

ولما كانت مهمة المرسلين عليهم السلام غاية في المشقة ، تعبدهم الله تعالى بالصبر، لأنه انتدبهم لإخراج الناس من ظلمات الضلال إلى نور الهداية ، وهي مهمة ليست باليسيرة ،خصوصا عندما يألف الناس العيش في الضلال، ويتطبعون به لمدد طويلة  من حياتهم ، فيشق عليهم  بعد ذلك أن يتخلوا عنه ، أو أن يغيروا من أحوالهم إلى حال لا عهد لهم بها.

ولما كان المؤمنون  في الغالب قلة  مع بداية دعوة  كل نبي أو رسول، وهم يعيشون بين الكثرة الكاثرة من أهل الضلال الذين يرفضون الاستجابة لدعوات الهداية إلى صراط الله المستقيم ، فقد تعبّدهم الله تعالى أيضا بالصبر على أذى الضالين الذين كانوا لا يدخرون جهدا في مواجهتهم بشتى أنواع الإساءة في أنفسهم، وفي أهلهم وذويهم ،وفيما يملكون، بل كانوا في الغالب يطاردونهم ويطردونهم من أوطانهم قسرا .

وفضلا عن أمر الله تعالى المرسلين عليهم السلام، والذين آمنوا معهم بالتحلي بالصبر لمشقة ما كلفهم به ، فإنه تعبد المؤمنين به أيضا إلى قيام الساعة .

و لقد ورد ذكر الصبر في العديد من آي الذكر الحكيم ، ومنها ما جاء في الآية العشرين من سورة الفرقان حيث قال الله تعالى : (( وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون وكان ربك بصيرا )) ، ولقد جاءت هذه الآية ردا على قول كفار قريش  في  الآية السابعة من نفس السورة : ((  وقالوا ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا )) .

ومعلوم أن إصرار الكفار على البقاء على كفرهم، كان يدفعهم إلى التماس كل ما في وسعهم من ذرائع لتبرير ذلك . ومن ذرائعهم لقصور فهمهم أنهم لم يستسغوا أن يكلف بنقل رسالة الله عز وجل إليهم رجل منهم  يأكل الطعام، ويمشي في الأسواق ولمّا ينزل ملك لا يأكل الطعام، يؤكد ويدعم  تكليفه بتبليغ رسالة الله عز وجل إليهم .

و لقد جاء الرد مفحما  منه سبحانه وتعالى على ذريعتهم الواهية  لتبرير كفرهم بمن أرسل إليهم ،وبما  أرسل به من عند الله عز وجل  في  قوله تعالى : (( وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا أنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق )) ، وفي هذا ما فند وهمهم بأنه ما كان ينبغي للرسول  في اعتقادهم أن يأكل طعاما أو يمشي في الأسواق ، ذلك لأنه من مقتضيات تبليغ رسالات الله تعالى للبشر أن يُكلف بتبليغها لهم  بشرٌ مثلهم ،لا يختلفون عن الطبيعة البشرية ، وليس في ذلك ما يناقض المنطق، والعقل أو يخالف الواقع . ولو كلف غير الجنس البشري من الملائكة بتبليغ تلك الرسالات لأنكرهم البشر لاختلاف طبيعتهم  ، ولما قبلوا منهم دعوتهم إلى أمور لا تسمح لهم طبيعتهم الملائكية بإتيانها  ،  فكيف يمكن الملك الرسول  أن يأمر البشر  أو يمنعهم من أكل أو شرب وهو لا يفعل ذلك ، ولا يكون إسوة وقدوة لهم في ذلك ، فيصح أن يقيموا بسبب ذلك حجة عليه . ولهذا رد الله تعالى على من اشترطوا ضرورة معية الملك مع الرسول البشر بقوله تعالى  : (( وقالوا لولا أنزل عليه ملك ولو أنزلنا ملكا لقضي الأمر ثم لا ينظرون ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا وللبسنا عليه ما يلبسون ولقد استهزىء برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزئون )) ،ففي هذه الآية ما يدل على أن  كفار قريش إنما كان قصدهم الاستهزاء برسول الله صلى الله عليه وسلم حين طالبوا بنزول ملك معه .

ولما كان هذا شأنه عليه الصلاة والسلام ،كما كان شأن المرسلين عليهم السلام من قبله مع من بعثوا فيهم من المنكرين رسالاتهم ، فإن الله تعالى أمرهم بالصبر على تكذيب من كذبوهم ، وأمعنوا في الاستهزاء بهم من خلال مطالبتهم باشتراط إنزال ملائكة معهم .

 ولقد ذكر الله تعالى حكمته من فتنة خلقه بعضهم ببعض أي ابتلائهم وامتحانهم واختبارهم ،تماما كما ابتلي المرسلون بمن كذبوهم، ولم يؤمنوا بما جاءوهم به من عند الله ، كما ابتلي أيضا المكذبون بالرسالات، وبالمرسلين الذين أقاموا عليهم الحجة ، وما تلك  الحكمة سوى الصبر الذي ذكر الله تعالى أنه به بصير .

ولما كانت العبرة بعموم لفظ التنزيل، لا بخصوص أسباب نزوله، لأنه هدي للعالمين إلى يوم الدين يهمهم جميعا ، فإن حكمة الله عز وجل من ابتلاء الخلق بعضهم ببعض هي  أولا حث عباده المؤمنين على الصبر على أذى الكافرين ، وثانيا  حثهم على الصبر في عموم أحوالهم  كما جاء في بعض كتب التفسير، ذلك أن المحاويج على سبيل المثال  يفتنون بما  في أيدي الموسرين من متاع الدنيا  ، ويتمنونه  والحسرة تعتصر قلوبهم، والمرضى يفتنون بعافية الأصحاء ، ويتمنونها ويشقون بذلك  … إلى غير ذلك مما يفتن به البشر عند اختلاف أحوالهم ما بين السعداء منهم والأشقياء في الحياة الدنيا . ولهذا تعبّد الله تعالى المؤمنين من عباده بالصبر  على الابتلاء ، وهو بصير بهم ، وأعلم بالصابر منهم وبالجازع ، وبالراضي بما قسم له ، وبالساخط عما ابتلي به أو فتن به .

مناسبة حديث هذه الجمعة هو تذكير المؤمنين بما أمرهم الله تعالى به من صبر وتحمل عند ابتلائهم ، خصوصا ما كان مكروها ، علما بأن الصبر عليه  هو المطلوب، لأن النفوس تجزع منه وقد جبلت عليه .

وأعظم مكروه ابتلي به المؤمنون في هذا الظرف بالذات هو ما يمر به إخواننا في أرض الإسراء والمعراج ،وهم محاصرون ، ومجوعون ، ومعرضون لأشرس عدوان بآلة حربية مدمرة للعمران  تدميرا، ومهلكة للإنسان  هلاكا ، وهم مستهدفون بالتهجير القسري من أرضهم ظلما وعدوانا .، والبشرية  جمعاء تتفرج عليهم ، ولا تحرك ساكنا ،  ولا يستيقظ لها ضمير ،وقد خذلهم من أوجب الله تعالى عليهم نصرتهم  ،وهم أقدر على ذلك  من غيرهم ، وإن هذا لبلاء عظيم يقل عنده الصبر إلا من ألهمه الله تعالى إياه وأقدره عليه . ومن البلاء أيضا أن يتجرع معهم مرارة الألم مؤمنون بعيدون عنهم،  يشاهدون ما هم عليه من سوء الحال، ولكنهم لا قدرة لهم على نصرتهم ، ولا يستطيعون إلى ذلك   حيلة ، ولا يهتدون سبيلا ، ويشق عليهم الصبر ،وهم على هذه الحال من المعاناة يصبحون ويمسون عليها ، وليس لهم سوى اللجوء إلى الله تعالى والضراعة إليه كي يتدارك  هؤلاء المستضعفين في الأرض ، ويعجل لهم بفرج من عنده ، ويطفىء نار حرب  وعد بإطفائها كلما أوقدها الذين عرفوا بذلك ، ودأبوا عليه عبر التاريخ ، وكما صورهم القرآن الكريم  .

اللهم  يا جبّار السماوات والأرض ، ويا قاهرا فوق عباده ،اقهر من تجبروا وطغوا على عبادك المؤمنين في تلك الأرض التي باركت  فيها مسجدك الأقصى ، وباركت ما حولها. اللهم إنك عليم بحالهم وسميع بصير ، لا يخفى عليك  شيء مما هم عليه من سوء الحال ،وقد سُلِّط عليهم  عدوهم ، وخذلهم الناس جميعا سواء كانوا كفارا يوالون عدوهم ، أو كانوا إخوة لهم في الدين من أوجبت عليهم نصرهم فلم ينصروهم ،  ولم يستطع سبيلا  إلى نصرهم من لا قدرة لهم على ذلك لبعد أو لعجز  . اللهم أرنا قريبا غير بعيد عجائب قدرتك  فيمن غرتهم قوتهم وعددهم وعدتهم ، وظنوا أنهم لا قاهر لهم ،وأنت القهار الجبار سبحانك .

اللهم إن عبادك المؤمنين الذين يتمنون نصرهم ، ولا سبيل لهم إلى ذلك يألمون شديد الألم ،وأنت أعلم بهم  لا يخفى عليك حالهم ، فلا ترد أيديهم الممدودة إليك بالدعاء والضراعة كي تكشف عن إخوانهم ما فيه من بلاء عظيم ، وتنصرهم كما نصرت عبادك المؤمنين السابقين، وإنك لقريب سميع مجيب .

والحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات ، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *