أحاديث رمضان : » رمضان دورة تدريبية على التخلق بفضيلة الجود والكرم والبذل والعطاء » ( الحلقة الثالثة )

أحاديث رمضان : » رمضان دورة تدريبية على التخلق بفضيلة الجود والكرم والبذل والعطاء » ( الحلقة الثالثة )
محمد شركي
مر بنا سابقا أن اجتماع عبادتي الصيام والقيام في هذا الشهر الفضيل باعث على سمو الإنسان المؤمن روحيا ونورانيا ، وتعاليه عن طبيعته الطينية الشهوانية .ومعلوم أن كبح جماح الشهوة بالصوم يترتب عنه فضائل أو أخلاق ، نذكر منها خلق أو فضيلة الصبر، وهو ضرورة لا مندوحة للإنسان المؤمن عنها خلال خوضه غمار الحياة في محيط يخالط فيه غيره من الناس، وهو لذلك ملزم ومضطر للتعامل معهم ، وعليه أحيانا أن يتحمل منهم ما يسوءه ولا يسره ويصبر على ذلك .
ومن الأخلاق والفضائل أيضا خلق أو فضيلة الجود أو الكرم ،علما بأن الإنسان الذي فطره الله تعالى على أحسن تقويم قد جبل على هذا الخلق أو هذه الفضيلة طبعا إلا أن انحرافه عن الفطرة السوية التي فطر عليها تجعله يسقط في رذيلة الشح بحكم طبيعته الطينية التي تتحكم فيها الغرائز والشهوات ، ومنها غريزة أو شهوة حب الامتلاك بكل أنواعه، الشيء الذي يجعل التخلي عنها شاقا عسيرا على الإنسان فيتطبع بالبخل أو الشح.
ومما يقي الإنسان المؤمن من الانحراف عن خلق الجود والكرم والعطاء ما تعبده به الله تعالى في رمضان من صوم يكبح اشتهاءه الطعام والشراب ،فيجوع ويظمأ وتتوق نفسه إليهما كأشد ما يكون التوقان ، وهو ما يجعله يحس بمثل ما يحس به من يجوعون ويظمئون من المحاويج في أعوام من حياتهم تفوق فترة جوعه وظمئه خلال شهر الصيام . ولا شك أن من يمر بتجربة جوع وعطش خلال هذا الشهر، سيستحضر لا محالة تجارب هؤلاء المحاويج ، ولنا دليل على ذلك في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي جاء فيه :
» بينما رجل يمشي بطريق اشتد عليه العطش ، فوجد بئرا فنزل فيها فشرب ، ثم خرج فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش ، فقال الرجل : لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان قد بلغ مني، فنزل البئر فملأ خفه ماء ثم أمسكه بفيه حتى رقي ، فسقى الكلب ، فشكر الله له فغفر له . قالوا : يا رسول الله إن لنا في البهائم أجرا ؟ فقال: في كل كبد رطبة أجر » .
ومعلوم أن الذي جعل هذا الرجل يجود على الكلب الظمآن هو ما بلغ به العطش ، وكذلك حال كل من يمر بتجربة عطش أو جوع .
وإننا لنرى الناس في شهر الصيام يسارعون في إطعام وسقي بعضهم البعض ساعة الإفطار بدافع ديني أولا ، ثم بدافع تجربة الإحساس بالجوع والعطش أيضا، وهو ما يجعلهم يتطبعون على الجود والكرم جبلة وتدينا معا .
ومن مظاهر التخلق بالجود والكرم أيضا خلال شهر الصيام في عموم بلاد الإسلام أن المسلمين يعدّون موائد إفطار جماعية قد يحضرها معهم حتى غير المسلمين من المحاويج وأبناء السبيل . ومن ذلك أيضا إعداد موائد إفطار في مؤسسات خيرية تأوي العجزة والأيتام و مؤسسات الأسرى كما هو الحال في بلادنا .
وهكذا يكون شهر الصيام بالنسبة للمسلمين عبارة عن دورة تكوينية يتدربون خلالها على خلق أو فضيلة الجود والكرم والبذل والعطاء ، ولهم في رسول الله صلى الله عليه وسلم إسوة حسنة كما جاء في الحديث :
» كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير ، وكان أجود ما يكون في شهر رمضان حتى ينسلخ ، فيأتيه جبريل ، فيعرض عليه القرآن ، فإذا لقيه جبريل كان رسول الله أجود بالخير من الريح المرسلة « .
وليس من قبيل الصدفة في هذا الحديث أن يقترن جود رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرض جبريل القرآن الكريم عليه ، الشيء الذي يدل على أثر هذا الأخير في تخلق المسلمين بالجود ، ذلك أن القرآن الكريم فيه الكثير من الآيات الحاضّة على الإنفاق سواء المفروض منه كالزكاة أو المستحب منه كالصدقات .
وإذا ما اجتمع على المؤمنين صيام النهار في رمضان، وفيه إحساس بالجوع والعطش يحملهم على الإحساس بهما عند غيرهم ، وقيام الليل بالقرآن الكريم، وفيه الحث على خلق أو فضيلة الجود والكرم ، فإنهم يتلقون بذلك تكوينا جيدا على الجود والكرم وهو ما يقيهم شح أنفسهم بعد انصرام شهر الصيام ويتطبعون على ذلك بعده ، وبذلك يفوزون بالفلاح مصداقا لقول الله تعالى : (( ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون )) .
Aucun commentaire