Home»Islam»حديث الجمعة : (( يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل ))

حديث الجمعة : (( يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل ))

0
Shares
PinterestGoogle+

حديث الجمعة : (( يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل ))

محمد شركي

من المعلوم أن الله عز وجل قد تعبّد عباده المؤمنين بعبادة الجهاد ، وهو عبارة عن بذل الجهد في نفير يكون الغرض منه دفع أو رد العدوان انتصار  لدين الله عز وجل الذي به تستقيم أمورهم وأحوالهم  فيحيون حياة طيبة ، وتصان بيضتهم وكرامتهم . ويذكر غالبا الجهاد في كتاب الله عز وجل مصحوبا بعبارة في سبيل الله ، وهو الطريق المفضي إلى مرضاته سبحانه وتعالى إذ به يحصل التمكين الذي أراده لدينه ، و به يسود شرعه الذي تحصل به الحياة الطيبة لعباده المؤمنين ذلك أن هذا التمكين لدينه هو الضمان الوحيد لتحصيلها .

ويأتي غالبا أمر الله تعالى بالجهاد في سبيله في ثنايا الذكر الحكيم عبارة عن إغراء أو تحريض ، ويكون مصحوبا بذكر  ما أعد له من عظيم الجزاء في الآخرة . ولقد جعل الله تعالى الجهاد في سبيله إما بذلا للأنفس، وهي أغلى ما يملك الناس أو بذلا للأموال العزيزة عليها أيضا، والتي بها يكون تمويله ، وهو بذل يشق على النفوس لعلقها بالمال كأشد ما يكون تعلقها ، لهذا يغريها الله تعالى ببديل عن بذله في سبيله هو أغلى منه في الآخرة .

ومما ورد في الذكر الحكيم من إغراء عباده المؤمنين بالجهاد في سبيله قوله تعالى في الآية الثامنة والثلاثين من سورة براءة  : (( يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل )) ، وقد جاء في كتب التفسير أن مناسبة نزول هذه الآية الكريمة هو تخلف بعض المؤمنين عن الخروج إلى غزوة تبوك التي استنفروا إليها في وقت حر شديد، والمؤمنون المجاهدون يومئذ في أمس الحاجة إلى العدد والعدة حتى أنها لصعوبتها سميت غزوة العسرة .

ولقد جاء خطاب الله تعالى في هذه الآية عبارة  عن استفهام إنكاري يدل على لوم وعتاب من تخلفوا عن الاستجابة لدعوة النفير ،والنفير يستعمل غالبا للدلالة على  الإسراع في الخروج جهادا في سبيل الله . ومعلوم أن المؤمنين زمن البعثة النبوية كانوا إذ استنفرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم للجهاد سارعوا إلى ذلك لا يبالون بمال أو أهل أو ولد  أو وطن ،لأنهم كانوا يقدرون الجزاء العظيم الذي وعد به الله تعالى المستجيبين المبادرين إلى ما يدعوهم إليه رسوله صلى الله عليه وسلم بأمر منه سبحانه وتعالى ، وهو ما  به تتحقق حياتهم الطيبة في الدنيا وفوزهم بالجنة مصداقا لقوله تعالى : (( يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم )) . ومعلوم ان الجهاد في سبيل الله  هو مما  تتحقق به حياتهم ،لأن به يكون التمكين لدين الله عز وجل في الأرض ، وبالدين  تستقر أحوالهم وأمورهم ، وتكون حياتهم طيبة .

ولقد عبر الله تعالى  عن تخلف من تخلفوا عن الخروج إلى غزوة تبوك بقوله (( اثاقلتهم ))، والاثقال عبارة على تكلف الثقل أي إظهار العجز عن النهوض،  وفي هذا التعبير القرآني البليغ  تعريض بأن بطأهم يومئذ عن الاستجابة للنفير، لم يكن عن عجز منهم أو عن مانع  مقبول شرعا، بل كان تعلقا بالأموال والأهل والأولاد ،وإيثارا للقعود والتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن جهاد افترضه عليهم الله عز وجل تمكينا لدينه ، وهو ما كشف عنه سبحانه وتعالى في قوله : (( أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا بالآخرة إلا قليل  )) مقارنا ما بين الرضى بالدنيا ، وبين ما عنده من عظيم الأجر والثواب في الآخرة.

 و لقد أعقب  خطاب العتاب مباشرة خطاب التهديد حيث قال  سبحانه وتعالى : (( إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم ولا تضروه شيئا والله على كل شيء قدير )) . وحري بمن يسمعون هذا الوعيد الشديد ألا يتخلفوا  إذا  ما استنفروا، لأنهم إن لم يفعلوا فإن عدوهم سيهاجمهم في ديارهم ، و ينال منهم ،ويستأصل شأفتهم ، و بذلك يحل الله تعالى غيرهم مكانهم .

ولما كانت العبرة في كلام الله عز وجل بعموم ألفاظه، لا بخصوص أسباب نزوله ، فإن هذه الآية الكريم خطاب إلهي موجه إلى عموم المؤمنين في كل زمان ، وفي كل مكان إلى قيام الساعة إذ يتعين عليهم إذا ما استنفروا  في سبيل الله أن ينفروا ،وألا يثاقلوا إلى الأرض رضىً بالحياة الدنيا عن الآخرة ،وأن يحذروا وعيد الله الشديد  في الدنيا والآخرة .

مناسبة حديث هذه الجمعة هو تذكير المؤمنين بما أوجب الله تعالى عليهم في هذا الظرف بالذات من نصرة المستضعفين من عباده المؤمنين بأرض الإسراء والمعراج، وقد حوصروا، وجوعوا إذ منع عنهم الطعام والشراب والدواء ، وهوجموا بأعتى آلة حربية جوا وبرا وبحرا، وعدوهم الشرس يريد استئصالهم من أرضهم إما بإبادتهم الإبادة الجماعية أو بتهجيرهم منها ليحل محلهم ، وقد صار هو من يدعمه  من طغاة هذا العصر يصرحون بذلك جهارا نهارا أمام أنظار العالم ، والمستضعفون من الرجال والنساء والأطفال يستغيثون ولا مغيث ، والأمة المسلمة يفوق عددها المليار والنصف ،وهي أغنى الأمم في المعمور، لكنها لا تجرؤ على فك الحصار عن المحاصرين المجوعين خوفا من عدوهم وممن أطغاه  من الطغاة ، وأطلق يده لتقتيلهم وإبادتهم ، والتنكيل بهم كأشد ما يكون التنكيل ، وهو الذي استنبت قبل عقود فقط  ورما خبيثا في أرضهم  في فترة ضعفهم ، وتخلي الأمة عنهم ،  ثم صار بعد ذلك يدعي أنه صاحب الأرض ، ولم يعد اليوم  يقف عند هذا الحد من السطو، بل  تجرأ على التصريح  بطمعه في المزيد من أراضي المسلمين مستغلا تراخيهم وتقاعسهم عن ردعه واستئصاله من أرض لا حق له فيها كما يزعم ويدعي باطلا  .

ومعلوم أن استغاثة المستضعفين من المؤمنين في أرض الإسراء والمعراج هي اليوم في حكم استنفار الأمة المسلمة قاطبة من أجل فك الحصار الخانق عنهم ، ومن أجل إيقاف العدوان الشرس عليهم ، ولا عذر لها وإلا كان تلكؤها مستوجبا لما توعدها به الله تعالى من عذاب أليم ، فضلا عن التهديد استبدالها بغيرها، ولا تضره شيئا ،وهو على ذلك لقدير . وإنه يوشك  أن يحصل شيء من ذلك بسبب تقاعسها  في هذا الظرف عما أمرها به سبحانه وتعالى من نفير حيث  يزيد  التقاعس من طمع أعدائها فيها حتى يشملها عدوانهم عليها في كل أرجاء المعمور كما تنذر بذلك أقوالهم وأفعالهم التي لا كابح لها اليوم .

اللهم إننا نسألك نصرا من عندك لعبادك المستضعفين في أرض الإسراء والمعراج المقدسة ، وقد تخلى عنهم القريب والبعيد ، وأنت  وحدك أعلم بحالهم ، ولا مغيث  لهم ، ولا ناصر إلا أنت، وكفى بك مغيثا، وناصرا، ومعينا، ووكيلا . اللهم عجل لهم بفرج  قريب من عندك كما فرجت عنهم من قبل . اللهم ثبت  أقدام المجاهدين منهم في سبيلك الذين استجابوا لأمركم، وسدد  اللهم رميهم ،ولا تجعل لأعدائهم عليهم سبيلا . اللهم هذه العشر الأواخر من شهرك الفضيل، وفيها ليلة القدر التي فضلتها على ألف شهر ، فلا تخيب يا ربنا دعواتهم ولا دعوات كل مؤمن دعا لهم بالفرج القريب  في مشارق الأرض ومغاربها ،ودعا على أعدائهم بهلاك قريب، وأخذ من عندك شديد . اللهم إن قلوب عبادك المؤمنين الذين لا يستطيعون نصرهم من قريب تتفطر ألما وحزنا ،فلا ترد لهم دعاء وهم يتوسلون ضارعين إليك لنصرتهم ، ولا تؤاخذهم اللهم بما لا حول لهم ولا قوة . اللهم ارحم شهداء الأقصى، وأفرغ صبرا على أهلهم وذويهم ، وعلى كل المحاصرين وثبتهم . اللهم إنك على من طغوا وتجبروا عليهم لقدير، فأرنا اللهم فيهم عجائب قدرتك ، وسلط عليهم من عذابك الذي سلطته على الطغاة الغابرين، إنك على كل شيء قدير .

ربنا تقبل منا الصلاة والصيام والقيام ، ولا تحرمنا ربنا جائزة المغفرة والعتق من النار في هذا الشهر العظيم  ، وبلغنا اللهم  ليلة القدر ، ولا تحرمنا  أجرها وثوابها .

والحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات ، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *