أيتها الناشئة المتعلمة لا تكذِّبي الذكاء الاصطناعي ، ولا تصدقيه لأنه قد يفيدك في تعلماتك كما أنه قد يضلك أيضا لأنه مجرد آلة مسؤولتها تقع على البشر
أيتها الناشئة المتعلمة لا تكذِّبي الذكاء الاصطناعي ، ولا تصدقيه لأنه قد يفيدك في تعلماتك كما أنه قد يضلك أيضا لأنه مجرد آلة مسؤولتها تقع على البشر
محمد شركي
مما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله : » إذا حدثكم أهل الكتاب ، فلا تصدقوهم ، ولا تكذبوهم « ، لأنهم حرفوا ما أنزل الله إليهم ، ورب مصدق يحكي عنهم كذبا جاء فيما حرفوه ، ورب مكذب لهم فيما لم يحرفوه وهو صادق.
وهذا القول ينطبق اليوم تماما على الذكاء الاصطناعي الذي نشأ حوله خلاف بين من يثنون عليه ، ومن ينتقدونه . ولقد سبق أن نشر موقع وجدة سيتي مقالا عنه ، أحسب أن صاحبه أثنى عليه ، وانتقد بعض من انتقدوه .
أما أنا فإني في هذا المقال لست من هؤلاء ، ولا من أولئك ، بل قصدي من موقع تخصصي السابق في المجال التربوي حيث عملت مدرسا ومفتشا لما يزيد عن ثلاثة عقود ونصف، هو توجيه ناشئتنا المتعلمة إلى كيفية التعامل مع هذا الجني المنبعث من واد عبقر، والذي غزا بقوة حياة البشر في هذا العصر .
مناسبة كتابة هذا المقال هي عودة بِنتيَّ إحداهما في المستوى الإعدادي ، والأخرى في المستوى اللتأهيلي إليَ بين الحين والآخر في بعض ما تسألان عنه الذكاء الاصطناعي حين تعوزهم الحاجة إليه ، وكنت أجد في بعض ما يجيبهما عنه في اللغة العربية نحوها، وصرفها ،وبلاغتها، وشعرها ، ونثرها ما يتنكب فيه الصواب ، فأنبههما إلى ذلك ، وأطلب منهما تحري الصواب في غيره من المصادر .ولقد كان لا بد من إقناعهما بأن هذا الذكاء العبقري له زلات ليس هو المسؤول عنها، بل يتحمل مسؤوليتها من لم يطوروا برمجته في بعض المعارف والمجالات ، الشيء الذي يجعله يشتغل على ما بين يديه من مصادر مع تصرف وفق ما برمج عليه ، فاخترت اختباره في الشعر ، فسألته عن مطلع قصيدة لي رثيت بها صديقا عزيزا رحمة الله عليه ، قلت فيه :
أدمعا سح طرفك أم أراقا دما لمّا بكى الرئم اشتياقا
فأجابني بأن هذا المطلع هو مطلع قصيدة غزلية للشاعر العباسي ابن المعتز مع التنصيص على أنها موجودة في ديوانه . ولا أخفي زوار قراء هذا الموقع أنني ذهلت ، وقلت في نفسي إن صح جوابه ،وأنا لم أطلع عليه من قبل ،فلن يصدق أحد أن مطلع قصيدتي هو من إبداعي الشخصي ، بل سأتهم لا محالة بسرقة أدبية ، وأحشر بذلك مع الشعراء السُّرَّاق، فأسرعت إلى ديوان ابن المعتز أصفح القافية ذات روي القاف ، فلم أجد عند ما زعمه الذكاء العبقري ، وأخبرته بأن المطلع من شعري ، فاعتذر بأدب ، وتمنى الاستزادة من أشعاري ، ثم سألته مرة أخرى عن بيت شعر لي في نفس القصيدة وهو :
فكيف أُلام أو أُرمى بذنب سألتكِ بالذي ركب البراقا ؟
فأجاب بأنه للشاعر عبد الله بن رواحة ، فنبهته ثانية إلى أن البيت من شعري أيضا ، وأنه من نفس القصيدة ذات المطلعة السابق ، فاعتذر بنفس الطريقة ، واستزاد من شعري .
وبهذا أيقنت أنه في تعامله مع الشعر العربي الذي لا يعرف مصادره ، ويسأل عن بعضه إنما ينطلق من كلمة أو عبارة مشابهة لما في جعبته من أشعار ، فيجازف بنسبة ما سئل عنه إلى غير قائليه .
ولا مشكل يطرح حين يكون السائل على دراية بالمجال الذي يسأل عن قضاياه العقل الاصطناعي ، إنما المشكل حين تسأله الناشئة المتعلمة ببراءة عما تجهله ، فيجيبها بأجوبة غير صحيحة أو غير دقيقة ، فتعتمدها في تعلمها على أساس أن هذا العقل لا يأتيه باطل من بين يديه ، ولا من خلفه ، ومما حدثتني به في هذا الصدد أستاذة جامعية متخصصة في المعلوميات أن طلبتها المهندسين يعتمدون أجوبة الذكاء الاصطناعي ، وحين تنبههم إلى أخطائه ، يستغربون منها ذلك، لأنه وقر في أنفسهم أنه يصيب دائما، ولا يخطيء .
وبناء على هذا يتعين على الوزارة الوصية على الشأن الديني أن تصدر مذكرات تنظيمية تنبه فيها المدرسين والمشرفين التربويين إلى كيفية تلقين المتعلمين التعامل مع الذكاء الاصطناعي بذكاء بشري ، وتنبيههم إلى هامش الأخطاء التي يسوقها حين يجيبهم عن تساؤلاتهم . وعلى المدرسين أيضا أن ينتبهوا إلى ما يوافيهم به المتعلمون من أجوبة عن أسئلة الإعداد القبلي التي يزودهم بها الذكاء الاصطناعي ، وأن ينتبهوا أيضا إلى استعانتهم به على الغش في فروض المراقبة المستمرة ، أو في الامتحانات الإشهادية .
وأخيرا نختم بهذه الدعابة ، ونقول : » ما يزال الذكاء الاصطناعي يكذب حتى يكتب عند المتعلمين كذّابا » ، مع أنه ليس كذلك ،لأنه كما يُعدُّ راوي الكفر ليس بكافر، فراوي الكذب ليس بكاذب، خصوصا إذا كان آلة خاضعة لمن آفتهم الخطأ والكذب من البشر .
1 Comment
أقول الوزارة الوصية على الشأن التربوي وليس الشأن الديني