Home»Islam»حديث الجمعة : (( يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا و في الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء ))

حديث الجمعة : (( يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا و في الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء ))

0
Shares
PinterestGoogle+

حديث الجمعة : (( يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا و في الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء ))

محمد شركي

من أكبر نعم الله عز وجل على بني آدم نعمة  الإيمان الذي يزودهم بيقين راسخ مفاده أن معية الخالق سبحانه وتعالى تلازمهم  ولا تغادرهم طرفة عين ولا أقل من ذلك ، وأنهم لم يتركوا دون رعاية من لا  تأخذه سنة ولا نوم . وهذا اليقين من شأنه أن يبعث في نفوسهم الطمأنينة وراحة البال، وهم يخوضون غمار الحياة الدنيا التي فيها يبتلون قبل الانتقال إلى الدارالآخرة حيث يجزون بما كانوا يعملون.

والإيمان  هو إقرار بوجود الله تعالى وجود وجوب ، ويترتب عنه إقرار بكل ما ذكره الله تعالى في محكم التنزيل من إيمان بالملائكة الكرام ، وبالكتب المنزلة من عنده سبحانه وتعالى ، وبالمرسلين صلواته وسلامه عليهم أجمعين ، وباليوم الآخر ، وبالقدر خيره وشره .

وكل من حصل لديه الإقرار بوجود الله تعالى إلها واحدا لا شريك له في الألوهية والربوية ، وبما ترتب عنه من إخبار بما غيبه  سبحانه في عالم الغيب وبما كشف عنه في عالم الشهادة ، فإنه يثبته على ذلك ثباتا لا  يتزعزع ، ولايخامره فيه شك  ، وعليه يحيى، وعليه يموت ، وبه يبعث .

ولقد تعدد ذكر الإشارات إلى نعمة الثبات في العديد من آيات الذكر الحكيم ، ومنها قوله تعالى : (( يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء )) ، فهذه الآية  هي التاسعة والعشرين من سورة إبراهيم التي افتتحت بقوله تعالى : (( ألر كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور )) ، وهو افتتاح  فيه إشارة  إلى ثنائية الظلمات والنور ، ظلمات كني بها عن الكفر والشرك ، ونور كني به عن الإيمان.وهنا لا بد من الإشارة إلى أن صيغة الجمع في الظلمات تدل على تعدد أنواع الضلالات من كفر، وشرك ، وعصيان يوقع فيهما، بينما دلت صغية المفرد في النور على هداية الإيمان.وهكذا ارتبطت آية التثبيت بما افتتحت به السورة إذ تفضل الله تعالى على المؤمنين بتثبيتهم على الإيمان بينما أضل الظالمين بكفرهم  وشركهم ، وأي ظلم أكبر منهما .وكما قدم الله عز وجل لهذه الآية بآية الإخراج من الظلمات إلى النور  في فاتحة السورة ، فإنه قدم لها بآية تتضمن هي الأخرى  ثنائية تمهد لها أيضا ، وهي قوله تعالى : (( ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار )) ، والثنائية في هذه الآية لا تختلف عن الثنائية في الآية  الأولى حيث تقابل الشجرة الطيبة  النور ، بينما تقابل الشجرة الخبيثة الظلمات . ولقد ساق الله تعالى ذكر الشجرتين كمثل فيه تذكرة للناس . وعلى غرار الشجرة الطيبة الثابتة الأصل السامقة الفرع ، والمثمرة كل حين، يكون حال المؤمنين الذي يثبتهم الله بكلامه الذي أوحي به إلى رسوله صلى الله عليه وسلم ، وجعله وسيلتهم للخروج من ظلمات الكفر والشرك إلى نور الإيمان  ، كما  أنه على غرار الشجرة الخبيثة المجتثة من فوق الأرض ، ولا قرار لها ، يكون حال المتلبسين بالكفر والشرك بسبب انصرافهم عن كلام الله عز وجل المنقذ  لهم مما هم فيه من ضلال . وتثبيت المؤمنين بالقول الثابت  في الحياة الدنيا إنما هو صدورهم في كل أعمالهم ،وتصرفاتهم، ومواقفهم  عما جاء في قول الله تعالى  من أوامر ونواه ، لا يثنيهم  أبدا شيء عن ذلك مهما كانت الظروف ، ولا تلين لهم قناة في الثبات على الحق المبين بشموخ وعلو كشموخ الشجرة الطيبة وثباتها . وكما أن لهذه الشجرة الطيبة أكل دائم ، فإن للمؤمنين سعي خيّر صالح  على الدوام  في حياتهم الدنيا ، وهو ثمرتهم  فيها التي يجنون أجرها  وثوابها في الدار الآخرة التي يرحلون إليها، وهم على نفس الثبات الذي ثبتهم به الله تعالى في دنياهم ، وذلك في أول مرحلة من مراحل الآخرة حين يقبرون ويسألون المسألة المعلومة ، والتي يكون سداد جوابهم عنها بشارة لهم  ، ويفعل بهم الله تعالى خيرا ، وهو الفعال لما يشاء كما جاء في تذييل الآية الكريمة : (( ويفعل الله ما يشاء )) ، ولا يحيط علما بما يشاء إلا هو جل في علاه .

مناسبة حديث هذه الجمعة هو تنبيه المؤمنين إلى عظمة نعمة  الإيمان الذي من ثمراته الثبات على القول الثابت الذي هو كلام الله عز وجل عملا بما أمر فيه ، واجتنابا لما نهى عنه دون حيد عنه قيد أنملة ، ودون انسياق وراء الدعوات التي تدعو إلى مخالفة أوامره ، والتحريض على إتيان نواهيه خصوصا في هذا الظرف بالذات الذي انبرت فيه  بعض الجهات للتشويش على ثبات المؤمنين كي يعرضوا عن شرع ربهم المنصوص عليه في كلامه ، وفي كلام رسوله صلى الله عليه وسلم ، وذلك  من أجل زعزعته خدمة لأجندات أجنبية لم  يعد أمرها خافيا على المؤمنين ،  ويراد بها فرض الوصاية عليهم في أوطانهم ، وتمرير ما خفي من سوء فيها  تحت شعارات توهم بأن ما تدعو له وما تسوقه هو عين الصواب ، والحكمة ، والحصافة ، والرشد ، والحق … ولسان حالها كلسان مقال من قال عنهم الله تعالى في محكم التنزيل :

 (( وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين لا يرجون لقاءنا اِئت بقرآن غير هذا أو بدله قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي إن أتبع إلا ما يوحى إلي إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم )) .

ومن القول الثابت الذي يثبت به الله تعالى عباده المؤمنين أن يقولوا لكل من لا يرجون لقاء الله عز جل تكذيبا بالبعث  إذا ما أمروهم بتبديل شرع الله  بشرائع أهوائهم الوضعية : ما يكون لنا أن نبدله من تلقاء أنفسنا إن نتبع إلا ما بلغ لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم مما أوحي إليه ربه في محكم التنزيل .

وبناء على هذا، فكل من رضي شرائع الأهواء الوضعية بديلة عن شرع الله تعالى، فقد وقع في الظلم عمدا ، وظلم بذلك نفسه ،وشأنه في ذلك كشأن من أعرض عن شجرة طيبة أصلها ثابت ، وفرعها في السماء ، تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ، وأقبل على شجرة خبيثة اجتثت من الأرض ما لها من قرار ، وأكلها خبيث  .  بهذا التمثيل البليغ الذي ضربه الله مثلا للناس لعلهم يتفكرون ،وجب على المؤمنين  أن يكونوا أولى بالتفكر فيه من غيرهم ، بل أسرع إليه منهم في هذا الزمان عسى أن يغير الله تعالى ما ساء من أحوالهم ، ويتداركهم بلطفه ورحمته .

اللهم إنا نسألك الثبات الذي لا يتزعزع ، ولا يفتر على دينك ، و على شرعك كتابا وسنة، نعمل بما أمرت فيهما ، وننتهي عما نهيت عنه فيهما ، لا مبدلين ، ولا مغيرين ، ولا فاتنين ، ولا مفتونين حتى نلقاك على نعمة الثبات التي أنعمت بها علينا .

اللهم انصر دينك ، واعل رايته ، وأظهره على الدين كله ، وانصر اللهم من نصر دينك ، واخذل من خذله ، وخذل عبادك المؤمنين . اللهم انصر من أكرمتهم بنعمة الجهاد بأموالهم وأنفسهم  في سبيلك، ومن أجل تحرير مسجدك الأقصى من دنس الصهاينة  الطغاة المجرمين  ،وآثرتهم بنعمتك على غيرهم تشريفا ، وتثبيتا لهم في زمن الفتنة  التي يعاني منها كثير من المفتونين في دينهم  . اللهم قوي شوكتهم ، وسدد رميهم ، وثبت أقدامهم ، وامددهم بمدد الذي لا ينفد ، وجندك الذي لا يقهر ولا يهزم  ، واحفظهم اللهم من بين أيديهم ، ومن خلفهم ، وعن أيمانهم ، وعن شمائلهم ، ومن فوقهم ، ومن تحت أرجلهم ، ولا تجعل اللهم لأعدائهم عليهم سبيلا . اللهم اعصم دماء وأرواح المستضعفين  من الرجال والنساء والولدان الذين لا يستطيعون حلية ولا يهتدون سبيلا  في عزة والضفة ، واشف اللهم جراح المكلومين ، واشف صدورهم بفرج  قريب في طيه نصر مبين آمين يا رب العالمين  .

والحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات ، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *