حديث الجمعة : (( ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيد ا ))
حديث الجمعة : (( ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيد ا ))
محمد شركي
من المعلوم أن الله عز وجل لما أسكن بني آدم الأرض، واستخلفهم فيها لم يكلهم إلى أهوائهم كي لا يضلوا، فيجور بعضهم على بعض خصوصا وأن إبليس اللعين ساكنهم هو وقبيله الأرض، وأقسم بعزة الله تعالى أن يأتيهم من بين أيديهم ، ومن خلفهم ، وعن أيمانهم ،وعن شمائلهم يغريهم، ويصرفهم عن هدي ربهم ليضلوا الضلال البعيد . ومن عنايته سبحانه وتعالى بهم أن شرع لهم ما به يستقيم أمر معاشهم ومعادهم . وعهد سبحانه وتعالى إلى رسلهم الكرام صلواته وسلامه عليهم أجمعين الذين أرسلهم تترا بتبليغ شرعه إلى من أرسلوا إليهم إلا أن كثيرا من الخلق كانوا يزيغون عنه إلى شرائع أهوائهم ، واستمروا على هذه الحال عبر حقب تاريخية طويلة متوالية إلى أن بعث خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم المصدق لما بين يديه من التوراة والإنجيل ، والذي أوكل إليه الله تعالى ب تبليغ شرعه للعالمين إلى قيام الساعة رحمة بهم ، وهدايتهم إلى ما فيه خيرهم في العاجل والآجل ، و لقد فرض عليهم أن يحتكموا إليه في كل ما يشجر بينهم فرادى وجماعات ، وأن تتنكبوا الاحتكام إلى شرائع أهوائهم التي تؤدي بهم إلى الهلاك.
ولقد أنزل الله تعالى قرآنا يصف حال الذين يدعون الإيمان به ولكنهم لا يحتكمون إلى شرعه ، ويفضلون الاحتكام إلى شرائع أهوائهم ، حيث قال مخاطبا رسوله صلى الله عليه وسلم : (( ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا )) ، ففي هذه الآية الكريمة الستنين من سورة النساء ، أخبر الله تعالى عن الذين يدعون الإيمان برسالته الخاتمة المنزلة على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، وبما أنزل من قبلها ، ولكنهم يعدلون عما شرع فيها ، وما شرع فيما قبلها ، ويحتكمون إلى الطاغوت ، وما الطاغوت سوى اتباع أهوائهم التي يضلهم بها إبليس اللعين .
ولقد جاء في كتب التفسير أن سبب نزول هذه الآية هو نزاع نشأ بين يهوي وأنصاري، وكان كلاهما منافقا ، فاشترط المنافق اليهودي التحاكم عند النبي صلى الله عليه وسلم ، لأنه لا يجور في الحكم ، ولا يرتشي ، بينما اشترط المنافق الأنصاري التحاكم عند أحد الكهان المرتشين ، وكان يقضي بين المتخاصمين بهواه.
ولقد كشف الله تعالى عن نفاق هؤلاء المنافقين حيث قال سبحانه : (( ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك )) ، ومعلوم أن الزعم يكون إما حديثا كاذبا أو مشوبا بالخطإ ، ولا يكون صادقا إلا بقرينة دالة على صدقه ، وفي هذه الآية تنصرف دلالة زعم هاذين المنافقين إلى الكذب ، والقرينة على ذلك هو قوله تعالى : (( يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به )) ، ذلك أن الإيمان إنما يثبت ، ويصدق بالاحتكام إلى شرع الله تعالى ، وينتقض ولا يصح بالاحتكام إلى الطاغوت.
ولما كانت العبرة بعموم كلام الله عز وجل لا بأسباب نزوله ، فإن مضمون هذه الآية ينسحب إلى قيام الساعة على كل من يدعي الإيمان وهو معرض عن الاحتكام إلى شرع الله ، ومحتكم إلى الطاغوت الذي فرض الله تعالى الكفر به .
مناسبة حديث هذه الجمعة هو تنبيه المؤمنين إلى خطورة الزيغ عن هدي الله عز وجل ، وذلك بالإعراض عن تحكيم شرعه ، والاحتكام إليه في المنازعات والخصومات الفردية والجماعية ، والاحتكام فيها إلى الأهواء إما عن غفلة وجهل ، وإما عن قصد وسبق إصرار ، وفي كلتا الحالتين يخشى الوقوع في النفاق والعياذ بالله. ومما يوقع في آفة النفاق تقليد الأغيار من أهل الملل الضالة أو ممن لا دين لهم أصلا ولا ملة التقليد الأعمى في كل أحوالهم دون تثبت أو احتراز من العواقب الوخيمة لهذا التقليد في العاجل والآجل .
ومن كيد هؤلاء الأغيار بالمسلمين أنهم يفرضون عليهم شرائعهم الوضعية تحت مسميات من قبيل المواثيق والأعراف الدولية ، ويلزمونهم بالتوقيع عليها تحت طائلة الإغراء بقروض مالية أو تحت طائلة العقوبات الاقتصادية … أو غير ذلك من أنواع التهديد ، فتضطر المجتمعات المسلمة أو بالأحرى يضطر ساستها إلى التوقيع على تلك المواثيق ، وفي بعضها ما يهدد الهوية الإسلامية في صميمها ، ويقيد حرية قراراتها ، ويهدد القيم الإسلامية … إلى غير ذلك من أنواع التهديدات الصريحة والضمنية .
ومعلوم أن أكثر ما تستهدفه تلك المواثيق هي هوية المجتمعات الإسلامية من خلال استهداف أسرها عبر نواتها الصلبة التي هي المرأة حيث يراد بها أن تنسلخ من هويتها ، وتتلبس بهوية المرأة في المجتمعات الغربية اللائكية التي تعد في عالم اليوم النموذج المفروض الاقتداء به قسرا .
ومعلوم أن انسلاخ المرأة المسلمة من هويتها الإسلامية، وإلزامها بهوية المرأة اللائكية هو تهديد خطير ومباشر لهوية الأسر المسلمة ، ومن ثم هو تهديد خطير ومباشر لهوية المجتمعات المسلمة .ولقد جندت المجتمعات الغربية اللائكية عناصر محسوبة على المجتمعات المسلمة ، ووظفتها كطوابير خامسة تجاهر بلائكيتها ، وتطالب بتعميمها تحت ذريعة حرية الاعتقاد ، وحرية الرأي والتعبير . ولقد تسلقت هذه الطوابير في المجتمعات المسلمة إلى مراكز صنع القرار ، واتخذت من ذلك مطية لتمرير ما تمليه عليها اللائكية الغربية من إشاعة كل أنواع الفساد المدمر للهوية الإسلامية .
ولقد صارت تلك الطوابير الخامسة المشبوهة ترفع اليوم أصواتها عالية مطالبة بتعطيل القوانين المجرمة للفواحش في البلاد الإسلامية ، وتسويقها تحت مسميات العلاقات الجنسية الرضائية ، والمثلية تمويها على قبحها وشناعتها واستقذار المسلمين لها. إن ما تطالب به اليوم تلك العناصر المارقة هو التحاكم إلى الطاغوت الذي حذر الله تعالى عباده المؤمنين من الاحتكام إليه، وأمرهم بالكفر به صيانة لهم من آفة النفاق .
اللهم إنا نعوذ بك من كيد أولياء الطاغوت ، ونسألك الثبات على شرعك حتى نلقاك ، وأنت راض عنا .
والحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات ، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
Aucun commentaire