دور الاحتفالات المدرسية في تنمية الوعي السياسي لدى الشباب
بقلم هشام البوجدراوي
يواجه المجتمع المغربي العديد من التحديات، نتيجة للثورة المعلوماتية التي سهلت التواصل مع الآخر، والانفتاح على الثقافات المختلفة، خصوصا المهيمنة منها على المجتمع الدولي. مما أدى إلى محاولات فرض ثقافات ومعتقدات ومواقف تهدد خصوصية المجتمع المغربي، وتضعف من قيم المواطنة والانتماء والهوية لدى الشباب.
وقد شهد مفهوم المواطنة تحولا غريبا لدى المجتمع المغربي، خصوصا بالنسبة للمراهقين. حيث أثارت حادثة نزوح مئات المواطنين، بصفة غير شرعية، نحو الضفة الأخرى من شمال المغرب، نقاشات عميقة حول قيم الانتماء، ودور مؤسسات التنشئة الاجتماعية وعلى رأسها المدرسة في بناء الهوية الوطنية، وكيف يمكن إعداد الشباب ليكونوا أعضاء مساهمين في التنمية الاجتماعية والسياسية؟
قد يعتقد البعض أن أدوار المؤسسات التعليمية؛ تقتصر على نقل المعارف التي تتضمنها المناهج الدراسية، خلال الحصص الصفية. إلا أنها تتعداها إلى أوسع من ذلك، لتشمل إعداد الشباب من أجل الاندماج في الحياة الاجتماعية والسياسية، ليتبوؤوا مكانتهم كمواطنين صالحين، قادرين على الإسهام في مسلسل التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تعرفها البلاد.
وحتى تضطلع المؤسسات التعليمية بهذه الأدوار، عليها أن تتجاوز تمرير القيم الوطنية، عبر الأنشطة الاعتيادية المرتبطة بدروس المواد الدراسية، وتتنتقل إلى تبني أنماط مختلفة من التفاعلات الديداكتيكية، حتى تتناسب طبيعة الأنشطة المقدمة مع المهارات والقيم الاجتماعية والسياسية التي نتغيا إكسابها للمتعلمين/ت.
وتعتبر أنشطة الحياة المدرسية، المرتبطة بإحياء الأيام الوطنية، آلية تربوية مدرسية تساهم في ترسيخ الهوية الوطنية وتنمية الثقافة السياسية لدى الممدرسين/ت. فهي أكثر من مجرد لحظات عابرة من الاحتفال. بل هي وسيلة لغرس قيم المواطنة وتدعيم قيم الهوية المغربية في نفوس مرتفقي المؤسسات التعليمية، كما تعتبر مناسبة لتجديد الولاء والانتماء والاعتراف بالذات والافتخار بالانتماء للأرض، وتعتبر أيضا مناسبة للاعتزاز بالأحداث والشخصيات التاريخية المغربية، وبالإنجازات والجهود التي بُذلت لتحقيق الاستقلال وتحرير الأرض وبناء الدولة المغربية. كما تساهم في تشكيل الوعي الوطني الذي يعترف بالتنوع الثقافي والعرقي الذي يمثل أحد لبنات الوحدة الاجتماعية والقوة الدافعة نحو الانخراط في البناء المشترك لمستقبل البلاد.
ورغم أن الأنشطة الموازية ليست الفترة التعليمية الوحيدة التي تمرر فيها قيم التنشئة الاجتماعية والسياسية، إلا أنها تبقى الآلية المناسبة التي توظف فيها الوضعيات التعليمية التعلمية الهادفة لممارسة الكفايات الاجتماعية واكتساب الوعي السياسية.
ويبدو أن أنشطة إحياء الأيام الوطنية أصبحت تتسم بالنمطية والتكرار وضعف الفعالية بالإضافة إلى ضعف عدد حصصها المنجزة. حيث أصبحت تمرر بنفس الوسائل والدعامات والعروض ومقاطع الفيديو والصور التي قدمت بها خلال السنوات الماضية. بالإضافة إلى أن هذه الأنشطة غالبا ما يكون المدرس الفاعل الوحيد في بنائها، والتلميذ المتلقي السلبي الذي، مرارا ما يقتصر دوره على الحضور لقاعة الأنشطة كمشاهد مؤثت للفضاء المدرسي.
ويبدو أيضا أن ضعف عدد منخرطي الأندية التربوية، وكذا ضعف عدد الأنشطة المنجزة خلال الأسبوع، لا يؤشر على ضعف الحيز الزمني المخصص لأنشطة الحياة المدرسية فحسب، بل يشير أيضًا إلى ضعف تكوين منشطي الحياة المدرسية وغياب حافزية التلاميذ/ت نحو المشاركة في الأنشطة التي تتعرض لأحداث تاريخية سابقة، لها ارتباط بمكون « مادة الاجتماعيات » التي تمثل « فوبيا » التلاميذ خلال تمرير الامتحانات الجهوية. فهناك فجوة عميقة بين التوجهات الرسمية والممارسات الصفية واتجاهات التلاميذ بخصوص الأنشطة المرتبطة (بمادة التاريخ). فكثير من المدرسين يساهمون في تشكيل مواقف رافضة للمادة لدى التلاميذ/ت، بسبب طبيعة الأنشطة التقويمية، التي تتجه نحو تكريس مقولة « بضاعتنا ردت إلينا » وكذا طبيعة الأنشطة البنائية التي تعتمد الإلقاء وتدوين الملخص بالدفتر وحفظه، في حين أن مادة التاريخ من المكونات المدرسية الممتعة التي تساهم في بناء الثقافة السياسية لدى الشباب، فهي تعتمد مناهج متعددة للبحث في فهم الظواهر التاريخية وتستدعي مهارات متنوعة « مثل القراءة الفاحصة والتحليل والاستنباط والاستنتاج والمقارنة… » قصد الفهم والتحقق من الأحداث الماضية وصولا إلى الحقيقة التاريخية.
ويبدو كذلك أن الفاعلين التربويين أصبحوا يلتزمون الحياد السياسي والبيداغوجي، ويختبؤون وراء ما يسمى ”حياد المدرسة“، تجنبا للمشاركة في إحياء الأيام الوطنية. فكثير منهم أصبح يجد صعوبة في تناول الثقافة السياسية المواطنة كقيمة تمرر لأجيال الغد، لعدم استفادتهم من تدريب أو تكوين مناسب بالإضافة إلى أن التلاميذ/ت يفتقرون إلى المعرفة السياسية ولا يتابعون الأخبار والأحداث المحلية أوالدولية ولا يتفاعلون مع مضامين الأنشطة الموازية. علاوة على ذلك، فإن عددا من المدرسين/ت، يفتقرون إلى الخبرة والتجربة، خاصة فيما يتعلق بتنفيذ المناظرات وتسيير المناقشات حول المواضيع السياسية وإدارة وضعيات الحياة المدرسية، خصوصا مع جماعات التلاميذ/ت بفضاءات مفتوحة.
ولتحقيق تعليم فعال من أجل المواطنة وتنمية الوعي الاجتماعي والسياسي لدى الممدرسين/ت، كان التأكيد على ضرورة تفعيل دور المدرسة في تنمية قيم الاندماج الاجتماعية مطلوبا، وفي إرساء الثقافة السياسية المواطنة داخل أسوار المدارس مرغوبا. فالقيم تتعزز خلال أنشطة الحياة المدرسية وخصوصا خلال فترات الاحتفال بالأيام الوطنية. هذه اللحظات تتيح للتلاميذ/ت من مختلف الفئات العمرية المشاركة في ورشات العمل التفاعلي، التي تتغيا ترسيخ قيم الهوية المغربية، كما يجب العمل بمعية جمعيات المجتمع المدني، لتنظيم فعاليات مشتركة تساهم في التحسيس بالقضايا الوطنية الراهنة، وتعزيز قيم المسؤولية اتجاهها، وتحفيز المتعلمين/ت على الانخراط الإيجابي في الحياة السياسية خدمة للمجتمع وللوطن. فمن خلال هذه الأنشطة وغيرها، يمكن للمؤسسات التعليمية أن تساهم بشكل فعّال في تثقيف الأجيال الجديدة حول قضية وحدتنا الترابية، وتشجيعهم على اتخاد مواقف إيجابية اتجاهها. كما يمكن لها أيضا أن تلعب دورا مهما في تحقيق التربية الوطنية وتنمية الوعي السياسي، بوسائل ومنهجيات عمل متعددة منها: تنظيم ورشات عمل توعوية وأخرى تثقيفية، تتلوها مناقشات حول أهم الأحداث التاريخية التي ساهمت في استقلال وبناء الدولة المغربية، وتأثيرهاعلى التنشئة الاجتماعية والسياسية للمواطنين، وعلى تشكيل الاتجاهات الفكرية والمواقف السياسية والمبادئ الاجتماعية التي أطرت الاستقرار السياسي والاجتماعي للبلاد. فالوضعيات والأحداث التاريخية، التي يتم تجسيدها خلال الأنشطة الموازية، يمكن أن تساهم في تدريب الأفراد على كيفية التواصل مع الآخر وممارسة العلاقات الاجتماعية وتحديدًا العلاقات الأفقية بين الأقران والعلاقات الرأسية المؤسسية الرسمية وغير الرسمية بين البالغين والأطفال، كما تساهم أيضا في اكتساب مهارات التفكير المنهجي والناقد وآليات بناء المواقف وتبني قيم الديمقراطية المواطنة، كما تساهم أيضا في خلق فرص لممارستها في الفضاء المدرسي من خلال المشاركة في الحياة المدرسية « انتخابات المجالس التلاميذية مثلا »، هذه الأنشطة تساهم بشكل جيد في بناء مواطني الغد وتهييئهم للمشاركة في الحياة السياسية.
Aucun commentaire