Home»Enseignement»نصائح إلى كل المنتمين إلى قطاع التربية سواء كانوا مستنصحين أم كانوا من الزاهدين في النصح ( الحلقة الرابعة والأخيرة )

نصائح إلى كل المنتمين إلى قطاع التربية سواء كانوا مستنصحين أم كانوا من الزاهدين في النصح ( الحلقة الرابعة والأخيرة )

0
Shares
PinterestGoogle+

نصائح إلى كل المنتمين إلى قطاع التربية سواء كانوا مستنصحين أم كانوا من الزاهدين في النصح ( الحلقة الرابعة والأخيرة )

محمد شركي

استكمالا لما جاء في الحلقات الثلاث السابقة ، والتي تضمنت نصحا يستهدف كل المنتمين إلى قطاع التربية  في بلادنا على اختلاف مهامهم ، وصلاتهم بالناشئة المتعلمة من مستوى التعليم الأولي، فالابتدائي ، ثم الثانوي الإعدادي والتأهيلي ، سيسلط الضوء  في هذه الحلقة الرابعة والأخيرة  على الشريحة المتعلمة في التعليم العالي في مختلف الكليات ،والمدارس والمعاهد العليا على اختلاف تخصصاتها .

وأول ما تجب الإشارة إليه هو وجود قطيعة تامة بين  ما حفلت به حياة المتعلمين في المراحل التعليمية السابقة،  وبين حياتهم في مرحلة التعليم العالي ، ذلك أن كل ما ينتقل مع الطالب في هذه المرحلة هو شهادة الباكلوريا  أو شهادة تعادلها حصل عليها في السنة الأخيرة من  مرحلة التعليم الثانوي التأهيلي ، مع كشف للنقط أو العلامات المحصل عليها  في مواد  الامتحانين الإشهاديين بالسنة الأولى والثانية من سلك التعليم الثانوي التأهيلي ، ولا شيء  يذكرعن مسار  تعلم هذا الطالب في أسلاك التعليم  السابقة ، وهو مسار من المفروض أن يكون مدونا في سجل الهوية ،ومتضمنا لوضعته الاجتماعية ، والنفسية ، والصحية ، والتربوية ، والتعلمية ، وطبيعة شخصية ، ومزاجه ، ونوازعه ، وسوابقه الأدبية أو التأديبية ، وتفوقه أو تعثره … إلى غير ذلك من خصائصه ومميزاته الفارقة  ، وهو سجل لا تحرص على طلبه أو الاطلاع عليه الجهات المسؤولة عن التعليم العالي كحرصها على شواهد ونقط وعلامات نهاية التعليم الثانوي التأهيلي، مع أنه قد يفيدها في خبرة التعامل مع شريحة الطلبة الملتحقين بالتعليم العالي .

وهكذا يكون الطالب  الملتحق  في بلادنا بالتعليم العالي مجرد نقط أو علامات عددية  بالنسبة للكليات  والمدارس والمعاهد العليا ، مع أنه في واقع الأمر عبارة عن شخصية  معقدة التركيب قد أعدها خليط من التربية الأسرية ، والتربية النظامية ، وتربية المجتمع بكل ما يزخر به من قيم ، وأخلاق ،وعادات ، ونقائص ،وتناقضات ، وأحداث  مؤثرة على المدى البعيد …

ولا بد من الإشارة إلى اختلاف مرحلة التعليم العالي عن مراحل التعليم السابقة من حيث قبول الطلبة  إذ تشترط  بعض الكليات والمدارس والمعاهد العليا  معيار انتقائهم حسب ما يحصلون عليه من نقط وعلامات عددية محددة بأسقف الميزات التي تدون على شهادة الباكلوريا  الدبلومات المعادلة لها . ومع ما يبدو عليهم هذا الانتقاء من وجاهة  في نظر من اشترطوه ، فإن له جانب سلبي بحيث تحرم شرائح عريضة من  حق ولوج جميع  مؤسسات التعليم العالي المتاحة عن طريق التباري فقط دون اعتبار لشرط التميز ، ولا يكون المانع من خوض هذا التباري سوى اختلاف الشعب والتخصصات ، ولا مبرر لاشتراط عتبة التميز التي هي عبارة عن معدل عام  يسمح للمحصلين عليه فقط بالتباري  على مقاعد محدودة ، بينما يقصى كل من جاء معدله دون هذه العتبة . ورب مواهب وكفاءات خانها حظ  تخطي العتبة  تكون في الواقع  هي الأكفأ ، والأجدر بالمقاعد  دون غيرها ممن ابتسم لهم حظ بلوغ العتبة ،وخانتهم الكفاءة بعد حيازة المقاعد . وقد يتأكد هذا الأمر عن طريق إجراء دراسة  ميدانية  وعلمية دقيقة تشمل المقبولين ممن تخطوا العتبة ، فيتفوق من هم في أدنى مرتبتها على من  هم في أعلاها ، وفي هذا إذا ما ثبت دليل على ظلم وحرمان الذين أقصوا بسبب  عدم بلوغ العتبة ، وربما تفوقوا بأشواط عمن بلغوها . و لهذا لا بد من إعادة النظر في  اعتماد معيار العتبة ، والاكتفاء بشرط الحصول على شهادات نهاية الدروس في المرحلة الثانوية التأهيلية ، ويكون المعيار البديل هو اجتياز مباريات ولوج الكليات والمدارس والمعاهد العليا ثم نتائج السنة الأولى الكاشفة عن أهلية الانتماء إليها أو عدمها ، فيواصل دراسته  من يتفوق ، ويسرح السراج الجميل من يفشل ثم يوجه  حيث يمكنه المتابعة ، والتفوق والنجاح .

هذا والذي يعنينا في هذه الحلقة  الأخيرة  هو نصح المربين والإداريين في التعليم العالي بغرض تحسين علاقتهم بطلابهم ، وتوفير الظروف المناسبة لهم كي يحققوا أفضل النتائج ،  وهو نصح  كالآتي :

1 ـ استدراك ما فاتهم من معرفة طلابهم بسبب غياب سجلاتهم الهوياتية التي سبق ذكرها في حلقات سابقة ، وذلك باعتماد  إدارات الكليات والمدارس والمعاهد العليا  سجلات خاصة  بالطلبة تتضمن أوضاعهم الاجتماعية ، والنفسية ، والصحية … وغير ذلك ،  عن طريق مقابلات معهم والإنصات إليهم ، و يجب أن يشرف على الكشف عن طبيعة شخصياتهم خبراء متخصصون في مجالي علم الاجتماع وعلم النفس ، فضلا عن مطالبتهم بالإدلاء بوثائق وثيقة المصداقية،  وذات صلة بأوضاعهم الاجتماعية  والنفسية والصحية تماما كما يحصل على سبيل المثال في شرط الاستفادة من المنح وفق معيار ثبوت الاستحقاق. وعلى غرار هذه الوثائق تطلب شواهد طبية كاشفة للحالات الصحية والمرضية ،عضوية أو نفسية ، وتوضع نتائج هذه السجلات رهن إشارة أطر التدريس لمساعدتهم على حسن التعامل والتصرف مع طلبتهم على ضوئها .

2 ـ الحرص على بناء علاقة تطبعها الصداقة ، والمودة ، والاحترام  بين الطلبة وأساتذتهم ، تكون بديلا عن علاقات  الخصومة، والتوتر، والصراع ،والكراهية بين الطرفين . والسائد في بلادنا مع شديد الأسف في مؤسسات التعليم العالي وجود في الغالب حواجز نفسية فاصلة بين الأساتذة والطلبة مع وجود استثناءات بطبيعة الحال ، ذلك أن بعض الأساتذة يعاملون طلبتهم بنوع من الديكتاتورية والاستبداد ،والترهيب ،والاحتقار،والازدراء  ،والسخرية والتندر بهم  بحضور بعضهم البعض  … الشيء الذي تتولد عنه عقد نفسية  تفضي إلى أمراض ،على رأسها حالات الاكتئاب المزمنة التي قد تفضي أحيانا إلى حالات انتحار . ولا أريد الخوض في بعض التصرفات الشاذة لبعض أطر التعليم العالي والتي تتعلق بالابتزاز أو التحرش الجنسي الذي يكون ضحاياه في الغالب من الطالبات حيث تقايض الأعراض بالنقط والعلامات ، كما تنشر ذلك وسائل الإعلام، ووسائل التواصل الاجتماعي بين الحين والآخرـ  ونحن نربأ بعموم السادة أساتذة التعليم العالي أن تمس سمعتهم بسبب حالات شاذة محسوبة على رؤوس الأصابع  في بلادنا ـ  علما بأنه لا يخلو بلد في المعمور من مثل هذه الحالات المؤسفة .

3 ـ  ألا يغيب أساتذة التعليم العالي عن وعيهم وأذهانهم آثار السلوكات  المندفعة  التي صاحبت طلبتهم في مرحلة المراهقة  قبل ولوجهم التعليم العالي ، وقد فصلنا في طبيعة تلك السلوكات في الحلقة السابقة ، ولا داعي لتكرارها ، مع التذكير بأهمها وهو طغيان النرجيسية ، وتحدي كل  أشكل السلط  مهما كانت ، وانجذاب الجنسين إلى بعضهم البعض ، وغلبة  التفكير المثالي الرومانسي على الواقعي ، وكل هذا له تأثير على علاقة الطلبة بأساتذتهم بحيث يكون لديهم  استعداد كبير للصدام ،والخلاف معهم خصوصا مع وجود الاتحادات الطلابية التي لم يسبق للطلبة  في مراحل التعليم السابقة أن عرفوها ،لهذا تكون مغرية لهم ، وهي التي تقدح شرارات الصدام والخلاف ، وتؤجج الاضرابات ومقاطعات الدراسة لأسباب مردها  إما  إلى الأوضاع داخل مؤسسات التعليم العالي ، أو مردها إلى أوضاع مجتمعية سياسية أواجتماعية ، وقد يكون مردها إلى أوضاع أخرى لا صلة لها بمجتمعنا . ولا يخفى أن الانتماءات الحزبية، والجمعوية، والجمعاتية  تبدأ غالبا لدى الطلبة في مرحلة التعليم العالي ، ويكون لها تأثير على علاقة الطلبة بأساتذتهم ، وبالإداريين أيضا، ويبدو الوضع في مؤسسات التعليم العالي كالوضع  بين أرباب الشركات أو المعامل … وبين العمال والمستخدمين ، حيث تسد مسد النقابات  عند هؤلاء الاتحادات الطلابية ، علما بوجود صلة  وثيقة بين هذه وتلك  ، تتجلى فيما يحدث من مظاهرات ومسيرات مطلبية في المجتمع ، وقد تؤطر أحزاب  سياسية أوجماعات دينية  طلبة الجامعات ، وتنتقل الصراعات  بينها إلى داخلها ، وهو ما تعتبره تلك الأحزاب والجماعات أمرا عاديا، بل ومشروعا .

4 ـ ضرورة  رفق الأساتذة بطلبتهم فيما يخص تقويم  أو تقييم طلبتهم، والذي لا يجب أن يقتصر على ما هو كمي  دون  ما هو كيفي  أو نوعي  مع اعتماد أطر مرجعية للتقويم أو التقييم  تكون واضحة المعالم، وذات مصداقية، وشفافية، ومرونة  وتستهدف تقويم أو تقييم الكفايات ، ولا تكتفي بتقويم أوتقييم المعارف، لأن المنشود من وراء مناهج  مرحلة التعليم العالي هو تكوين الطلبة من الكليات والمدارس والمعاهد العليا على اكتساب كفايات قبل  المعارف التي  سرعان ما تتبخر بعد تخرجهم ، بينما تظل الكفايات ملازمة لهم تستخدم في التعامل مع معارف أخرى جديدة .

5 ـ ضرورة رفق الأساتذة بطلبتهم فيما يخص الإشراف على مختلف البحوث  والأطروحات في مختلف مراحل التعليم العالي ، ومصاحبتهم في ذلك باللين ، والرفق ،والعطف ، وتجنب تثبط هممهم وعزائمهم  بالاستخفاف بهم حين تواجههم العثرات . وهنا لا بد أن نذكر بأسف شديد ما يحدث في جلسات مناقشة البحوث والأطروحات  في بلادنا من مشاهد  لا تخلو من تعمد بهدلة الطلاب من خلال سخرية الأساتذة منهم مع وجود حضور يحضرون  تلك الجلسات  سواء من أقربائهم، ومن غرباء ، وهو ما يسبب لهم حرجا كبيرا تترتب عنه جروح  أو عقد نفسية تلازمهم طيلة حياتهم، وتكون بالنسبة إليهم  وصمة عار ، وسبة ومعرة . وكم من طلبة أحجموا عن تقديم بحوث أو أطروحات ، وانصرفوا عنها إشفاقا على أنفسهم من  تلك البهدلة، خصوصا إذا كان الإباء طبعا متأصلا فيهم ، أو كان الخجل ملازما لهم منذ نشأتهم الأولى التي لا يعلم عنها شيء  لغياب السجلات الهوياتية المحتوية على مفاتيح شخصيات طلبة التعليم العالي .

6 ـ ضرورة تعامل الأساتذة  مع طلابهم على أساس أنهم مشاريع أطرمستقبلية، ربما صاروا  في المستقبل القريب جدا زملاء لهم في العمل ، فتكون علاقة الزمالة  بينهم حسب طبيعة التعامل السابق معهم  ، إما ود ،واحترام ،وإجلال، وتقدير أو بغض وازدراء ، وتحقير ، وتنشأ حينئذ الصراعات بينهم ، والتحالفات ، وتصفية الحسابات، الشيء الذي يسيىء إلى سمعة مؤسسات التعليم العالي العلمية التي يجب بالضرورة أن تكون منزهة عن كل المثالب  .

هذه نصالح رضيها من رضيها ، وترفع عنها من ترفع كبرياء أوغرورا ، وقول الناصح  إنما هو قول الله تعالى على لسان نبيه شعيب عليه السلام : (( إن أردت إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب )) صدق الله العظيم .

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *