حديث الجمعة : (( ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا ))
حديث الجمعة : (( ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا ))
محمد شركي
من المعلوم أن القرآن الكريم هو رسالة الله عز وجل للعالمين إلى يوم الدين، يها ختم كل رسالاته الموجهة إلى الأمم السابقة . ومعلوم أيضا أن كل الرسالات السابقة تشترك مع الرسالة الخاتمة في دعوتها إلى توحيد الله عز وجل ، وتنزيهه عن الشركاء ، وهي دعوة الإسلام . ولقد أكد الله تعالى في الرسالة الخاتمة أن الدين عنده في جميع الرسالات إنما هو الإسلام مصداقا لقوله عز من قائل مخاطبا خاتم الأنبياء والمرسلين عليه الصلاة والسلام : (( ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك )) ، وقوله أيضا : (( إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنّبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وآتينا داوود زبورا)) . وهذا يعني أن مضمون ما أوحي إلى كل الرسل والأنبياء صلوات الله وسلامه عليه أجمعين ،إنما هو الدعوة لتوحيد الله عز وجل والتي اختار لها سبحانه وتعالى اسم الإسلام ، وأخبر بأنه دينه مصداقا لقوله عز من قائل : (( إن الدين عند الله الإسلام )) ، وقوله أيضا مخاطبا نبيه الكريم عليه الصلاة والسلام ومن خلاله كل المؤمنين : (( قل آمنا بالله وما أنزل علينا وما أنزل على إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى والنبيّون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون ومن يبتغ غير الإسلام فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين )) . بهذا قضى، وحكم الله عز وجل ، وهو القائل : (( والله يحكم لا معقب لحكمه )) ، ولا تغيير، ولا إبطال لحكمه وقضائه .
ومعلوم أيضا ان الله تعالى أخبر في رسالته الخاتمة عما اعترى بعض رسائله السابقة من تحريف خصوصا التوراة والإنجيل، فقال جل شأنه عن اليهود : (( من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه )) ، كما قال عن النصارى : (( قالوا اتخذ الله ولدا سبحانه هو الغني له ما في السماوات وما في الأرض إن عندكم من سلطان بهذا أتقولون على الله ما لا تعلمون قل إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون متاع في الدنيا ثم إلينا مرجعهم ثم نذيقهم العذاب الشديد بما كانوا يكفرون )) ، كما قال عن اليهود والنصارى معا : (( وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهون به قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يوفكون )) ، ففي هذه الآية الكريمة جعل الله تعالى من نسبوا له الولد من يهود ونصارى ـ تعالى عما يصفون علوا كبيرا ـ كالكافرين بسبب افترائهم الكذب عليه سبحانه وتعالى .
و بناء على هذا يتعين لزوما على كل من شهدوا رسالة الله عز وجل الخاتمة أن يوحدوه سبحانه وتعالى ، وينزهوه عن كل الشركاء ، وبذلك وحده يتحقق إسلامهم الذي ارتضاه جل جلاله للعالمين ، والذي لا يقبل منهم غيره .
و لقد حدث زمن نبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أن حالف اليهود كفار قريش نكاية في دعوته ، وحربا عليه، فأقروهم على كفرهم وشركهم ، وزعموا لهم أن وثنيتهم أهدى من دين الإسلام الذي جاء به ، وقد فضحهم الله عز وجل إذ قال : (( ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا أولئك الذين لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرا )) ، ولقد جاء في تفسير هاتين الآيتين من سورة النساء أن سبب نزولهما هو أن بعض اليهود ، وفيهم كعب بن الأشرف ، وحُيَيّ بن أخطب، ذهبوا إلى مكة للتحالف مع المشركين ضد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال لهم المشركون أنتم أهل كتاب، ولعلكم أن تكونوا أدنى إلى محمد وأصحابه منكم إلينا ، فلا نأمن مكركم ، فقالت اليهود إرضاء لهم إن عبادتكم للأصنام أفضل مما يدعو إليه محمد ، فأمرهم حينئذ كفار قريش أن يسجدوا لآلهتهم ، فسجدوا لها .
ولما كانت العبرة في كتاب الله تعالى بعموم لفظه ، لا بخصوص أسباب نزوله ، فإن حكم هذه الآية ينسحب على كل من آثر الكفر والشرك على التوحيد إلى قيام الساعة ، وآثر على دين الإسلام غيره من الأديان .
مناسبة حديث هذه الجمعة ، هو تنبيه المؤمنين إلى خطورة الوقوع في الانحراف عن محجة دين الإسلام ، وعن توحيد الله تعالى ، وعن هدي القرآن الكريم الداعي إلى صراط الله المستقيم، خصوصا في هذا الظرف بالذات الذي بدأت تعلو فيه أصوات بعض الناعقين الذين يشيدون بالإلحاد وباللادين أو العلمانية ، ويقتدون بشرائع المخالفة لشرع الله تعالى ، وبقوانينها الوضعية التي تحل ما حرم الله ، وتحرم ما أحله ، وهم يباهون بها ، ويعتبرونها النموذج الأمثل الذي يلزم الأمة الإسلامية الأخذ به لمسايرة الأمم العلمانية، وإلا فاتها ركب حضارة علمانية مفلسة قيما وأخلاقا .
وبناء على هذا يجب على المسلمين التمييز بين ما يوافق دينهم من أحوال معاش الأمم العلمانية ، وبين ما لا يوفقه . فإذا كانت تلك الأحوال تندرج تحت ما تقره الفطرة السوية التي فطر الله تعالى الناس عليها ،وهي من قبيل المشترك بين جميع البشر ، فلا مانع من أن تكون من أحوال المسلمين أيضا، أما إذا ما عارضت الفطرة السوية ، فيجب تركها ، والقطيعة معها حفاظا على الهوية الإسلامية ،وامتثالا لأمر الله تعالى . ولقد حذر سبحانه وتعالى المؤمنين من اتباع أهل الضلال فقال : (( ودّوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء )) .
ومما يروجه أعداء الإسلام اليوم بين المسلمين محاولة منهم لإفساد الفطرة السوية ، إشاعة الفواحش التي ذمها الله تعالى من قبيل عمل قوم لوط الذي صار يسمى مثلية ، و الزنا الذي صار يسمى علاقة جنسية رضائية ، وهي تسميات يراد بها التمويه على قبح وشناعة تلك الأفعال ، و هي تمثل خطورتها على البشرية . ولقد صارت محافل البلاد العلمانية تدرجها ضمن ما تسميه الدفاع عن الحريات الفردية، وتتعاطف مع الشواذ والزناة ، و تقيم لهم اللقاءات والمؤتمرات والنوادي ، وتفرض على الناس حمل شاراتهم التي تعد رموزا لهم ، وتدين كل من يرفض حملها أو يستنكر قبح أفعال أصحابها الشنيعة ، وتتهمه بانتهاك حرياتهم .
ولهذا يلزم المسلمين الاحتراز مما تريد البلاد العلمانية ترويجه في بلدانهم من مفاسد مهددة لقيمهم الدينية والأخلاقية ، وذلك من خلال إلزامهم بالتوقيع على ما تسميه اتفاقيات ومواثيق دولية ، تفرضها تحت ضغوط سياسية واقتصادية.
وعلى الجهات الساهرة على الشأن الديني في البلاد الإسلامية ممثلة في وزارات أو هيئات علماء أو مجامع دينية أن تقوم بالدور المنوط بها ،والذي هو حراسة الدين الإسلامي عقيدة وشريعة من كل الانحرافات التي تسوقها جهات مستأجرة مشبوهة تسخرها البلاد العلمانية لتسويق وترويج خبائثها المهددة للقيم الدينية والأخلاقية والإنسانية ، وهي تهدف إلى صرف المسلمين عن تعاليم دينهم مقابل التمكين لسطوة العلمانية في البلاد الإسلامية .
ولقد بدأنا مؤخرا نسمع من بعض من تسخرهم العلمانية كمرتزقة وطوابير خامسة في البلاد الإسلامية المزايدة على المسلمين، وذلك بادعائهم أنهم عالة على العلمانية ، وأن أحوالهم لا تختلف عما هي عليه في البلاد العلمانية ، ولهذا لا يجب التوجس من العلمانية ، أو رفضها أو معاداتها، وهي ولية نعمتهم في واقعهم المعيش.
ومن مغالطات أولئك المستأجرين لدى العلمانية في البلاد الإسلامية أنهم يريدون تمرير مفاسدها على أساس أنها أحوال فرضها تطور العصر قياسا على التطور المادي والتكنولوجي ، وكأن التطور المادي والتكنولوجي يقتضي بالضرورة وجود مفاسد من قبيل المثلية والرضائية ، والإجهاض … ، وأنها يجب أن تصدر مع التكنولوجيا المتطورة .
و أخيرا إن قول أولئك المستأجرين اليوم وهم يمتدحون العلمانية شأنهم كشأن من قال فيهم الله تعالى : (( ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا أولئك الذين لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرا )) ،صدق الله العظيم .
والحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات ، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
Aucun commentaire