حديث الجمعة : (( والذين يؤدون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا ))
حديث الجمعة : (( والذين يؤدون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا ))
محمد شركي
من كرامة المؤمنين والمؤمنات على الله عز وجل أنه يغارعليهم ، ولا يرضى أن يؤذوا في أنفسهم أو في أعراضهم . ولقد توعد سبحانه وتعالى بشديد الوعيد كل من يتجاسر عليهم بالأذى أيا كان نوعه أقوالا أو أفعالا . ومن نماذج ذلك الوعيد الشديد في الذكرالحكيم قوله عز من قائل في الآية الثامنة والخمسين من سورة الأحزاب : (( والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا )) . والعادة أن ورود عبارة » الذين آمنوا » في القرآن الكريم يكون القصد منها ذكورهم وإناثهم إلا أن ورود عبارة » المؤمنين والمؤمنات » تنصيصا على ذكر إناثهم مع ذكورهم يكون لمقصد أو لحكم يستوون فيه ، كما هو الحال في هذه الآية الكريمة حيث سوى الله تبارك وتعالى بينهم حال وقوعهم ضحايا الأذى . ولقد جاء في كتب التفسير أن الداعي إلى ذكر المؤمنات في هذه الآية فلأنهن الطرف الأضعف بحيث لا يقوين على دفع الأذى عن أنفسهن خلاف المؤمنين الذين تُخشى ردود أفعالهم إذا ما استهدفوا بالأذى .
ومعلوم أن الأذى في حد ذاته ظلم واعتداء على الغير إلا أن الأقبح والأشنع منه أن يكون عبارة عن اتهام هذا الغير بما ليس فيه أو بما لم يقترفه ، وهو ما عبر عنه الله عز وجل بقوله : (( بغير ما اكتسبوا )) . ولقد جاء في بعض كتب التفسير أن الأذى المقصود في هذه الآية الكريمة هو أذى القول، وذلك لورود كلمة » بهتان » الذي هو عبارة عن أذى القول إلا أن بعض المفسرين ذهبوا إلى أن المقصود بالأذى هو ما يكون بأقوال والأفعال . ومعلوم أن أذى الأقوال يترتب عنه غالبا أذى الأفعال كأن يُرمى أحد بتهمة زورا وبهتانا ، وهو منها براء ،فيعاقب عليها ظلما وعدوانا .
وأكثر الناس أذى للمؤمنين والمؤمنات هم الذين الكفار والمنافقون ، والباعث على ذلك هو حقدهم عليهم بسبب إيمانهم كما جاء في سورة البروج حكاية عن ضحايا محرقة الأخدود حيث قال الله تعالى : (( وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد )).
وإذا كان حقد الكافرين على المؤمنين والمؤمنات جليا ظاهرا وهو الذي يحملهم على إيذائهم، فإن حقد المنافقين عليهم يكون خفيا لأنهم يبطنون كفرهم ، ويظهرون إيمانا كاذبا، الشيء الذي يجعل أذاهم للمؤمنين أشد وأنكى ، وهم في ذلك أعوان للكافرين ، وقد توعدهم الله تعالى جميعا بشديد الوعيد ، وحملهم وزر ما يلحق بالمؤمنين والمؤمنات من أذى بسبب بهتانهم الذي وصفه سبحانه وتعالى بالإثم المبين لشدة قبحه وشناعته . ولقد جاء في كتب التفسير أن وصف الله تعالى له بالإثم المبين يدل على ما أعد لأصحابه من غليظ وشديد العقاب في الآخرة ، وقد يعجل الله تعالى لهم بعقاب يذوقون بأسه في الحياة الدنيا .
ولقد ذكر بعض المفسرين أن سبب نزول هذه الآية هو محاولة بعض الفُسَّاق من المنافقين كانوا يتعرضون في المدينة للمؤمنات اللواتي كن يخرجن لقضاء حاجتهن ليلا ،لأن المدينة كانت يومئذ ضيقة المنازل، فيؤذونهن . وقال آخرون نزلت في بعض المنافقين الذين كانوا يؤذون علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، و لهذا قد يكون سبب النزول هذا وذاك وغيرهما من أنواع أذى المنافقين .
ولما كانت العبرة بعموم لفظ القرآن الكريم لا بأسباب نزوله ، فإن كل أذى يلحق بالمؤمنين والمؤمنات في كل زمان ومكان إلى قيام الساعة، يشمل أصحابه الوعيد الشديد الذي توعد هم به الله تعالى .
ولقد أوذي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أذى كبيرا في حياته ، وبعد مماته من طرف بعض الطوائف المحسوبة على الإسلام كالخوارج والروافض الذين كانوا يلعنونهم ويسبون ويشتمون خيارهم من الذين ترضى عليهم الله عز وجل في محكم التنزيل، وبشرهم بنعيم الجنة ، ولا زال إلى يوم الناس هذا أتباعهم هؤلاء المؤذين يقتدون بهم، وبئس ما اقتدوا به أن يلعنوا ، ويسبوا أصفياء رسول الله صلى الله عليه وسلم من صحابته الكرام ، ويروجون عنهم البهتان العظيم والإثم المبين .
مناسبة حديث هذه الجمعة هو تنبيه المؤمنين من السقوط في إثم إيذاء بعضهم البعض بغير ما اكتسبوا سيرا على نهج الكفار، والمنافقين، وأهل الضلال من المنتسبين إلى الإسلام مع الإتيان بما ينكره شرعه من أقوال وأفعال.
وقد يسقط البعض في جرم الأذى الذي حذر منه الله تعالى، وتوعد أصحابه بشديد الوعيد إما بسبب تنافسهم في تحصيل عرض الدنيا الزائل ، وإما بسبب حسد أو ضغائن تنشأ بينهم … أو غيرها ، لهذا وجب على من يحرص على سلامة وصحة إيمانه أن يحذر شديد الحذر من إيذاء المؤمنين والمؤمنات بأقوال أو أفعال السوء .
ولم تعدم المجتمعات المسلمة في مختلف الأزمنة بما في ذلك زماننا هذا شيوع ظاهرة إيذاء المسلمين من طرف الكافرين والمنافقين أو من طرف بعضهم البعض ، فيقترفون إثم البهتان في حق بعضهم البعض تأثرا بالكافرين وبالمنافقين وهم غافلون عما حذر منه الله عز وجل الذي آذن بحرب من يؤذون أولياءه من المؤمنين والمؤمنات كما جاء في الحديث القدسي : » من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب » وويل لمن آذنه الله عز وجل بها . ولا بد هنا من الإشارة إلى أن أولياء الله إنما هم المستمسكون بهديه كتابا وسنة، لا يحيدون عنهما ، ولا يميلون، ولا ينحرفون عنهما إلى البدع والضلالات .
ولا بد من تحذير بعض الغافلين من ترويج أعداء الإسلام من الكافرين والمنافقين الأكاذيب على المؤمنين المجاهدين والمرابطين في أرض الإسراء والمعراج ، وهم يدافعون عن وطنهم المحتل ، وعن قدسية المسجد الأقصى المبارك ، فيتهمونهم بالإرهاب والإجرام ، ويعيبون عليهم حمل السلاح في وجه أعدائهم الذين اغتصبوا وطنهم بالقوة وبالإرهاب .
ولا بد أيضا من تحذير البعض الآخر مما يُروَّج من بهتان عن علماء ،ودعاة، وخطباء الأمة في بلاد الإسلام وهم يؤدون واجب الدعوة إليه عز وجل على هدى منه ، و كما أمر سبحانه وتعالى في محكم تنزيله ،وكما دعا إلى ذلك رسوله صلى الله عليه وسلم . ومعلوم أن الغرض من وراء ذلك هو إسكاتهم عن تبليغ رسالتهم ، وصرف المسلمين عنهم ، وذلك من أجل التمكين للرؤوس الجهال من أصحاب الضلالات والبدع الذين يَضِلون ويُضِلون كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم عند غياب العلماء أو عند تغييبهم .
اللهم إنا نعوذ بك من إيذاء أوليائك المؤمنين والمؤمنات ونحن غافلون عن ذلك ، لا نلقي له بالا ، ونعوذ بك أن نوالي أحدا ممن يؤذونهم .
والحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات ، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
Aucun commentaire