رسالة إلى السيد مارك زوكربرغ الرئيس التنفيذي لمنصة فيسبوك للتواصل الاجتماعي
السيد مارك زوكربرغ المحترم،
تحية وسلاما، وبعد،
فيؤسفني أن أكتب إليك هذه الرسالة بخصوص ما أصبح ينال العالَمَ الحُرَّ عامة، والعالمَ العربي الإسلامي خاصة، من تضييق رهيب متكرر من منصة فيسبوك التي تُديرها وترأسها، كلما عبَّرَ عن مساندته لفلسطين المحتلة، أو عن معاداته للاحتلال الصهيوني. وقد ازدادت وتيرةُ تضييق منصتك على الناس منذ السابع من أكتوبر 2023 بصفة أخص، حيث ارتفعت بشكل كبير شكاواهم مما أصبح ينال تدويناتهم من أخبار أو آراء أو صور أو أشرطة أصلية أو مشارَك بها – وبعضُها أعمال أدبية وفنية من المُخجل حتى التفكيرُ في مجرد المسّ بها – من حذف وحجب وحصار، حتى إنه ليبدو للمتابع أن فيسبوك لو استطاع أن يحجب غزة نفسها من الوجود واللغة لما تأخر، وبذلك أصبح يصدق عليه في علاقته بموضوعها ما قاله الشاعر العربي القديم:
حجَبوها عن الرياح لأنِّـي * قلتُ يا ريحُ بلِّغيها السلامـا
بل إن منصتك كانت لا تتأخر في كثير من الأحيان عن إنزال عقوبات بالمستخدمين كالمنع من النشر أو التفاعل أو كتقييد الحساب! ولا يخفى على أي عاقل أن كل ذلك يفضح من جهةٍ انحيازَ المنصة غير المبرر ضد فلسطين والقضية الفلسطينية التي صدرت فيها ولا تزال قراراتٌ أممية منذ 1948، وأحكام حديثة العهد عن محكمة العدل الدولية، ويشكِّل من جهة أخرى خرقا صارخا غير مستتر للحق في التعبير، وتكميما دكتاتوريا فوقيا للأفواه، وتغليطا للعالَم بخصوص الأحداث الدائرة رحاها على الأرض، وتزييفا مقصودا للتاريخ الذي نتابعه الآن وهنا بأمَّات عيوننا على الهواء مباشرة!
السيد زوكربرغ المحترم، لا شك أنك أعلمُ منا جميعا بأسباب انحياز منصتك المذكور آنفا إلى صف الكيان المحتل، لكن البدهي في مجال التسيير الإداري للمنصات التفاعلية هو الاحتفاظ بمسافة مهنية بين توجُّهات الإدارة وميولاتها وأهوائها من جهة وتفاعلات جمهور المنصة نفسِها من جهة أخرى؛ وعليه فحتى لو افترضنا أنك شخص يهوديُّ الملة، أو صهيونيُّ الهوى، أو استعماريُّ النزعة، فإن ذلك لا يسمح لك بأن تفرض ملتك أو هواك أو نزعتك على مئات الملايين من الناس الذين يستعملون منصتك للتواصل الاجتماعي بينهم – وبعضهم مفكرون وأدباء وفلاسفة – ليس لأنهم من خلفيات دينية وفكرية وتاريخية شديدة التنوع والاختلاف فحسب، ولكن لأن فرض نفسك عليهم هو توجيهٌ سُلطويٌّ فَوقيٌّ مباشر لهم، واستخفاف واضح بإرادتهم الحرة، وبعقولهم الناضجة، وبتفكيرهم المستقل، واستغلالٌ غير أخلاقي لهم كأنهم مجرد رأسمال لجَنْي الربح والإثراء على ظهورهم من باب إيهامهم أنهم يتواصلون ويعبِّرون عن آرائهم بحرية، وهو ما يعتبر خديعةً للملايين غيرَ مغتفرة.
السيد زوكربرغ المحترم، إنني أدعوك بِاسم ملايين الأحرار في العالم ممن يستعملون منصتك طوعا واختيارا، أو كرها واضطرارا، إلى أن ترفع يدك عن الرقابة البوليسية عليهم، طالما أنهم إنما يعبِّرون عن إدانتهم للاحتلال الذي هو أصلا مُدان بقرارات هيئة الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية، أو عن غضبهم من الإبادة التي ترتكبها عصابات الكيان المحتل ومستوطنيه، والتي – لأنها تستنكرها كل الطبائع السليمة والعقول المحضة – لو نطق الحيوان والشجر والحجر لما كان بينه من يتردد هنيهة في استنكارها، أو رمشةَ عين عن مساندته للشعب الفلسطيني المقاوم، وقيادته المجاهدة، وهو يضرب للعالم الحديث أروع أمثلة معارك الحرية التي شهدها التاريخ في سبيل انتزاع حق الشعوب في أرضها، وفي حريتها، وفي مستقبلها.
والسلام.
سعيـد عبيـد،
شاعر مغربي،
في وجدة، المغرب، بتاريخ 29 ربيع الثاني 1446 هـ، الموافق 02 نونبر 2024 م.
Aucun commentaire