مخاطر رواسب العرقية والمعتقدات الضالة المهددة لثوابت دين الإسلام ( الحلقة الرابعة )
مخاطر رواسب العرقية والمعتقدات الضالة المهددة لثوابت دين الإسلام ( الحلقة الرابعة )
محمد شركي
استكمالا للحلقات الثلاث السابقة ، نواصل الحديث عما يهدد ثوابت دين الإسلام جراء رواسب عرقية ومعتقدات ضالة ، وهو كالأتي :
4 ـ أمة المسيحيين أو النصارى أو الصليبيين : تسميات ثلاث ،تترادف للدلالة على عرق بشري يدين بدين النصرانية ، فالمسيحيون وصف مقتبس من اسم المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام ، والنصارى نسبة إلى قرية الناصرية بفلسطين من أرض الجليل، حيث بعث وعاش المسيح ، وقيل هي نسبة إلى أنصار المسيح أو حوارييه، وكان عددهم اثني عشر كعدد الأسباط أبناء نبي الله يعقوب عليه السلام ، والصليبيون نسبة إلى الصليب الذي يزعمون أن عيسى عليه السلام صلب عليه ، وقيل أيضا نسبة إلى الذين كان يضعون صورته على لباسهم كعلامة تميزهم عن غيرهم ، وهم الجيوش التي كانت تقاتل تحت رايات مرسوم عليها أيضا . وتجدر الإشارة إلى أن هذه التسميات قيل فيه وعنها كلام كثير في كتب التاريخ ، ولا داعي للخوض فيها ، المهم أنها كلها تدل على أمة تدين بالديانة النصرانية التي تنسب إلى المسيح عليه السلام ، كما يدّعون على ما بين طوائفها من اختلاف فيما بينهم ، فهم : إما ( كاثوليك ، أو أرثودوكس ، وهم فريقان ، أو بروتستانت ويقال لهم أيضا أنكلكان ).
ومعلوم أن المسيح عليه السلام بعث في بني إسرائيل ، فمنهم من آمن به ، ومنهم من لم يؤمنون به ، بل كذبوه ، وعادوه ، وزعموا أنهم صلبوه وقتلوه لأنهم كما مر بنا في حقلة سابقة لا زالوا ينتظرون نبيا يعتبرونه المخلص ، والموعود بإعادة ملك داود وسليمان ، وإعادة بناء الهيكل ، وبسط السلام في العالم حتى يعايش الذئب الحمل ولا يفترسه .
ومع ما بين اليهود والنصارى من خلاف واختلاف مصداقا لقول الله تعالى في محكم التنزيل : (( وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء وهم يتلون الكتاب كذلك قال الذين لا يعلمون مثل قولهم فالله يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون )) ، سورة البقرة ، الآية 113، والذي جعلهم يختلفون هو امتداد أيديهم بالتحريف إلى ما أنزل الله على موسى وعيسى عليهما السلام مصداقا لقوله تعالى في الذكر الحكيم : (( من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه )) ، سورة النساء ، الآية 46 . ولا شك أن تحريف اليهود طال ما أنزل على موسى وعلى عيسى معا ، فإنهم يتبنون معا ما يسمى بالكتاب المقدس ، وهو عبارة عن عهد قديم أو توراة ، وعهد جديد أو إنجيل ، والأناجيل أربعة اختيرت من عدد كبير من النسخ ، وهي : ( إنجيل لوقا ، وإنجيل متّى ، وإنجيل مرقص ، وإنجيل يوحنّا ) . ويوجد خلاف بين طقوس العبادة عند اليهود ، وعند النصارى لا داعي للحديث عنها .
وبالرغم من خلافاتهم ، فإن عداءهم للإسلام يوحدهم مصداقا لقوله تعالى مخاطبا نبيه عليه الصلاة والسلام ، ومن خلاله الأمة الإسلامية إلى نهاية العالم : (( ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا نصير ))، سورة البقرة ، الآية 120 .
والذي يعنينا من أمر النصارى في هذه الحلقة أمران : رواسبهم العرقية ، ورواسبهم العقدية التي جعلتهم كاليهود يتخذون الإسلام عدوا لهم ، ويكيدون له كل كيد صريح ومبطن من أجل التأثير على ثوابته عند من ينتسبون إليه .
أما الرواسب العرقية بالنسبة للنصارى ، فمردها إلى أن من اعتنقوا المسيحية من غير العرق السامي ( بنو إسرائيل )،وهم سكان أوروبا شرقها وغربها ، يرون أنفسهم أرقى الأعراق البشرية قديما وحديثا ، ولذلك تولدت لديهم عقدة التميز العرقي أو العنصرية العرقية ، وتفوقهم على غيرهم من الأعراق . ولقد اجتمعت عليهم هذه العقدة العرقية والعقدة العقدية التي جعلتهم يعتبرون دين النصرانية هو الدين لا غير ، وغيره من الأديان لا يقرونها بل يعادونها ، فكانت النتيجة هي عداءهم المستحكم لدين الإسلام . وقد حاربوه لقرون من أجل القضاء عليه فيما يعرف بالحروب الصليبية التي كان الباعث عليها السيطرة على بيت المقدس في أرض فلسطين باعتباره مكان مولد ومبعث المسيح عليه السلام .
ولا حاجة لذكر ما فُعِل بالمسلمين في فترات تاريخية سواء في بيت المقدس أو في شبه الجزيرة الإيبيرية أو أرض الأندلس وهي وأصل تسميتها (وندلس ) والعرب قلبوا الواو همزة ، وتسميتها نسبة إلى عرق الوندال الذي زحوا إليها من ألمانيا وبولندا .وفضلا عن فصول كثيرة من التطهير العرقي الذي كان المسلمون ضحاياها في الماضي، ولا زالوا كذلك إلى يوم الناس هذا .
ولم يقف الحقد الصليبي على المسلمين، والذي مبعثه الرواسب العرقية والعقدية عند حد الحروب الصليبية، وما كان فيها من فظائع ارتكبت في حق المسلمين ، فإن الأمر تعدى ذلك إلى التآمر على الإسلام بشتى أنواع المؤامرات والدسائس، منها على سبيل المثال لا الحصر العمل على التشكيك في مصداقية كتاب الله عز وجل ، وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وفي مصداقية كل العلوم التي ترتبط بهما والتشكيك في كل العلماء الذين اشتغلوا على الكتاب والسنة وما ارتبط بهما . ولقد انبرت لتلك الدسائس الكنيسة الصليبية من خلال ما يسمى بالاستشراق الذي انكب المختصون به على التراث الإسلامي يدسون فيه كل ما يشكك المسلمين في مصداقيته ، وقد نجح الكثير منهم في الإيقاع بالكثيرين من المحسوبين على الإسلام وتصيدهم كي يلعبوا دور حصان طروادة في البلاد الإسلامية ، ونشأ عن ذلك فريق من المستلبين المحسوبين على الإسلام والمشتغلين بالفكر وبالبحث ممن تلقفوا عن المستشرقين افتراءاتهم على الإسلام ، وسوقوها في بلاد الإسلام خدمة لأجندات استشراقية صليبية ، وقد أحدث ذلك أضرارا طالت ثوابت الإسلام عند ضعاف العقول والإيمان حتى بلغ الأمر بالطوابير الخامسة حد المجاهرة بعدائهم ، وقد وظفها الغرب الصليبي اعتقادا ، والعلماني ممارسة للقيام بهذا الدور. والتوجه العلماني الذي غزا بلاد الإسلام هو نتيجة لكراهية الصليبيين للإسلام ، وقد ظنوا أن العلمانية سلاح فعال من شأنه أن يهدم صرح الدين الإسلامي السامق ، ويقوض أركانه ، وتصرف المسلمين عن التدين من خلال تسويق الانبهار بها من أجل تحقيق القطيعة التامة مع الإسلام .
وما أكثر الوسائل التي يعتمدها الغرب العلماني الذي يموه على رواسب عقيدته الصليبية من أجل خداع المسلمين ، وإقناعهم بأنه قد تحرر من تلك الرواسب ، وأن الصليبية عنده لا تعدو أن تكون مجرد جزء من تراثه التاريخي الذي لم يعد له تأثير في الواقع ، و اخترعوا لذلك عبارة » المسيحي الممارس للتدين ، وغير الممارس له » ، وهذا من قبيل الجمع بين النقيضين اللذين لا يجتمعان أبدا كالعدم والوجود، وعنهم اقتبس المستلبون بالعلمانية هذه العبارة وصاروا غ العير متدينين والإسلام مجرد تراث انتهت صلاحيته في هذا العصر، كما انتهت صلاحية كل الديانات السابقة عليه ، وقد أخلت الساحة لللادين أو للعلمانية التي نقلت البشرية من عبادة الإله إلى عبادة الذات البشرية .
ولا بد من التذكير أيضا بدور الغرب الصليبي في تشجيع طرق التدين المنحرفة عند المسلمين من قبيل التشيع بكل أطيافه ، ومن قبيل الطرقية على اختلاف أنواعها ، فضلا عن التحريض على الخلافات المذهبية التي فرقت حتى أصحاب المذهب الواحد إلى طرائق قددا كما هو حال بالنسبة للمذهبين الشيعي والسني على حد سواء، الشيء الذي نتجت عنه عقيدة التكفير أو التبديع ، وما ينتج عنهما من صراعات تكون دموية، وكل ذلك مما يشكل خطرا محدقا بثوابت الإسلام .
وخلاصة القول أن الأمة الصليبية اعتقادا ،والعلمانية ممارسة لا يقل خطرها عن خطر أمة اليهود ، علما بأنهما يلتقيان في عدائهما الإسلام والمسلمين ،ويتجاوزان بذلك خلافاتهما .
ولنا عودة إلى موضوع مخاطر رواسب العرقية والمعتقدات الضالة على ثوابت الإسلام في حلقة قادمة وأخيرة إن شاء الله تعالى .
Aucun commentaire