مخاطر رواسب العرقية والمعتقدات الضالة المهددة لثوابت دين الإسلام ( الحلقة الأولى )
مخاطر رواسب العرقية والمعتقدات الضالة المهددة لثوابت دين الإسلام ( الحلقة الأولى )
محمد شركي
من المعلوم أن الله عز وجل ختم رسالاته الداعية إلى الإسلام، وهو دين الفطرة السوية إلى البشرية بالرسالة الخاتمة المنزلة على خاتم المرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم المبعوث للعالمين كافة بين يدي الساعة .
ولقد جاءت بعثته عليه الصلاة والسلام في شبه جزيرة العرب ، وهم عبارة عن قبائل متناحرة فيما بينها بسبب عقيدة العصبية الجاهلية .وكانت الأمم المجاورة لهم يومئذ لا تقيم لهم وزنا ، بل كانت تحتقرهم لبداوتهم، لشتات أمرهم خصوصا أمة الفرس وأمة الروم ، كما كان بعض اليهود الذين عاشوا بين ظهرانيهم يلعبون أدوارا خطيرة في إذكاء نيران نعرات العصبية الجاهلية التي كانت تزيدهم صراعا، وفرقة، وشتاتا ، كما كان الحال بين الأوس والخزرج في يثرب قبل أن يسلموا بل كادت العصبية تعود إلى سابق عهدها بينهم والرسول صلى الله عليه وسلم بين ظهرانيهم.
وما كاد رسول الله صلى الله عليه وسلم يبلغهم رسالة الإسلام الخاتمة في فترة زمنية قياسية لا تزيد عن ثلاث وعشرين سنة وقد كانوا مشركين عقيدتهم وثنية ضالة حتى انتقلوا نقلة نوعية غير مسبوقة من جاهليتهم الجهلاء إلى أمة ذات حضارة إنسانية راقية تتعدى كل عرقية بفضل دين الفطرة السوية الذي يسوّي بين كل الأعراق البشرية ، وقد أذهلت يومئذ الأمم التي كانت تنظر إليهم بازدراء من قبل البعثة النبوية. وما لبث المسلمون العرب إلا قليلا حتى فتحوا بلاد الأمم المزدرية لهم فتحا يختلف عن كل غزو مما كان شائعا بين الأمم الغالبة منذ أقدم العصور، وذلك بغايته النبيلة التي هي تبليغ رسالة الإسلام دون طمع فيما عند الأمم المفتوحة بلادها ، والتي انصهرت في بوتقة عقيدة التوحيد المخلصة للبشرية من كل أنواع الشرك .
ولقد كان تفاعل الأمم الداخلة في دين الإسلام مختلفا من قطر إلى آخر ، ويمكن إجماله في نوعين هما : تفاعل إيجابي حيث دخل الناس في دين الله أفواجا كما شهد على ذلك الذكر الحكيم في صورة النصر ، وآخرتفاعل سلبي تمثل في رفض هذا الدين ، الشيء الذي ترتبت عنه صراعات مريرة دامية ، ولا زالت قائمة إلى يوم الناس هذا ، وستستمر إلى قيام الساعة طالما وجد من يعادونه من مختلف الأعراق .
والذي يعنينا في هذا المقال هو موضوع التفاعل السلبي مع دعوة الإسلام خصوصا عند أمم تموه على رفضها لهذه الدعوة، وتتظاهر بقبولها مع إضمار العداء والكيد لها بسبب خلفيات مردها العصبيات العرقية أو العقائد الشركية المعادية للتوحيد ، وهذه الأمم هي كالآتي :
1 ـ أمة الفرس التي كانت عقيدتها وثنية مجوسية والتي فتح أرضها قبل غيرها من الأمم ، وقد نشأت لديها بعد الفتح الإسلامي عقدة ما يسمى بالشعوبية ، وهي شعور تعال عرقي على العرب الذين ظهر فيهم الإسلام إذ لم يستسغ الفرس أبدا خضوعهم لدين يرونه عربيا ،وليس إنسانيا كما أراد له الله تعالى . ولم تتغير نظرتهم الدونية إلى العرب الذين كانوا يعتبرونهم أهل بداوة، أجلاف ،ورعاة إبل وشاء ، وأهل وبر مدرهم عبارة عن حجارة مركومة من لبن وقش ، كما أنهم ظلوا يعتبرون أنفسهم أهل حضارة ومدنية وعيش رغد ، وأهل قصور وعمران بديع الهندسة …
ولقد تجلت عقدة الشعوبية بشكل واضح في خلافة بين العباس ، وكانت ردة فعل على عروبية بين أمية التي كانت تعصبا للعرق العربي على حساب الأعراق أو الشعوب الأخرى . ولقد سجل الأدب في هذه الفترة نظمه ونثره على حد سواء في تلك الفترة مظاهر تلك الشعوبية كما ورد في كتاب الجاحظ » البيان والتبيين » وهي شعور أساسه التعصب للعرق ، وقد بلغ عند بعض الفرس حد الزمانة خصوصا الزنادقة، وهم أكثر المجوس عداوة لدين الإسلام ،لذلك كان ولاة أمور المسلمين يطاردونهم بالقتل لخطورتهم على دين الإسلام . وإذا كان الأدب العربي في عصر بني أمية يتغنى بالعروبية كما تغنى بها الشعر العربي الجاهلي ، فإنه في عصر بني العباس وما تلاه من عصور كان جله يتغنى بالشعوبية ويحن إليها ، ويعرض ضمنيا بالعروبية كما كان التعريض بها قبل مجيء الإسلام ، ونذكر من ذلك شاهنامة الفردوسي التي تغنى فيها بملوك الفرس وأمجادهم مع ذم العرب والتعريض بهم ، ومما ينسب له قوله: » تبا لك أيها الزمان وسحقا من شرب لبن الإبل وأكل الضب بلغ العرب مبلغا أن يطمحوا أو يطمعوا في تاج الملك » ، ومثل الفردوسي ، أبو مسلم الخرساني ، وأبو بكر الخرمي ، ومحمود الغزنوي ، والخيّام …
وأهم ما أفسد إسلام أمة الفرس ،هو تعصبهم لجنسهم الساساني أو لعرقيتهم الرافضة بشدة للعرق العربي والمستعلية عليه. ولقد رفض الفرس الإسلام لعروبة القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف ، وتشبثوا بلسانهم الفارسي متعصبين له . ولا زال كثير منهم على هذه الحال إلى يوم الناس هذا . وبسبب تعصبهم لعرقهم الفارسي أو بسبب شعوبيتهم احتالوا على الإسلام من خلال رواسبهم العقدية الضالة حيث ابتدعوا فيه ما ليس منه ، ولم يلتزموا بما جاء به رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم . واستمر خلطهم بين عقدية الإسلام ، وبين عقائدهم الضالة من مانوية، وزردشتية ،ومزدكية ، وكلها عقائد وثنية تقدس مظاهر الطبيعة خصوصا الشمس، وهي عندهم عين الله ، وكانت صورتها في العلم الإيراني مع صورة أسد قبل ثورة الخميني ، و تقدس الضوء و هو ابن الله عندهم،والنور ،وتقدس النار هي رمز الخير عندهم، بينما يرمز الظلام للشر. وكانوا يضرمونها النار في معابدهم، وينفخون فيها كي تظل مشتعلة على الدوام كي تغلب الظلمة الشريرة . ولقد أبدعوا في وصفها كما جاء في كتبهم وأشعارهم . وقد تسربت مثنويتهم المجوسية الخير والشر أو النور والظلمة إلى كثير من الفرق المحسوبة على الإسلام، والتي كان هدفها هو الانحراف بدين الإسلام عن هديه إلى ضلال ماكرين به المكر السيء .
ومما أحدث الفرس من انحراف في الإسلام خلال حكم الدولة الصفوية التي سادت كثيرا من بلاد الشرق ، من القرن السادس عشر الميلادي إلى أواسط القرن الثامن عشر استبدال المذهب السني بالمذهب الشيعي الذي لا زال مستمرا إلى يوم الناس هذا في إيران، وفي أجزاء من البلاد التي خضعت لحكم الدولة الصفوية مثل أذربجان، وأرمينيا ، وجورجيا ، والقوقاز ، والبحرين ، والعراق ، وتركيا ، سوريا ، وأفغانستان ، وتركمنستان ، وأوزبكستان.
ولقد كان التشيع المبتدع في دين الله عز وجل نتاج تلاقح كراهية الفرس وكراهية اليهود للإسلام حيث ابتدع اليهودي عبد الله بن سبأ هذه العقيدة الضالة مؤلها الإمام علي كرم الله وجهه ، وكان هو المحرض عن مقتل الخليفة عثمان رضي الله عنه ، كما كان أول من سن لعن الصحابة أبي بكر وعمر وعثمان… وزوجي النبي عائشة وحفصة رضي الله تعالى عنهم أجمعين .
ولقد صادف التشيع الصفوي الإثنا عشري المنسوب إلى جعفر الصادق هوى في نفوس حكام الدولة الصفوية، فاتخذوا منه ذريعة للتمويه على حقيقة كرههم للإسلام والذي مرده تعصبهم لعرقهم الآري ، وشعوبيتهم المزمنة . ولقد لفقوا أخبارا كاذبة عن اختلاط النسب النبوي بالنسب الفارسي ، فزعموا أن علي بن الحسين بن الإمام علي قد تزوج من إحدى بنات كسرى رغبة منهم في الرفع من شأن عرقيتهم الآرية بإضفاء نوع من القداسة عليها بسبب هذا الزواج الذي لم يثبت ، ولم تصح رواياته الملفقة عند أهل العلم والتحقيق ، والذين سوقوا لهذا الزعم لا يذكرون له سندا.
ولقد عاد التوجه الصفوي بقوة إلى إيران بعد ثورة الخميني على الشاهنشاهية وهو اليوم في أوج قوته ، و يطمع أويطمح إلى التمدد في كل الأقطار التي كانت خاضعة للصفويين خصوصا في البلاد العربية العراق، وسوريا، ولبنان من بلاد الشام .
ويتخذ الصفويون الجدد أو بالأخرى الخمينيون من مقتل الحسين بن علي رضي الله عنهما مناحة يجعلونها ذريعة لتبرير كراهيتهم للعرب من أهل السنة الذين يعتبرونهم جميعا « يزيديين » نسبة إلى زيد بن معاوية قاتل الحسين ، وعن طريق هذا التبرير الواهي تستباح عندهم دماء أهل السنة وأعراضهم ، وقد شهدت مراحل تاريخية على مجازر رهيبة ارتكبها الصفويون في حقهم ، والتاريخ المعاصر يشهد على مثلها أو أكثر منها فظاعة مما فعله الفرس الخمينيون وأذنابهم من بعض العرب في سنة العراق، وسوريا ،واليمن وكل ذلك موثق بالتصوير الحي تحت ذريعة الانتقام لدم الحسين بن علي بحيث صار عندهم كل سني بمثابة يزيد بن معاوية ، ولا زال هذا الهراء بعشش في أذهان السذج المستغفلين من العرب الذين ألقي في روعهم أن محبة آل البيت مقترنة ضرورة بكره أهل السنة ولعنهم ، والحقد عليهم وتقتيلهم ، وأن ذلك من صميم التدين الصحيح . والحقيقة أن كل ذلك إنما هو تصفية حساب العرق الفارسي مع العرق العربي أو بين الشعوبية والعروبية وهي العصبية أو العرقية الممقوتة التي لا جاء دين الإسلام بالقضاء المبرم عليها ، وهو من وحّد كل الأعراق البشرية في عقيدة التوحيد ، وقد نهى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم نهيا فما صح عنه من روايات .
وتلعب الخمينية اليوم دورا خطيرا في تأليب العرب على بعضهم البعض من خلال نشر التشيع في بعضهم ، وليس لها من وراء ذلك سوى الانتقام منهم لأن أجدادهم العرب قد قوضوا ملك أكاسرتهم الساسانيين . ولقد انطلت حيل الخمينية على بعض سذج العرب ،فاعتنقوا تشيعها بعدما كانوا سنة ، وصاروا تقليدا لها يتجاسرون على صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ويلعنونهم ، ويعتقدون أنهم بذلك يدين الدين الحق ، بينماهم في ضلال مبين ، وإنهم ليلقنون النياحة وشق جيوبهم ولطم وجوهم ، وإدماء أجسادهم بالمدى والسياط ، وقد كثرت مناسبات النياحة عندهم ويقصدون فيها المقابر أو المراقد يسألون من يرقدون فيها وهم عظام نخرة ما لا يطلب إلا من الحي القيوم جل جلاله مكرسين أنواع الشرك المقيت الذي زينه لهم أصحاب العمائم السود التي يرمز سوادها إلى سواد قلوبهم بسبب كراهية الشديدة للموحدين من أهل السنة ، وهم بذلك يحاكون أهل الكتاب الذين اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباب من دون الله ـ تعالى عما يصفون علوا كبيراـ .
وللحديث بقية إن شاء الله تعالى وإذنه في حلقة أو حلقتين قادمتين .
Aucun commentaire