حكومة التغول وبدعة حوارات المواطنة: صيغة منقحة في الإفساد والغش الانتخابي
محمد إنفي
كما وعدت (في مقالي الأخير بعنوان » التغول السياسي إفساد متعمد للمؤسسات التمثيلية » نشر بجريدة « الاتحاد الاشتراكي » بتاريخ 25 يونيو 2024) بالعدوة إلى الموضوع من أجل تسليط المزيد من الضوء على الممارسات الحكومية التي لا علاقة لها لا بالديمقراطية ولا بالاحترام الواجب للمؤسسات الدستورية والتمثيلية، فها أنا ذا أفي بوعدي، وإن بغير قليل من التأخير، وأعود إلى موضوع التغول السياسي، نظرا لما يمثله من تهديد للحياة السياسية والمؤسساتية ببلادنا. فقد يعود بنا هذا التغول سنوات إلى الوراء؛ أي إلى ما قبل تجربة التناوب التوافقي التي حاصرت الفساد الانتخابي إلى حد كبير؛ لكن مع الأغلبية الحكومية الحالية، ظهرت بعض مقدمات الإفساد في التعامل مع المؤسسات التمثيلية.
وإلا، كيف سنفسر غياب الوزراء عن جلسات الأسئلة الشفهية الأسبوعية التي تعني قطاعاتهم، وإعلان استعدادهم للتنقل إلى الجهات الإثني عشر للتواصل والحوار مع المواطنات والمواطنين من مختلف الفئات العمرية؟ أليس في الشق الأول من هذا السؤال استهتار واستخفاف بالمسؤولية وبالمؤسسة التشريعية، وفي الشق الثاني منه تظهر خطورة خطوة الأغلبية الحكومية المتمثلة في إطلاق عملية أسمتها « حوارات المواطنة »؟ فهذه الخطوة تحمل في طياتها مساسا بالعمل المؤسساتي من خلال الجنوح نحو تبخيسه وتقزيمه. وقد عبر عن هذا الأمر الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، الأستاذ إدريس لشكر، بما يلي: « كيف سيتحمل السادة الوزراء مشاق السفر إلى الجهات الإثني عشر للتواصل مع المواطنين وهم الذين لم يتحملوا عناء التنقل من مقر وزاراتهم إلى البرلمان للإجابة عن أسئلة نواب الأمة الشفهية منها والمكتوبة »؟ ويرى الأستاذ لشكر في التنقل إلى جهات المملكة لمقابلة المواطنين مباشرة في جهاتهم، فعلا يجانب المسار القانوني ويحاول « تبخيس العمل النيابي وتقزيمه من خلال خلق بدائل أخرى لتصريف الخطاب الحكومي بأموال عمومية وأهداف انتخابية… »(من كلمته في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الإقليمي للحزب بمدينة وجدة، المنعقد يوم السبت فاتح يونيو 2024).
ويكفي أن نستحضر جواب رئيس الحكومة على تدخلات المعارضة بقوله: « لا يهمنا ما تقولون أنتم نواب المعارضة، يهمنا ما يقوله المواطنون لأنهم هم من جاؤوا بنا وحملونا هذه المسؤولية »، لندرك مستوى تفكير رئيس الحكومة، وبالتالي الحكومة كلها؛ إذ يتضح من هذا القول بأن الهم الأساسي، بالنسبة للسيد عزيز أخنوش، هو الحفاظ على الأصوات الانتخابية التي حصلت عليها أحزاب الأغلبية الحكومية. ولهذا، لا يهمه الحوار المؤسساتي؛ بل يهمه اتصال الوزراء المباشر مع المواطنين، كل في جهته، للرد على تساؤلات تفتح المجال للحديث عن إنجازات ووعود.
ويرى الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي في هذه الخطوة الحكومية بوادر تنسيق ثلاثي استباقي وإعدادي لمحطة 2026؛ مما يدعو إلى التوجس من بدعة « حوارات المواطنة » كعمل مشبوه ومشكوك في صدقية نواياه؛ فالخطوة تضرب في الصميم الأسس الديمقراطية لبلادنا؛ ذلك أن هذه الأسس هي التي تحدد فضاءات محاسبة الحكومة ومراقبة عملها، لكن الأغلبية الحكومية تفتقت « عبقريتها » عن ابتداع أسلوب آخر للتواصل يقوم على أساس غير قانوني وغير دستوري.
ومن خلال رد رئيس الحكومة على المعارضة، ندرك مدى قصر نظره وضيق الأفق الذي يتحرك فيه. فتصوره للعمل المؤسساتي يقوم على منطق أعوج وفهمه للديمقراطية والدستور فهم مقلوب. ويكشف لنا بهذا ضعف ثقافته السياسية ومحدودية قدرته على التواصل والحوار. فمثل الكلام الذي نطق به تحت قبة البرلمان، لن يصدر عن رجل سياسة متمرس أو رجل دولة متمكن. فهل يعتقد السيد أخنوش بأن نواب المعارضة ليسوا من نواب الأمة وليسوا ممثلين للمواطنين الذين منحوا لهم أصواتهم حتى لا يهمه ما تقوله المعارضة؟ وهل يعتبر نفسه رئيس حكومة المواطنين الذين أعطوا أصواتهم لأحزاب الأغلبية فقط، بينما المواطنون الآخرون لا يعنيه أمرهم؟ فما هذا المستوى يا رئيس الحكومة؟ إنك، هنا، تضرب في الصميم، حتى لا أقول في المقتل، مفهوم الديمقراطية. ويحسن بك أن تأخذ العبرة من بهلوانيات بنكيران ومن المصير الذي آل إليه هو وحزبه في الاستحقاقات الأخيرة. فقد سبق له أن قال كلاما مشابها لما تقوله الآن. وقد لا يكون مصيرك أفضل من مصيره إن عاجلا أو آجلا.
ومع ذلك، فلن أقول بأنك متطفل على السياسة وأنك أتيت إليها تحت الطلب لملء فراغ ما، حتى وإن كانت هذه هي الحقيقة. ونحن، في المدرسة الاتحادية، فبقدر ما نؤمن بالاختلاف والتعددية ونحترم الرأي الآخر، بقدر ما نتصدى للاستخفاف بالمؤسسات والمقتضيات الدستورية والقانونية ونعري مظاهر الفساد والإفساد. وكان هذا هو دور المعارضة الاتحادية عبر التجربة البرلمانية المغربية.
وتقتضي الموضوعية، في محاسبة حكومة عزيز أخنوش، أن نلتمس لها بعض الأعذار في الانعكاسات السلبية لفيروس كورونا على الاقتصاد، وبالتالي على الحياة الاجتماعية، وفي تأثيرات التغيرات المناخية (توالي سنوات الجفاف على بلادنا) وفي آثار الحرب الروسية الأوكرانية على مجال المحروقات والحبوب؛ لكن، لا يمكن أن نستسيغ التدبير الحكومي في مواجهة هذه الظواهر. فمن الملاحظ أن الوعود الانتخابية وتلك الواردة في البرنامج الحكومي قد تبخرت، وأبانت الحكومة عن عجز كبير في ابتكار الحلول.
خلاصة القول، لقد انكشفت عورات التغول سواء على مستوى الحكومة أو البرلمان وكذلك على مستوى المجالس المنتخبة سواء في الجهات أو الأقاليم والجماعات. وقد تسبب التغول الحكومي في نوع من الجمود السياسي في بلادنا. ومن حسن الحظ أن هناك قرارا ملكيا يتعلق بالتغطية الاجتماعية التي تهم جميع الشرائح؛ وهو قرار يعتبر إستراتيجيا وثوريا. وقد صفق له الاتحاد الاشتراكي قيادة وقاعدة لكونه ينسجم والمشروع المجتمعي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الذي يحلم بالدولة الاجتماعية التي تتحقق فيها العدالة المجالية والاجتماعية.
مكناس في 14 يوليوز 2024
Aucun commentaire