كيف يأمر الله يشوع بذبح الأطفال والنساء والشيوخ؟
المصطفى حميمو
تحت هذا العنوان أورد موقع للكنيسة الأرثدوكسية القبطية جملة من الاتهامات بالعنصرية الفاضحة لنصوص كتابهم المقدس كي يرد عليها. والسؤال المهم والأهم عندنا كمسلمين هو هل كل ما ورد في كتابهم هو حقا من وحي الله حتى يصح ذلك السؤال؟ فهذا ما دفعني للبحث في الموضوع، ليس من مصادر مسلمة قد تُتهم بالانحياز، بل من كتابهم المقدس نفسه وعن كُتاب كبار من اليهود والمسيحيين. وقبل بسط نتائجه يستحسن عرض ولو بإيجاز البعض من تلك الاتهامات حتى تتضح أهمية هذا الموضوع خصوصا في هذه الظروف الصعبة والأليمة حيث يعاني الشعب الفلسطيني من ويلات العدوان الصهيوني الشرس والهمجي على غزة وعلى الضفة.
فعن تدين بني إسرائيل بإبادة الأغيار بأمر من ربّ من اختراعهم يهواه مزاجهم، قال الدكتور مصطفى محمود في كتابه ‘التوراة’ ص 27: « وجعلوا من الرب طاغوتًا دمويًا يستبيح لهم جميع الأمم ». وأورد نصحي خليل شنودة في كتابه ‘مقالات وتصحيح المفاهيم’ ج 2 ص 22، قول الدكتور محمد عمارة: « وجدنا الأوامر الإلهيَّة أنها تدعوهم إلى تدمير كل الأغيار من البشر إلى الشجر إلى الحجر، ومن الحيوان إلى الطبيعة، ومن الكبار إلى الأطفال، ومن الرجال إلى النساء ». وفي كتابه ‘البهريز’ ج 1 ص 140. يقول علاء أبو بكر: « كيف تصف يا نصراني الرب الخالق لأولادك؟ فإن قلت لهم أنه إله المحبة… ألم يكن إله المحبة عندما أوحى إلى موسى والأنبياء أن يبيدوا الأمم وأن يقتلوا الأطفال والرضع النساء والشيوخ؟ فكيف يكون إله المحبة وهو يأمر بالقتل والحرب والإبادة؟ أم تغيرت صورته وتجمّل وعمل (نيو لوك) ليعجب عبيده؟ ».
أما في كتابه ‘الأسطورة والتراث’ ص 194، 196 يقول د. سيد القمني: « وفي رحلة الخروج أو الهروب… يسجل اليهود في توراتهم أبشع صور الوحشية. فيأتون على كل ما يقابلهم في الطريق ذبحًا وتحريقًا. ولم يسلم من أذاهم لا الإنسان ولا الحيوان ولا حتى نبات الأرض، من بعد ما قرَّرته شريعتهم وأباحته إباحة مُطلقة. وأسفر الرب العبراني آنذاك عن هويته بوضوح لما أعلن أنه من الآن: {الربّ رجلُ الحرب} (سفر الخروج 15: 3). وقال: {فضربًا تضرب سكان تلك المدينة بحد السيف، وتحرّمها بكل ما فيها مع بهائمها بحد السيف. تجمع كل أمتعتها إلى وسط ساحتها، وتحرق بالنار المدينة وكل أمتعتها كاملة للرب إلهك. فتكون تلّا إلى الأبد لا تُبنى بعدُ} (التثنية 13: 15-16).
ويسترسل نفس الكاتب قائلا : »أما شريعة الحرب، وفق الخطة المُثلى التي كتبها رب اليهود بأصبعه على الألواح، والتي نفذها الملك يشوع خليفة موسى على القيادة، بدقة وإخلاص، تحسده عليها الضواري من كواسر الوحوش… وأما مدن كنعان الفلسطينية، فلها في موعظة ربهم ‘الحسنة’ شرعة أخرى لما يأمر قائلًا {وأما مدن هؤلاء الشعوب التي يعطيك الرب إلهك نصيبًا فلا تستبْق منها نسمة ما} ( التثنية 20: 10 – 16)
في كتابه « التوراة كتاب مقدَّس أم جمع من الأساطير ص 215، أورد ليوتاكسل قول الفيلسوف الإنجليزي اللورد بولينغبروك هنري سانت جورج (ت 1751م.): » هل يُعقل أن يكون إلهُ أبًا للناس كلهم، وفي الوقت نفسه يقود ذلك البربري المتوحش (يشوع) ويرافقه؟ إن أكثر آكلي لحوم البشر دموية يخجل أن يكون شبيهًا لابن نون! يا عظمة الله! لقد أتى من عمق الصحراء ليبيد مدينة غريبة ويقتل سكانها كلهم أو يذبح حيواناتها كلها ثم يحرق منازلها بما فيها، بينما هو لا يملك سقفًا يأوي تحته. ولم يرحم سوى راحاب الباغية النتنة التي خانت وطنها، واستحقت أن تُسام مرَّ العذاب. وعلى أي حال، لا يستطيع كتابة مثل هذه الأشياء سوى سكّير نذل، ولا يصدقها سوى سكّير أحمق نهشَ الغباء ما في جمجمته ».
أكتفي بهذا القدر من تلك الاتهامات الواردة في ذلك الموقع لأطرح السؤال الأهم وأقول هل الكُتب الخمسة من العهد القديم هي حقا من التوراة التي أنزلها الله على نبيه موسى عليه السلام حتى يصح طرح السؤال « كيف يأمر الله يشوع بذبح الأطفال والنساء والشيوخ؟ » كعنوان لما جاء في الموقع المذكور أعلاه؟ الأسفار الخمسة المنسوبة لموسى عليه السلام، من بين كتب العهد القديم هي سفر التكوين وسفر الخروج وسفر اللاوين وسفر العدد وسفر التثنية. وقد تضمنت الوصايا العشر كتشريع من وحي الله تعالى مرتين فقط: (الخروج 20: 2-17) و(التثنية 5: 6-21). تشريع أكده سبحانه بحسب المفسرين في سورتين: [الأنعام:151–153] و [الإسراء:22–32]. أما باقي التوراة عند أهل الكتاب فجله إلّم أقل كله يروي تاريخ الكون منذ نشأته حتى موت موسى عليه السلام وبالخصوص تاريخ بني إسرائيل.
ولطالما اعتبر اليهود والمسيحيون أن موسى هو الذي كتب الكتب الخمسة بوحي من الله. لكن وبالبحث وجدت أن الثبات على هذا الاعتقاد صار صعبا منذ القرن الخامس عشر حتى عند بعض كبار اليهود وبالأخص بالأندلس وعند غيرهم من المسيحين. وذلك بالنظر أولا وقبل كل شيء إلى نهاية سفر التثنية الذي يروي قصة موت موسى على السلام لما يقول: }فمات هناك موسى عبد الرب في أرض موآب حسب قول الرب. ودفنه في الجواء في أرض موآب، مقابل بيت فغور. ولم يعرف إنسان قبره إلى هذا اليوم. وكان موسى ابن مئة وعشرين سنة حين مات، ولم تكل عينه ولا ذهبت نضارته. فبكى بنو إسرائيل موسى في عربات موآب ثلاثين يوما فكملت أيام بكاء مناحة موسى {(التثنية 34: 5-8). فكيف يصح أن يوحيّ الله لنبيّه أحداث موته ودفنه وهو في قبره كي يبلغها لأتباعه؟
جاءت إحدى الإجابات على هذا الإشكال في التلمود الذي جمعت فيه تفسيرات تلك الكتب الخمسة على مر العصور من بعد موسى عليه السلام، لتقول أن خليفته يشوع بن نون هو الذي واصل ذاك العمل غير المكتمل. فقال: } كتبَ يشوع كتابه الخاص وثماني آيات من التوراة تصف موت موسى{ (Bava Batra 14 b).
لكن قبل تلك الفقرات الأربع تجد الرب يقول لموسى عليه السلام: }وقال له الرب: ‘هذه هي الأرض التي أقسمت لإبراهيم وإسحاق ويعقوب قائلا: لنسلك أعطيها. قد أريتك إياها بعينيك، ولكنك إلى هناك لا تعبر {. وهو الأمر الذي تكرر مرارا في كتب العهد القديم ولا سيما في التلمود ليؤكد أن بني إسرائيل يشكلون شعب الله المختار من دون غيرهم والذين من أجلهم خلق الله الكون برمته بما فيه باقي البشر على مدى الدهر كي يخدمه، وأنه وهب لهم أرض فلسطين وكل ما حولها خالصة لهم. ومثل ذلك في التلمود الذي يقول: }وإذا اغتسل المتحول لليهودية وصعد من الماء، تكلموا معه بكلام لُطف وتعزية قائلين: « بمن تتعلق؟ سعيدٌ أنت! أنت متعلقٌ بالذي قال للعالم كن فكان، مبارك هو. لأن العالم لم يخلق إلا من أجل بني إسرائيل. بنوا إسرائيل هم وحدهم أبناء الله، وهم وحدهم أحباء الله. كل ما قلناه لك إنما قلناه لنزيد في أجرك{. (Tractate Gerim 1).
مع اعتقاده بأن التوراة من وحي الله علق الحاخام الفرنسي الكبير راشي (ت 1105م)، على أول كلمتين من أسفار موسى الخمسة: }في البدء{ (التكوين 1: 1)، بقوله: « بما أن التوراة هي في الأساس مجموعة شرائع، كان ينبغي أن تبدأ هكذا: } هذا الشهر يكون لكم يا بني إسرائيل أول شهور السنة{ (خروج 12، 2)، إذ من خلال هذه الآية صدر أول تكليف لبني إسرائيل. }أظهر الرب قوته لشعبه، معطيًا إياه ميراث الأمم{ (Tehilim 111، 6). فإذا قالت أمم العالم لبني إسرائيل: ‘أنتم لصوص، قد اغتصبتم أراضي الأمم السبع!’ يمكننا أن نجيبهم بالقول : }إن الأرض كلها للقدوس تبارك وتعالى. وهو الذي خلقها ويهبها لمن يشاء{. (Yirmeya 27، 5). فبإرادته أعطاها لهؤلاء، وبإرادته أخذها منهم وأعطانا إياها! (Yalqout chim‘oni, Bo 187) »
وقد جاء الرد الحاسم على تلك المزاعم في قوله تعالى: ﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَىٰ نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ ۚ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم ۖ بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ ۚ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ ۚ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ۖ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ﴾ [ المائدة: 18]. وهو القائل في محكم كتابه العزيز: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ [ الحجرات: 13].
وهنالك مشكلة أخرى، ومثلها كثير في نفس الكتب الخمسة، والتي تثبت عدم نسبة كل ما جاء فيها لموسى عليه السلام كوحي من الله تعالى حتى لا يقال: « كيف يأمر الله يشوع بذبح الأطفال والنساء والشيوخ؟ ». يتعلق الأمر هنا بما جاء في النص التالي:} ورجع بنو إسرائيل ونزلوا في سهول موآب من وراء نهر الأردن عند أريحا. {(العدد 22: 1). في حين موسى عليه السلام لم يعبر النهر. فقد تمت كتابة ذلك من بعد وفاته. فكيف يوحي له به الله وهو في قبره؟ زد على ذلك ما جاء في النص التالي : }هؤلاء هم الملوك الذين اعتلوا عرش أرض أدوم قبل أن يتولى ملكٌ على بني إسرائيل{ (التكوين 36: 31). وكان موسى قد مات قبل ذلك بكثير.
هكذا نجد الفيلسوف اليهودي فيلو الإسكندري (ت 50م) ينسب لموسى كتابة جزئية للأسفار الخمسة. ومثله باروخ سبينوزا (ت 1677م) في كتابه Traité théologico-politique, وريدشارد سايمون (ت 1712م) في كتابه L’Histoire critique du Vieux Testament. لم أقرأهما ولكنني وجدت أن كلاهما ينسبان كتابة الكتب الخمسة كليّا للحاخام عزرا (ت 440 ق.م). وذلك لما كان يشغل في المنفي ببابل منصب كاتب عند ملكها، قرونا بعد وفاة موسى عليه السلام. فكيف يكون ذلك من وحي الله تعالى؟
كمسلمين مطمئنين بديننا الحنيف فغالبا ما لا تعنينا باقي الديانات ما دامت لا تحرض علينا ولا تؤدينا، فنستغني عن البحث فيها. ولولا ما يعانيه الشعب الفلسطيني منذ عقود وحتى يومنا هذا لما توقفت أنا عند هذه الافتراءات العنصرية في العهد القديم وفي التلمود. افتراءات على موسى عليه السلام وعلى أنبيائه من بني إسرائيل وحتى على الله تعالى عن ذلك علوا كبيرا. افتراءات شريرة مقيتة تكمن خطورتها في كونها مقدسة عقديا. افتراءات تجعل من المتشبع بها منذ الصغر كما نراه اليوم أكثر من أي وقت مضى، وحْشا ضاريا قاسيا يقتل البشر من الأطفال والنساء والشيوخ من دون رحمة ولا شفقة، ويهدم البيوت والمشافي والمدارس والملاجئ فوق رؤوسهم ويجوّعهم. وكل ذلك بدم بارد بل بمتعة مقيتة اشمأزت منها كل النفوس البشرية بمختلف بقاع الأرض ولا سيما بين شعوب الدول التي لا تزال حكوماتها تدعم ذلك الكيان المتوحش. الكيان الذي لا يزال يستخف بكل القيم الإنسانية النبيلة وبكل المواثيق الدولية وبكل قرارات الأمم المتحدة ويتحدى بتبجح قرارات محكمة العدل الدولية ويستعلي على محكمة الجنايات الدولية. وكأن قادته بدعم من قطعانهم من المستوطنين يقولون بلسان حالهم: ﴿لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ﴾ كما أخبر بذلك سبحانه وتعالى في كتابه العزيز. وذلك وفق نفس القناعات العقدية العنصرية الشريرة من وحي الخرافات الشيطانية المنبتة في العهد القديم ولا سيما في التلمود، والتي يرضعونها منذ الصغر مع حليب الأم.
وقد وجدت باندهاش كبير عشرات الكتب والأبحاث العلمية التي تم تأليفها باللغة العربية في الموضوع. ومع ذلك من دون أثر يذكر لدفع هذا الشر كما لا يزال يتجلى في الأحداث الأليمة حاليا بغزة وبالضفة. شرّ ينبغي التصدي هذه المرة لجذوره في كل من العهد القديم والتلمود ولا سيما من بعد افتضاح تجلياته المقززة بغزة العزة. ينبغي تكاثف الجهود لجرد كامل ومرتب لكل تلك النصوص المؤسسة للفكر الصهيوني العنصري من كتب اليهود المقدسة، ونشرها عالميا بكل اللغات وبكل الوسائل المتاحة مع نسبتها بالأدلة الدامغة لكُتابها الحقيقيين من كبار حاخامات بني إسرائيل عبر العصور منذ الخروج من مصر. ثم فضحها والعمل على محاربتها وتجريمها في كل المحافل الدولية المختصة، مثل محاربة وتجريم الفكر النازي، حتى تصبح مُخجلة ومحرجة بالنسبة لكل يهود العالم، فيتبرؤون منها ويعتبرونها كما ينبغي من وحي الشيطان، فيُطهرون منها كتبهم المقدسة حتى لا تدرس لصغارهم ولا لكبارهم.
وقد صار ذلك من دواعي الدعم الواجب للمقاومة الفلسطينية. المقاومة المشروعة بموجب ميثاق الأمم المتحدة والقوانين الدولية وحقوق الإنسان. مقاومة احتلال كل أرض فلسطين وما حولها من أجل إنهائه كليّا وعودة السلم والسلام والأمان للمنطقة ولكل العالم ولكل شعوبه المسالمة من يهود ومسيحيين ومسلمين ومن باقي الديانات، وحساب كل منها على الله وحده، لقوله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَىٰ وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ [ الحج: 17]
Aucun commentaire