Home»International»المقولات العلمانية المتهافتة تحت مجهر نماذج من مفكرين مسلمين معاصرين من ذوي العلم والمعرفة والاختصاص الحلقة الثالثة : ( نموذج الدكتور محمد المختار الشنقيطي )

المقولات العلمانية المتهافتة تحت مجهر نماذج من مفكرين مسلمين معاصرين من ذوي العلم والمعرفة والاختصاص الحلقة الثالثة : ( نموذج الدكتور محمد المختار الشنقيطي )

0
Shares
PinterestGoogle+

المقولات العلمانية المتهافتة تحت مجهر نماذج من مفكرين مسلمين معاصرين من ذوي العلم والمعرفة والاختصاص

الحلقة الثالثة : ( نموذج الدكتور محمد المختار الشنقيطي )

محمد شركي

لا تختلف  المسيرة  الفكرية  للباحث الأكاديمي الموريتاني الدكتور محمد المختارالشنقيطي عن مسيرة الدكتورين المصريين عبد الوهاب المسيري ومحمد عمارة رحمة الله عليهما ، ذلك لأنه تلقى تكوينه الأكاديمي في الجامعات الأمريكية ، وهو متخصص في تاريخ الأديان ، و في فلسفة السياسة ، وله  عدة مؤلفات ،والكثير من المحاضرات ، ومشاركات في مؤتمرات، وندوات ندوات ، وله تعليقات سياسية تستضيفه إليها قناة الجزيرة القطرية ، وهو أستاذ محاضر في جامعات قطرية.

 والشنقيطي  مفكر مسلم لا يؤمن بفكرة فصل الدين عن السياسة ، وهو موقف له ما يبرره بحكم خبرته واختصاصه في فلسفة السياسة ، وخبرته بالدساتير الغربية والعربية والعالمية أيضا ، وبما تتضمنه نصوصها ، الشيء الذي  يدعم وجهة نظره  علميا وأكاديميا . وكان من أنصار ثورات الربيع العربي، التي كان يراها نتيجة حتمية للواقع السياسي العربي .

والدكتور الشنقيطي، كثيرا ما يتحدث عن الديمقراطية وعلاقتها بالعلمانية ، وهو ينفي نفيا قاطعا أن تكون الديمقراطية  نتيجة للعلمانية كما يظن الكثيرون ، وهو يصدر في وجهة نظره هذه عن خبرة واطلاع بحكم تخصصه ، خلافا لمن يعتقدون عكس ذلك دون أن يكون لديهم ما يبررون به وجهة نظرهم .

وفي لقاء له مسجل بتاريخ 01/05/2021، أذيع عبر وسائل التواصل الاجتماعي ،فصّل القول في موضوع علاقة الديمقراطية بالعلمانية ، وهو يرى بداية أنه لا يمكن الجزم لا بوجود ترابط بينهما ، ولا بوجود تناقض بينهما . ومن هذه المقدمة انطلق للبرهنة على صحتها من خلال الواقع المعيش عالميا وغربيا وعربيا  ، واعتمادا على بحوثه ودراساته ، وبحوث ودراسات غيره من أهل الخبرة والاختصاص، الذين منهم أجانب أمريكان وإنجليز ، فضلا عن باحثين عرب ومسلمين .

ولقد مهّد الشنقيطي لهذا الموضوع بالانطلاق من فكرة نفي أن تصنف الأديان تصنيفا واحدا . وقبل ذلك حاول التعريف بثالوث تلتقي عنده كل الأديان لتتمايز بعد ذلك عن بعضها البعض  ، وهذا الثالوث لا بد منه كي يسمى الدين دينا وهو : وجود عقيدة ، ووجود عبادة ، ووجود قصة كونية ، وهو يعني بالقصة الكونية تصور معين للوجود وللحياة . ويقسم بعد ذلك الأديان إلى ثلاثة مستويات : أديان في حد أدنى ، وهي المكتفية بالثالوث ، ويمثل لها ببعض الأديان الوثنية  في القارة الإفريقية ، وأديان في حد أوسط ، وهي تزيد عن الثالوث بوجود منظومة أخلاقية ، ويمثل لها بالمسيحية وبالبوذية ، وأديان بحد أعلى ، وهي التي تتجاوز الثالوث بوجود منظومة أخلاقية ، ومنظومة تشريعية ، وقيم سياسية واقتصادية واجتماعية ، ويعتبر الإسلام هو الدين المتوفر بامتياز على معايير الحد الأعلى.

ومن أجل توضيح قضية عداء العلمانية للدين التي نشأت في الدول الغربية الكاثوليكية تحديدا ومنها فرنسا ، أجرى الشنقيطي  مقارنة بين المسيحية التي هي دين بحد أوسط أي بعقيدة ، وعبادة ، وقصة كونية ، ومنظومة أخلاقية ، وبين الإسلام الذي هو دين بحد أعلى . والذي حمله على هذه المقارنة، هو محاولة العلمانيين في البلاد العربية والإسلامية  نقل التجربة العلمانية الغربية حرفيا  أو استنساخا دون تمييز بين اختلاف المسيحية عن الإسلام  من حيث نموذجهما التأسيسي ، وهم يريدون إسقاط ما نشأ بسبب  الديانة المسيحية الكاثوليكية من علمانية حرفيا على الإسلام مع وجود الفارق بين الدينين .

ووقف الشنقيطي  وقفة كي يبين أن الإسلام باعتباره الرسالة الخاتمة ، هو دين بالحد الأعلى ، وأنه يعتبر الديانات السماوية السابقة غير ذات  صبغة عالمية،  بل هي خاصة بأقوام معلومين، بينما الإسلام هو دين العالمين ، وهو مكتمل العناصر التي تجعله كذلك .

ويرى الدكتور الشنقيطي أنه يوجد فرق بين بعثة المسيح عليه السلام ، وبين بعثة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ،ذلك أن الأول بعث مبشرا وواعظا ، ولم يبعث مشرعا ،لأنه وجد في بيئة كانت فيها دولة بقوانين، وهي الدولة الرومانية ، بينما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيئة لا وجود فيها لدولة ، ولا لقوانين بل كان المجتمع العربي الجاهلي متمردا ورافضا لكل سلطة ولقوانينها ، لهذا بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ليكون مربيا ، و قائدا ومشرعا ، وليؤسس دولة لها شريعة  . وبهذا ميز الشنقيطي بين نموذج الدين المسيحي ، وبين نموذج الدين الإسلامي ، وهو يرى أن العلمانية في المسيحية سُنّة ، لكنها في الإسلام بدعة ،على اعتبار أن الكنيسة ما خاضت غمار التنافس السياسي إلا بعد مرور قرون على بعثة المسيح عليه السلام ، وكانت قبل ذلك عبارة عن دين منفصل عن الدولة . ولما تنافس الإكليروس الكاثوليك مع غيرهم من أجل السيطرة على زمام الحكم، ظهرت فكرة مطالبة خصومهم وهم من العلمانيين  بفصل الدين عن الدولة . والعلمانيون العرب، وغير العرب من المحسوبين على الإسلام، يريدون تطبيق فصل الدين الإسلامي عن الدولة، على غرار ما حدث في الدول المسيحية الكاثوليكية تحديدا ، لأن غير الكاثوليكية، كبريطانيا والولايات المتحدة، لا تفصل الدين عن الدولة،  بشهادة دساتيرها سواء دساتير الولايات الأمريكية الخمسين التي تنص على الدين المعتمد فيها ، مع استثناء الدستور الفيدرالي الذي لا ينص على ذلك ، وبشهادة الدستور البريطاني أيضا ، والدكتور الشنقيطي، صاحب خبرة بالدساتير العالمية ، وهو ينطلق من خبرة بها ، وينطق عن خبرة .

وينتقل المفكر الخبير بفلسفة الأديان ، وفلسفة السياسة إلى تصحيح مغالطة، لا زال العلمانيون العرب يجادلون فيها جدلا تجريديا، ويتعلق الأمر بعلاقة الديمقراطية بالعلمانية ، وهو ينفي هذه العلاقة كما سبقت الإشارة إلى ذلك في بداية هذا المقال، أي لا وجود لترابط بينهما ، ولا لتناقض بينهما ، وبيان ذلك عنده كالآتي :

بالاعتماد على أهم مؤشر دولي يصنف ترتيبيا  الدول ديمقراطيا ، فقد صنفت دول شمال أوروبا، وهي : النرويج، وفنلندا ، والسويد ، والدنمارك الأولى ترتيبا في الممارسة الديمقراطية ، وهي دول علمانية، لكن  في المقابل دساتيرها، لا تخلو من فقرات الإشارة إلى دينها الرسمي  كما يعبر عن ذلك وجدان شعوبها، وبناء على هذا، لا يمكن القول بأن علمانيتها هي  سبب ديمقراطيتها . وفي المقابل، تصنف دول إفريقية وأسيوية في آخر سلم الترتيب الديمقراطي، مع أن دساتيرها تنص على علمانيتها ، وذكر منها تشاد، والكونغو، وكوريا الشمالية، وهذا دليل آخر على عدم صحة ربط الديمقراطية بالعلمانية  حتما وضرورة .

ويخلص الدكتور الشنقيطي إلى أنه يستحيل أن تتخلص دول العالم من تحيزها للدين، ولو كانت تصرح بعلمانيتها ، ويضرب مثلا على ذلك  بالصين العلمانية التي تتحيز للبوذيةعلى حساب الأقليات المسلمة . ويفسر الشنقيطي هذا التحيز بأنه مجاراة الأنظمة  مضطرة  لوجدان شعوبها الديني . وهذا ما جعله يميز بين الأغلبية السياسية ، والأغلبية الثقافية للبلدان، واللتين لا يجب الخلط بينهما ، ذلك أن الدساتير تتحكم فيها الأغلبية الثقافية التي تمثلها الشعوب ، والدولة عبارة عن حصاد يتدافع فيه المجتمع . والدساتيرعند الشنقيطي، فيها جانب كثيف يتعلق بالهوية والقيم ، وجانب خفيف يتعلق بما هو إجرائي من قبيل صلاحيات الرؤساء ، وباقي صلاحيات مؤسسات الدولة .

والمعهود في الدساتير بالنسبة للشنقيطي، أنها تنص على كل ما يخشى عليه من التهديد ، ويضرب على ذلك مثال بين عدم تنصيص الدستور البريطاني والأميركي على أن اللغة الرسمية عندهما وهي الإنجليزية، لأنها غير مهددة فيهما ،بل هي المهددة لغيرها ، بينما دساتير الدول العربية تنص على أن اللغة العربية، هي اللغة الرسمية، لأنها مهددة بلغات محتل الأمس .

ويذهب الحديث بالشنقيطي إلى طرح إشكالية العلاقة بين الأقلية والأكثرية في المجتمعات العربية ، وهو يصف الأقليات بالمدللة ، والأكثرية بالمغفلة ، لأن الأكثرية قد تقع تحت ظلم الأقلية المدعومة دوليا ، كما هو الحال بالنسبة للأقلية المسيحية في الوطن العربي، التي لا يجرؤ أحد على الاعتداء عليها، كما يعتدى على الأغلبية المسلمة ، ويمثل لذلك بإحراق السيسي لمسجد من المساجد، لكنه لا يجرؤ على إحراق كنيسة  نظرا لحمايتها الدولية .

وحل هذا الإشكال بالنسبة للشنقيطي، يكمن في توفير توازن بين الأكثرية والأقليات ،لأن الاخلال بهذا التوازن يعتبر فشلا ، علما بأن الأقليات والأكثرية في الوطن العربي أمر نسبي ، فقد تكون الأقليات عرقية، لكنها تلتقي مع الأكثرية في الدين، كما هو الشأن بالنسبة للأمازيغ والأكراد على سبيل المثال .

ويخلص الشنقيطي إلى أن العالم العربي والإسلامي، لا يمكن أن يسير على خطى الحداثة والعلمانية ، مع وجود رغبة كبير لدى رعاياه في الديمقراطية، لكنهم يريدونها إسلامية لا علمانية  . ويرى أن العلمانية إنما هي مفروضة على هذا العالم قهرا لا إرادة، لأن وجدان شعوبها إسلامي حتى مع إعلان أنظمتها الاستجابة لإملاء العلمانية  الغربية . والأنظمة العربية مضطرة إلى أخذ هذا الوجدان بالاعتبار في صياغة دساتيرها . ويذكر الشنقيطي أن حافظ الأسد وضع دستور 1970 أو 1971 دون ذكر دين الدولة ، فوجد معارضة شديدة  ،اضطر معها إلى إضافة قفرة تنصّ على أن الإسلام هو دين الدولة . وذكر أيضا أن السيسي لم يجد بدا من تضمين دستوره  فقرة تشير إلى الدين الرسمي لمصر لأنه اضطر أيضا  للخضوع لوجدان الشعب الديني ،الذي لا يمكنه معاكسته .

وخلص الشنقيطي إلى أن تطبيق الديمقراطية في البلاد الإسلامية والعربية، يؤدي حتما إلى سيادة الإسلام ، واضمحلال العلمانية . ويستدل على ذلك بما حدث في العراق حين كلف أحد الأمريكيين بصياغة دستور له بعد غزوه ، وبعد دراسة معمقة انتهي إلى أن تطبيق الديمقراطية  الحقة، وليست الصورية في العراق يؤدي إلى نتيجتين حتميتين  هما : إما عودة الإسلام ، أو العداء لأمريكا وللغرب ، لهذا نصح الأمريكيين بالتخلي عن  التفكير في تحويل العراق إلى بلد  ديمقراطي ، وهو صاحب مقولة :  » مزيد من الديمقراطية يعني مزيد من الإسلام  » . وهذا ما كشفته التجارب الديمقراطية في بعض بلدان الربيع العربي ، وهي تجارب أجهضت فيما بعد، لأنها جعلت الوجدان الديني لدى شعوبها يطفو على السطح، وهو ما أقلق الدول الغربية .

وأشار الشنقيطي إلى أن العلمانيين العرب ليقينهم الراسخ  بعودة الإسلام إذا ما سادت الديمقراطية الحقة  في البلاد العربية، فإنهم يعادونها ، وذلك من أجل  قطع الطريق على سيادة الإسلام .

وآخر ما ختم به الشنقيطي مداخلته، هو وصف الدساتير العربية بأنها شكلية أو حبر على ورق ، وأنها مجرد مجاملة للشعوب ، وهي في واد ، والواقع في واد آخر، وهي  في حكم الحق الذي يراد به باطل ، مع قوله بأن الحق يبقى حقا حتى وإن أريد به باطل . ومقابل الطابع الشكلي للدساتير العربية ، وهي دساتير مع وقف التنفيذ ، يذكر الشنقيطي  دولا ديمقراطية غربية، تطبق أكثر مما هو منصوص عليه في دساتيرها .

ويبقى لنا القول أن خبرة هذا الباحث الأكاديمي قد كشفت تهافت مقولة العلمانيين العرب ، كما  كشفت خلل قياسهم واقع البلاد العربية على واقع بلاد الغرب ، وأن رهانهم على العلمانية والحداثة رهان خاسر ، وأن جدلهم قد أصبح متجاوزا ، وأن الشهود على ذلك من بلاد العلمانية الغربية التي يهللون لها ، ويسبحون بحمدها ،كما بيّن ذلك الدكتور الشنقيطي الذي لا يمكن إلا الإشادة بوزنه العلمي والأكاديمي الذي لا يجحده إلا جاحد أو معاند .

تنويه : المرجو نشر الإرسال الثاني للمقال بعد تصحيح بعض الأخطاء المطبعية وشكرا جزيلا         

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *