إشكالية ترتيب المؤسسات التعليمية وسؤال الجدوى
بقلم هشام البوجدراوي
بعد صدور مذكرة الوزير السابق، محمد حصاد، تحت عنوان: تقييم أداء المؤسسات التعليمية، وما تلاها من إجراءات تفتيش جهوية وإقليمية، لتتبع المؤسسات الثانوية التي حصلت على نسب نجاح أقل من 40% في امتحانات الباكالوريا. شرعت الأكاديميات والمديريات الإقليمية، في تصنيف المؤسسات التعليمية وترتيبها، حسب نسب نجاح التلاميذ، بغية مساءلتها وتحفيزها على الرقي بأدائها لرفع نسب النجاح المدرسي. ومنذ ذلك الحين، والمؤسسات التعليمية تسعى جاهدة للخروج من (منطقة المساءلة)، ورفع أعداد الحاصلين على المعدل في الامتحانات الإشهادية. وكتحصيل حاصل لتلك الإجراءات المتخذة محليا وجهويا، عرفت نسب النجاح بامتحانات البكالوريا تطورا متسارعا، سنة بعد سنة، محققة نسبا متميزة في بعض المؤسسات التعليمية. مما أثار مجموعة من التساؤلات حول مدى مصداقية تلك النتائج خصوصا وأن الجميع يتفق على أن مستوى المتعلمات والمتعلمين تراجع بشكل ملفت، بالإضافة إلى أن التلميذات والتلاميذ المغاربة حصلوا على المراتب الأخيرة في اختبارات مكتسبات الرياضيات والعلوم “TIMSS”، كما تذيلوا الترتيب في اختبارات تقييم الحد الأدنى من الكفايات في الرياضيات والقراءة » PISA » .
واستنادا إلى ما سبق يتبادر إلى أذهاننا طرح الأسئلة التالية:
ما الجدوى من ترتيب المؤسسات التعليمية؟ هل التحفيز للرفع من نسب النجاح المدرسي أم تحقيق الجودة في التعليم؟
هل المعايير المعتمدة في الترتيب تتسم بالموضوعية وتراعي الاختلاف والتفاوت بين مدخلات المؤسسات التعليمية؟
إشكالية الترتيب وسؤال الجدوى
اهتم القيمون على قطاع التعليم بمختلف مستوياته (مركزيا، جهويا وإقليميا) برفع نسب النجاح المدرسي، واعتبروه مؤشرا على تحقيق أهداف المنظومة التربوية. غير أن تحقيق إصلاح التعليم يحتاج إلى نظرة شمولية في واقع المنظومة، تتجاوز البعد الكمي وتهتم بالكيف بمختلف المجالات. فالإصلاح يجب أن يكون شموليا ومبنيا على جودة الأداء المدرسي. كما يجب أن يقترب أكثر من التلميذ ويهتم بمواصفات الخريجين لا بأعدادهم، ويهتم كذلك، برفع قدراتهم على استدعاء وتوظيف الموارد، وتمكينهم من الكفايات بمختلف مستوياتها (النوعية، الممتدة، الاستراتيجية، التكنولوجية، التواصلية، المنهجية…) وتنمية قدراتهم على استدعائها وتوظيفها في حل المشكلات التي توفرها الوضعيات الحياتية اليومية.
إن ترتيب المؤسسات التعليمية وتصنيفها يخلق نوعا من الندية التي غالبا ما تؤدي إلى تركيز الجهد نحو رفع معدلات التلاميذ وانتهاج أساليب تبتعد عن الموضوعية خلال إعداد منهجية بناء الدرس، أو اختيار مقاطع المنهاج، أو تحديد ظروف إجراء المراقبة المستمرة، أو بناء أدوات التقويم، أو اختيار مواضيع الاعداد للامتحانات الإشهادية. كما يصيب منتسبي المؤسسات التي تبوأت المراتب الدنيا، الإحباط والإحراج، فينعكس سلبا على أدائهم ومكانتهم بين مكونات المجتمع المدرسي، ليتسبب في هجرة أساتذة وتلاميذ الأقسام الإشهادية، نحو المؤسسات ذات نسب النجاح المرتفعة (مؤسسات خمسة نجوم). ومن هنا يحق لنا أن نتساءل:
هل تحققت الغايات من التصنيف والترتيب؟؟؟ أم أن العملية مجرد ترهيب لا غير…
إشكالية الترتيب وسؤال الموضوعية
من المفروض أن أي عملية ترتيب موضوعية، يجب أن تضم مؤسسات تتشابه في الظروف والوسائل والبنيات التربوية، وتحتوي على نفس عدد التلاميذ، وأن تنتمي لنفس الوسط السوسيو-ثقافي، وتتوفر على نفس بنيات الاستقبال، وأن يمتلك الطاقم التربوي الذي يشتغل بها نفس عدد سنوات الأقدمية… لكن ومن خلال ما عاينا، نلاحظ أن المؤسسات موضوع التصنيف، تختلف من حيث نوعية روافدها(عمومي / خصوصي/ قروي / حضري / شبه حضري)، كما تختلف من حيث الوضعية السوسيو-اقتصادية والثقافية التي تميز محيطها، بالإضافة إلى اختلاف بنياتها التربوية: فنجد على سبيل المثال ثانويات النخب (المتوفرة على الشعب ذات الاستقطاب المحدود) تستقبل المتفوقين من تلاميذ ثانويات التعليم العام في إطار عمليتي التوجيه وإعادة التوجيه فتسعى لتكريس تفوقها، بالمقابل نجد المدارس الأخرى تتيه في المشاكل المرتبطة بعدم التحكم بلغة التدريس وكثرة الغياب والشغب المدرسي والاكتظاظ فتضيع عليها فرص الصعود عبر سلم الترتيب…
فأين تتجلى الموضوعية؟؟؟؟
المؤشرات الكمية من سباق الترتيب إلى تجويد الأداء
تعد عمليات الرفع من جودة الأداء المدرسي، من أهم التحديات التي تواجه القيمين على الشأن التربوي المحلي والجهوي. فكلما حققت المؤسسات التعليمية نجاحا أو فشلا في مخرجاتها، (بعيدا عن منطق الترتيب والتصنيف)، كانت هناك تطلعات إلى رفع جودة أدائها. وهنا يبرز دور تقييم الأداء المدرسي وأثره في الكشف عن معيقات النجاح على مستوى المؤسسات التعليمية. إذ يوجه الثانويات باستمرار لتطوير مؤشرات النجاح، من أجل رفع مستوى الخدمات المدرسية، وحصول الفعالية في الأداء، عبر تحسين العمليات، وتوفير الموارد، والرفع من كفاءة المتدخلين.
ووفقا لما تقدم يمكن اعتبار أن الهدف من النظر في مؤشرات الأداء المدرسي الكمية، ليس الترتيب والتصنيف والمفاضلة، وإنما رصد وتقييم مدى التقدم والتطور في نسب النجاح المدرسي، قصد اتخاذ قرارات تربوية تهدف إلى مساعدة المؤسسات على تجاوز معيقات النجاح. ولذلك وجب تكوين لجن تخصصية، تبتعد في أهدافها عن منطق المساءلة والمحاسبة، وتهتم برصد وتقييم الأداء التربوي، باستخدام استمارات الملاحظة الصفية، وتحليل نتائج التلاميذ، والنظر في إجراءات الدعم التربوي، وتحليل تقارير استجوابات الأساتذة والإداريين والاطلاع على سجلات الغياب وتقارير السلوك والنظر في الخصاص من الإداريين والأساتذة وفحص وتشخيص نقاط الضعف وتحديد أولويات التطوير وآليات التغذية الراجعة.
ختاما، وحتى تتمكن المؤسسات التعليمية من تحقيق أولوياتها وبلوغ أهدافها وجب القطع مع منطق المساءلة وسياسة الترتيب التي غالبا ما تكرس سلوكات اللاموضوعية ومنطق الغاية تبرر الوسيلة. فضمان جودة الأداء بالمؤسسات التعليمية، ليست مسؤولية فردية تختص بها المدارس لوحدها، بل هم جماعي يتحمل مسؤوليته كل منتسب لمنظومة التربية والتكوين.
Aucun commentaire