Home»Islam»حديث رمضان ( الحلقة الثالثة ) (( يا بني آدم لا يفتننّكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ))

حديث رمضان ( الحلقة الثالثة ) (( يا بني آدم لا يفتننّكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ))

0
Shares
PinterestGoogle+

حديث رمضان ( الحلقة الثالثة ) (( يا بني آدم لا يفتننّكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ))

محمد شركي

مما يصادفه النازل في ضيافة الرحمان جل شأنه  في هذا الشهر الفضيل ، والجالس إلى مائدته في لياليه ،ما يتعلق بما ينغص عليه وجوده كما بيناه في الحلقة السابقة حين تحدثنا عن طبيعة خلقه، وعن الغاية من وجوده في هذه الحياة الدنيا كما أخبره بذلك خالقه سبحانه وتعالى الخبر اليقين الذي لم تصل إلى حقيقته الفلسفات الوضعية ،والأخبار التاريخية البشرية .

وأخطر ما يواجهه الإنسان خلال مروره بتجربة الحياة فوق سطح هذا الكوكب هو مخلوق شرير كان هو السبب في هبوط أب البشرية آدم وزوجه عليهما السلام من الجنة  وهي مقام خلد إلى  مقام زوال في الأرض بعدما غرر بهما ، وقاسمهما على أن مخالفتهما أمر ربهما بالأكل من الشجرة الممنوعة  وراءه مكاسب  وهمية وكاذبة زينها لهما كما أخبر بذلك رب العزة جل جلاله بقوله : (( وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين )).

والمتدبر في خبر هذا المخلوق الشرير واللعين من خلال آيات مبثوثة في مائدة الله عز وجل القرآنية ، يستحضر تهديده الخطير لوجود الإنسان في عاجل دنياه ، وفي آجل أخراه ، وبين هما علاقة جدلية إذ يتوقف أمر الثانية على الأولى بالضرورة .

وإذا كان إرادة الله تعالى هي أن يعود الإنسان إلى حيث كان قبل الهبوط إلى الأرض بعد خطيئته ، فإن الشيطان الرجيم والذي عوقب بالطرد من رحمة الله تعالى ، وبمغادرة الجنة إلى الجحيم الأبدي قد أقسم بعزة خالقه ألا يدخلها وحده إلا وقد حشر  معه إليها خلق كثير من بني آدم من خلال إعادة الكرة بما فعله مع أبويهم من قبل من إغراء كاذب ، لهذا جاء التحذير الإلهي لهم بألا تنطلي عليهم حيلته مرة أخرى كما انطلت على أبويهم  مصداقا لقوله تعالى : ((  يا بني آدم لا يفتننّكم الشيطان كما أخرج أبويكم  من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما ما سوءاتهما )) ، والتأمل فيه هذا التحذير الإلهي من فتنة الشيطان  ـ  والفتنة عبارة عن زيغ وميل عن الصواب ،وهي شر ما يبتلى به الإنسان في دينه ـ أن وسيلة الفتّان لعنه الله ، هي وساوسه التي  يهدف من ورائها إلى الانتقام ممن كان سببا في طرده من رحمة الله عز وجل ،وخلوده في الجحيم ، وهو بسبب عداوته  لبني آدم يذهب بعيدا كما فعل مع أبويهم في إهانتهم وإذلالهم حين  يستجيبون لإغرائه الكاذب، فتنكشف سوءاتهم كما انكشفت سوءات أبويهم ، وانكشاف السوءة فيه ما فيه من القبح، والشناعة، والفظاعة ، وإن أقبح حال يكون عليه الإنسان حين ينزع عنه لباسه . ومعلوم أن الله تعالى قد قدم قبل هذا التحذير الحديث عما خص به الإنسان من لباس صيانة لكرامته ، فقال جل شأنه : ((  يا بني آدم  قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوءاتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير ذلك من آيات الله لعلهم يذّكرون )) ، ففي هذه الآية تذكير للخلق بما أنعم به عليهم خالقهم سبحانه وتعالى من نعمة اللباس، وهو ستر للعورة المغلظة تحقيقا للتكريم الذي خصهم به تفضيلا لهم على كثير ممن خلق ، وزيادة في التكريم جعل لهم ريشا  أو رياشا، وهو ما فوق الستر من زينة تليق بالتكريم . ومعلوم أن اللباس والريش مما يوافق الفطرة السوية ، ولا يستطيع أحد أن يزعم عكس ذلك، لأن العري وانكشاف السوءة معرة تأنف منها الفطرة السوية  التي لا يخالفها إلا من صدق عليه ظن إبليس ، وهانت عليه كرامته ، ونتحدى من كانت له ذرة من كرامة أن  يخالف هذه الفطرة ، ويمتهن كرامته .

والتأمل فيما أنزل الله تعالى من لباس على  بني آدم ، وقد ذهب بعض المفسرين إلى أن المقصود بالإنزال هو ما أودع الله تعالى في الإنسان من إلهام لستر عورته  بالتماس ما يحقق له ذلك مما خلق له من ملبوسات ، يجعلنا ننتبه إلى  ثلاثة أنواع من اللبوس ، ساتر للسوءة ، ومجمل للجسد ، ولباس معنوي هو لباس التقوى، وهو الأفضل ، وأفضليته أنه هو ما يحمل على التزام  الإنسان اللباس المادي والريش. وهنا يجب ألا ننسى أن إبليس اللعين حين ينزع عن الإنسان لباسه ، فإنه يجرده من الأنواع الثلاثة ، وأخطر ما ينزع منها عنه لباس التقوى الذي حين ينزع عنه يكون وسيلة إلى نزع  اللباس المادي والريش ، لهذا لا يُرى العراة  من الناس  إلا من نزع لباس تقواهم ،وهو ما يركز عليه الشيطان الرجيم لأنه لا ينزع عن الإنسان لباسه المادي وريشه إلا بعد أن ينزع عنه لباس تقواه .

وكي لا يقع الإنسان في إذلال الشيطان  الرجيم له، حذر الله تعالى في مواطن كثيرة  من الذكر الحكيم الإنسان من خبثه ومكره نذكر من ذلك قوله تعالى : ((  إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم )) ويكفي أن يتوارى عدو الإنسان هو وقبيله عنه فلا يراهم ليكونوا  ذلك خطرا عليه بحيث يصبح فريسة سهلة في مرمى سهامهم وأحابيلهم  .

ومن تحذير الله تعالى الناس من كيد الشيطان أيضا حكاية  عنه لعنه الله  قوله وهو يتوعدهم بالتضليل : ((  قال فبما أغويتني لأقعدنّ لهم صراطك المستقيم ثم لآتينّهم من بين أيديهم  ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم  ولا تجد أكثرهم شاكرين ))  ، وكفى بعدو متوار عن الأنظار أن يأتي الإنسان من أمامه، ومن خلفه، وعن يمينه، وعن شماله أن يشتد خطره عليه . وما يراهن عليه هذا العدو هو ألا يشكر الإنسان نعم  الله تعالى السابغة عليه بل يكفرها ويجحدها ، وكفرانها وجحودها هو أن يستعين بها على معصية المنعم سبحانه بالخضوع لإغراء عدوه إبليس فيما يزين له من معاص وانحرافات عن صراط ربه المستقيم .

ومن تحذيره سبحانه وتعالى أيضا من كيد الشيطان قوله تعالى : (( وكذلك جعلنا لكل نبيّ عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون )) ، ففي هذه الآية الكريمة تنبيه إلى استخدام إبليس وقبيله عناصر من البشر كمرتزقة عندهم يشاركونهم في استهداف بشر مثلهم، وأقبح ببني البشر أن يصير بعضهم مرتزقة عند إبليس وعملاء له يستخدمهم ضد بني جلدتهم ، وهذه أشنع عمالة وخيانة على الإطلاق يرتكبها عملاء إبليس من بني البشر ، وهو يحقق بواسطتهم ما لا يستطيع تحقيقه هو وقبيله من تضليل وإذلال الناس ، أو ليست ثقافة العري وهي خلع اللباس عن الإنسان تمرر عبر عملاء إبليس من البشر ، وهي أسهل طريقة بالنسبة لإبليس لإذلالهم وإهانتهم  ؟

ومن إمعان إبليس في إذلال البشر الواقع في حبائله أنه يتنكر لهم يوم الحساب  بما فيهم من كانوا عملاءه  كما جاء في قوله تعالى : (( وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم ، وما أنتم بمصرخيّ إن كفرت بما أشركتموني من قبل إن الظالمين لهم عذاب أليم )) ، هكذا يتبرأ عدو الإنسان إبليس اللعين أولا من عملائه الذين استخدمهم ،وثانيا ممن كانوا ضحاياه ، ويقيم عليهم الحجة بأنهم استجابوا له لمّا دعاهم مع أنه لم يكن له عليهم سلطان ، لهذا عليهم لوم أنفسهم عوض لومه ، وأنهم لا يغاثون جميعا وهم يصطرخون في نار جهنم مستغيثين ولا يغاثون  وهم في العذاب المهين وساء مصيرا .

وأخيرا نقول إن من يقبل على مائدة الله تعالى في  ليالي هذا الشهر الفضيل، وهو قائم بين يديه وقد ألهم التدبّر في كتاب الله عز وجل حري به أن يكون انتباهه إلى أخطر ما يهدد وجوده ما يتهدده به عدوه إبليس اللعين ، وأن يجعل تهديده دائما  نصب عينيه في كل أحواله ، وهو يخوض غمار هذه الحياة الدنيا ، وهي امتحانه وابتلاؤه الذي يخوضه للعبور من حياة الزوال إلى حياة الخلد التي تكون النهاية فيها عبارة عن جزاء عمّا اقترفه في عاجله ، ويكون إما نعيما مقيما ، أو جحيما مقيما، والعياذ بالله منه .

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *