من قمة،،ايش ايزرزر،،
محمد شحلال
بعد أزيد من خمسة عقود،تمكنت صباح يومه الأحد من الوصول الى احدى معالم منطقة،،المعدن،، بجماعة سيدي لحسن ( ناحية دبدو ) ( عمالة تاوريرت ) التي اختارها الفرنسيون لتثبيت منارة طوبوغرافية(Balise) .
يعرف المرتفع لدى الساكنة وفي الخرائط المعتمدة ب،،ايش ايزرزر،،وهو ما يعني مرتفع الغزلان. لقد كان اسما على مسمى،ذلك أن المكان ظل الى أواخر عهد الاستعمار ،فضاء يحتضن قطعان هذه الحيوانات الجميلة التي عايشها اباؤنا ولم يجرؤا يوما على المساس بها خوفا من السلطات النصرانية التي تصون التوازن الايكولوجي،بينما عبث به أهلنا بمجرد خروج المستعمر كدليل على تعطشنا لتخريب بيوتنا بأيدينا
عندما يصل الزائر الى قمة المرتفع ،يصبح المحيط تحت ناظريه،حيث يبدو السد هادئا ،وجبل،،ايش نتلاغث،،* يقف بالمقابل وكأنهما في سجال لا ينتهي،بينما تستوقفك مناظر منطقة،،اينان حوا،،ونبع،،عبدون،، اللتين تحتميان بجبل صخري،يعرف ب،،أزرو نووذاذ،،أي تيس الجبل،وفي جوف هذا الجبل مغارة تعرف بمغارة،،الجنون،،التي ترتبط بقصة الأسطورة : علي نتسعيت،، وهو شخص من دوار،،اينان حوا،،يقال بأنه ربط علاقة مع الجنون الذين كانوا يزودونه بالطعام لأجل والدته،فلما انكشف السر،دخل المغارة ولم يعد الى الان !
في الجانب الأسفل الشرقي المقابل لايش ايزرز،تبدو بعض البيوت التي يعمرها بقايا السكان من أقاربنا،وضمنها بيت عائلة الاخ ج.قاسم الذي يسكنه حب هذه المنطقة التي أسهب في الحديث عنها وهو يدون سيرته الذاتية الغنية بالأحداث ذات الشجون.
كنت استغل اقامة العائلة المؤقتة بمنطقة،،المعدن،،لجني المحاصيل في الماضي البعيد، لأمارس شغب الصبا بمرتفع،،ايش ايزرز،،وكانت أسعد لحظاتي حينما التقي صديقي أحمد مع قطيعه،حيث يخرج نايه الأنيق ليشرع في بث مختلف الأنغام التي يوزعها في كل الاتجاهات،خاصة نحو الوجهة حيث تعيش فتاة أحلامه التي نجح في الاقتران بها بعد عشق جنوني
.
لم يتح لأحمد بأن يدرس، لكنه تعلم العزف على الناي الى جانب مصنوعات يدوية محلية،مما جعله يختار الزواج المبكر وفاء للمعهود ببلدتنا،بينما كان العشق مشروعا مؤجلا بالنسبة لي، بسبب ارتباطي بالمدرسة ومشوارها الطويل.
لم أزر ،،ايش ايزرزر،، منذ أن ترك أحمد قطيعه وفاز بقلب ليلاه التي غادر البلدة من أجلها ،بحثا عن حياة أفضل،فلما وصلت الى المكان من غير رفقة هذه المرة،عاد شريط الأحداث الى الذاكرة بكل تفاصيله ،وقضيت وقتا ممتعا وأنا أتأمل هذه الفضاءات الواسعة التي يراقبها المرتفع في صمت.
عرفت منطقة،،اينان حوا،،تطورا لافتا،حيث نقب الساكنة
عن الماء،وأنشأوا الجنان والمباني الحديثة ،وتم شق طريق فكت عن المكان عزلة عمرت طويلا،لكن الطريق خربت سوقا أسطوريا : انه ،،السوق نووشن،،( سوق الذئب).
كان المكان يتميز بغطائه الغابوي الكثيف في الماضي،وكانت الذئاب تتخذه ميدانا للانطلاق نحو أهدافها،وهو ماجعل الأهالي يطلقون عليه هذا الاسم.
تراجع الغطاء الغابوي بشكل لافت،ولم يسلم من معالم سوق الذئاب الا شجرة خروب نشاز في هذا الفضاء ،تحدثت عن قدمها كل الأجيال المتعاقبة.
زرت السوق المهجورة التي اختفى من كان يعمرها،وعلى مرمى حجر من هناك،عاشت احدى أخواتي التي انتقلت مبكرا الى رحمة الله قبل ان يلتحق بها زوجها ويهاجر الأبناء.
تحرر ،،اينان حوا،،من عزلة الماضي القسرية،حيث تتقاطع فيه المسالك في كل الاتجاهات،ومازال نبع،،عبدون،، يوزع ماءه الزلال على عشاق الصفاء.
واذا كانت المنطقة تشهد تحولات هامة بفضل استثمارات المهاجرين في احياء الأرض،فان الكارثة الكبرى هي التي أصابت مجرى،،المعدن،،الذي نضب ماؤه وماتت الحياة على جانبيه.
تحية من قمة، ايش ايزرزر،،لكل أبناء ،،المعدن،،و،،اينان حوا،،وأملي في الله أن تتوالى بشائر الخير لعل المكان يسترجع بعضا من جماليته التي لن ننساها أبدا.
* ايش نتلاغث : مرتفع مقابل لايش ايزرز، وثلاغث،تعني بلغتنا المحلية: التراب الذي تصنع منه الأواني الفخارية.
Aucun commentaire