حديث الجمعة : » أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها «
حديث الجمعة : (( أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها ))
محمد شركي
من المعلوم أن الإنسان يولد على الفطرة السوية إلا أن تنشئته غير السوية في أسرته أو في مجتمعه تنحرف به عنها كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال : « ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهوّدانه أو ينصّرانه أو يمجّسانه ، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء ، هل تحسون فيها من جدعاء » .
وبقاء الإنسان على فطرته السوية رهين بتدينه الدين الذي ارتضاه له خالقه ،وهو الإسلام مصداقا لقوله تعالى : (( إن الدين عند الله الإسلام )) وقوله أيضا : (( ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين )) .
ولابد من التذكير هنا أن الله تعالى بعث كل المرسلين من لدن آدم عليه السلام إلى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم مسلمين كما سجل ذلك القرآن الكريم، وهو الرسالة الخاتمة للعالمين إلى يوم الدين ، ونذكر من ذلك قوله تعالى عن نبيه إبراهيم عليه السلام : (( إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين )) ،وهو الذي نفى عنه سبحانه وتعالى اليهودية والنصرانية فقال جل شأنه : (( ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين )) ، كما أنه ذكر سبحانه قول نبيه نوح عليه السلام فقال : (( وأمرت أن أكون من المسلمين )) ، كما أخبر عن نبيه موسى عليه السلام بقوله تعالى : (( يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين )) . ومما يؤكد إسلام أنبياء الله عز وجل قوله تعالى : (( إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم )) ،ويترتب عن هذا أنهم جميعا كانوا مسلمين إذ لا يمكن أن يختلف دينهم وهم ذرية بعضها من بعض .
وبالعودة إلى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ورد فيه ذكر ولادة المواليد على الفطرة السوية وهي الإسلام ،أشار إلى الانحراف عنها عن طريق تنشئتهم تنشئة غير سوية تهويدا ،أو تنصيرا، أو تمجيسا ، وهو ما يعني أن هذا من الانحراف عن الفطرة السوية أو عن الإسلام ،علما بأن القرآن الكريم يذكر تحريف أهل الكتاب لما أنزل عليهم حيث يقول الله تعالى : (( من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه )) ، ويقول أيضا : (( فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون )) ، وهذا التحريف هو سبب الانحراف عن الإسلام دين الفطرة السوية .
ويكثر في كتاب الله عز وجل تحذير الناس من الانحراف عن الدين الذي ارتضاه لهم ، والذي لا يقبل منهم غيره ، ومن أمثلة هذا التحذير قوله تعالى :
(( أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها كذلك زيّن للكافرين ما كانوا يعملون )) ، ففي هذه الآية الكريمة تصوير اعتبره بعض المفسرين تشبيها ، بينما اعتبره آخرون استعارة فيهما مقارنة بين من يلتزم الفطرة السوية ، وبين من ينحرف عنها ، علما بأن المقارنة تستوجب تفضيل المفضول ممن تشملهم المقارنة . ولقد نوه الله تعالى بملتزم الفطرة السوية ، فجعله حيا له نور يمشي به بين الناس ، بينما جعل المنحرف عنها ميتا مقبورا في ظلمات ليس بخارج منها . ومعلوم أن النور في كتاب الله عز وجل يطلق على هديه سبحانه وتعالى ، وما هديه سوى دين الإسلام مصداقا لقوله تعالى : (( فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصّعد في السماء كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون )) ، وفي هذا النص صلة واضحة بين هدي الله عز وجل وبين دينه بل معناهما واحد . ومقابل دلالة النور على هدي الله عز وجل أوعلى دينه في كتابه الكريم ، نجد الظلمة تطلق فيه على الانحراف عن هديه أو عن دينه .
والإنسان خارج دائرة الإسلام يكون في حكم الميت الذي تحفه الظلمات لا خلاص له منها ، فإذا أراد به الله تعالى خيرا أحياه بعد موته ، وأبدله عن الظلمات نورا يمشي به بين الناس ، وشتان ما بين الحالين . وبناء على هذا فكل مولود ينطلق بطبيعته وجبلته من فطرة سليمة ، وقد يظل عليها طيلة حياته إذا أراد به الله تعالى خيرا ،فيبقى حيا له نور يمشي به بين الناس ، وقد ينحرف عنها ،فيصير في عداد الأموات يقبع في ظلمات ليس بخارج منها حتى يرجع إلى ربه ،فيوفيه حسابه كاملا غير منقوص . والمنحرف عن الفطرة السوية يزين له هذا الانحراف ، والمزين إنما هو إبليس اللعين الذي يركب ظهور بعض البشر المنحرف عن الفطرة ، فيوحي إليهم كيف يحملون الناس على الانحراف عنها ، وقد جاء في كتاب الله عز وجل ما يدل على هذه الشراكة الخبيثة بين إبليس اللعين ، وبين المنحرفين عن الفطرة السوية من بني آدم حيث قال الله تعالى : (( وكذلك جعلنا لكل نبيّ عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا )) .
مناسبة حديث هذه الجمعة هو تنبيه المؤمنين إلى ما نبههم إليه الله عز وجل من الانحراف عن الفطرة السوية خصوصا ونحن نعيش زمن الانحراف الكبير عنها وقد تجندت لذلك جهات عدة ، وجندت له كل إمكانياتها وطاقتها لتجعل أكبر عدد من الناس في حكم الأموات المقبورين في ظلمات ليسوا بخارجين منها كما هو حال من انخدعوا بشعارات خادعة تزين لهم كل أنواع الانحراف عن الفطرة السوية ،وتسوقها لهم على أنها من الحريات، كحرية التصرف في الجسد بامتهانه عن طريق الممارسات الجنسية الشاذة من قبيل ما أصبح يسمى علاقات جنسية رضائية ومثلية ، وهو ما جعل البعض ينحو نحو تغيير جنسه الذي خلقه الله تعالى عليه … إلى غير ذلك من أنواع وأشكال الانحراف عن الفطرة السوية .
وليس لمن انحرفوا عن الفطرة السوية من سبيل إلى حياة حقيقية ، وبنور يمشون به بين الناس سوى التعجيل بتوبة نصوح ورجوع إلى الله تعالى سائلينه أن يحييهم ، وأن يمكنه من نوره وهو القائل : (( ومن لم يجعل الله له نور فما له من نور )) .
وعلى المؤمنين في هذا الزمان الذي كثرت فيه الفتن الخطيرة الحذر الشديد مما يحاك لهم من مؤامرات خبيثة تهدف إلى نقلهم من الحياة إلى الموت ، ومن النور إلى الظلمات ، وقد اجتمعت لهذا الكيد الماكر جهات عدة ليست بخافية عليهم .
اللهم إنا نعوذ بك من أن ننحرف عن الفطرة التي فطرتنا عليها ، ونعوذ بك من أن نحرم من نورك ، ونعوذ بك من ظلمات الكفر والشرك والفسوق والعصيان، ونسألك اللهم أن تلهمنا لزوم الفطرة السوية التي فطرتنا عليها حتى نلقاك ونحن على ذلك . اللهم إنا نعوذ بك من أن نفتن في ديننا ، ونسألك أن تحفظ أولادنا وذرياتنا من ذلك .
والحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات ، وصلى الله وسلّم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
1 Comment
السلام عليكم و رحمة الله، شكرا على هذا المقال، لكن المرجو تصحيح الكلمة في الآية (( ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا )) … يضله و ليس يظله