ظاهرة إلقاء النسوان عندنا الصدرية والتبّان في الميزان
ظاهرة إلقاء النسوان عندتا الصدرية والتبّان في الميزان
محمد شركي
إن ما حدث في ضواحي مدينة آسفي بمناسبة ما يسمى موسم » البحيرات » يدعو إلى الأسف لعدة أسباب: أولها رجحان كفة الديدن على الدين أو العادة على العبادة بسبب سيادة الفكر الخرافي الذي لم ينتج من فراغ بل مهد له ما يشاع في مجتمعنا من إعلام مكثف غير مسبوق يكرس فكرة إحياء المواسم الخاصة بالتجمعات عند الأضرحة لممارسة عادات تتفاوت في درجة نسبة الشرك والدجل والشعوذة فيها . وليس موسم » البحيرات » سوى نموذجا من نماذج تلك التجمعات التي يرخص لها ، ويشهرها الإعلام .
وما حدث في هذا الموسم ليس وليد اللحظة بل هو من الموروث المتوارث ، وعادة إلقاء الراغبات من النسوان في الزواج الصدرية والتبان في أمكنة وأزمنة معينة تضفي عليها الخرافة القداسة ، ولا يقتصر على ضواحي مدينة آسفي ، وبكفي أن نثبت ذلك بالإشارة إلى نفس العادة والتي توجد عندنا أيضا في ضواحي قرية تافوغالت ، وتحديدا في المدخل العلوي لمغارة الجمل ذات المدخلين بمنطقة زكزل حيث توجد صخرة لها شكل جمل تمر بفتحة فيها كل راغبة في الزواج والخلاص من العنوسة والبوار، فإذا علق بتلك الفتحة شيء من ملابسها الداخلية خلعته قربانا للجمل المنتصب، والذي تتكاثر حوله تلك الملابس بما في ذلك النطق التي تنتطق بها الزائرات أحيانا .
ولا شك أن ظاهرة التماس النسوان المهددات بالعنوسة والبوار الزواج عن طريق تقديم قربان الصدرية والتبّان ظاهرة شائعة عندنا في أكثر من جهة ، وتحتاج إلى أن توضع في الميزان عوض أن تظل موضوع تندر وسخرية واستهجان .
وأول ما تثيره هذه الظاهرة هو موضوع هاجس الخوف من العنوسة والبوار والبحث عن أسبابه ، وأول تلك الأسباب استفحال ظاهرة عزوف الرجال عن الزواج والتي تعزى إلى غلاء المهور، وكثرة مطالب المطلوبات للزواج ومبالغة أهلهن في ذلك خلاف ما تدعو إليه سنة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم من حث على إرخاص المهور كما جاء في قوله عليه الصلاة والسلام : « أعظم النساء بركة أيسرهن مئونة » وقوله أيضا : » إن من يمن المرأة تيسير خطبتها وتيسير صداقها وتيسير رحمها « ، وقد قيل إن يسر المئونة يقصد به صداق المرأة ونفقتها أيضا .
والسؤال المطروح لماذا ينصرف الناس عما أوصى به رسول الله صلى الله عليه وسلم ،ورغب فيه تيسير إلى التعسير وذلك بالمبالغة في غلاء مهور النساء ؟ والجواب الذي يردده الجميع هو الخوف عليهن من آفة الطلاق ، وهو أمر واقع لدى شريحة من الرجال الذواقين الذين يشجعهم إرخاص المهور على الطلاق . ولا يمكن أن ننكر عدم وجود أولياء أمور نساء يرضون بما رغب فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أنهم يخشون على بناتهم من آفة الطلاق والضياع، لهذا يلجئون إلى إغلاء مهورهن احترازا من وقوعهن في ذلك .
وأمام ظاهرة غلاء المهور يعزف كثير من الرجال عن الزواج لكلفته ، وهذا ما يجعل البوار والعنوسة تنتشر في أوساط النساء ، وهو ما يؤدي إلى استسلامهن للخرافة والشعوذة حتى وهن متعلمات، ومثقفات ، وموظفات كما حدث في موسم » البحيرات » ولا ندري هل هذه التسمية فيها شيء مما حرمه الله تعالى في محكم التنزيل في قوله جل شأنه : (( ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب وأكثرهم لا يعقلون )) علما أن البحيرة وجمعها بحيرات هي الناقة التي تقطع أذنها بعد أن تلد عددا من البطون ثم لا تستغل بعد ذلك عند أهل ضاحية مدينة آسفي ، ولا تمنع من رعي ولا من رواء أم أن هذه التسمية لها دلالة أخرى ، ولست أدري أيضا هل ما سمي جملا في مغارة زكزل هو في الحقيقة بحيرة ؟
ومما ساهم في بوار وعنوسة النساء عندنا تعطيل ما شرع الله تعالى من تعديد بل محاربته من طرف جهات مغرضة تريد معالجة هذا البوار بإشاعة الفاحشة عن طريق الترويج لما صار يسمى علاقات جنسية رضائية ، وعلاقات جنسية مثلية .
وما حدث في ضواحي مدينة آسفي، هو رد على مروجي هذه العلاقات المبتذلة لكرامة المرأة خلافا لما يدّعونه من الدفاع عن حريتها في جسدها ، ذلك أن اللواتي خرجن لإلقاء الصدرية والتبّان كن يردن الزواج الذي شرعه الله عز وجل ، و يردن طمأـنينة بيوت الزوجية ، ولم يكن قصدهن ما يرومه منهن دعاة فواحش الرضائية والمثلية إذ لو أردن ذلك لما احتجن إلى موسم » البحيرات » للتعبير عن رغبتهن في رفاق العمر مما أحل الله تعالى لهن، لا الرغبة فيما حرم عنهن من أخدان .
ولقد كان على الدعاة إلى الفواحش المبتذلة لكرامة النساء أن يواجهوا ظاهرة العنوسة والبوار عوض استغلالها لتبرير وشرعنة وإشاعة تلك الفواحش المستقبحة .
وأمام انتشار خرافة إحياء المواسم من قبيل موسم » البحيرات « ، وما شاكلها من مواسم الشعوذة ،وتشجيعها ،وتزامن ذلك مع الدعوة إلى الفواحش من رضائية ومثلية تبقى المرأة عندنا عرضة للضياع بين بوار وعنوسة تؤرقانها وبين فواحش تتهددها مع استقواء تيار القوادة المروج للفساد .
وفي الأخير لا بد من كلمة توجه إلى علماء الأمة وخطبائها لمعالجة آفة البوار والعنوسة بجرأة وشجاعة لا يخشون في ذلك لومة لائم ،ولا لؤم لئام ممن يحاربون الفضيلة جهارا نهارا دون وازع من أخلاق يزعهم أو رادع من شرع أو قانون يردعهم .
ولا تفوتنا أيضا فرصة التوجه إلى الفضليات من الراغبات فيما أحل الله لهن من زواج لصيانة كرامتهن من كل ابتذال ، وذلك بمحاربة الشعوذة والخرافات ولتماس الحلول فيما شرع الله تعالى لهن مما يصون كرامتهن ، ومحاربة ما يدعو إليه دعاة نشر الفواحش تحت شعار حرية أجسادهن ، وهو في الحقيقة شعار دعوة إلى العبودية والاستعباد وامتهان الأجساد في أوحال الرذيلة والبغاء .
ونسال الله تعالى أن تكون نهاية موسم » البحيرات » بعد هذا العام ،وكذا نهاية كل مواسم الشعوذة والخرافات .
Aucun commentaire