عودة الى البحر
محمد شحلال
عندما كانت شركة مفاحم المغرب في أوجها،أتيح لأبناء جرادة أن يصطافوا بمدينة السعيدية مستفيدين من ،،حصصهم،، السنوية على مدى عقود طويلة في مخيم الشركة هناك.
كان الشخص المكلف برعاية مخيم جرادة ،من أبناء عمومتي بداية السبعينات من القرن الماضي
.
كنت أحل ضيفا معززا على هذا الرجل الطيب، لأستمتع بأجواء ،،الجوهرة الزرقاء،،واتابع جلسات أطر الشركة،،المتميزة،، الذين ،،يتحللون،،من رسميات العمل،ليحيوا سهرات يذكيها تناول الخمور، وما يستدعيه من خروج عن النص !
لم يكن بالمدينة الصغيرة يومئذ،مجالات كثيرة للترفيه،لذلك كان الاقبال على الحانات وغوانيها الموسمية على أشده، بالرغم من الحوادث المؤلمة التي كان يفجرها لعب الراح بالعقول.
وبعيدا عن أجواء المجون التي تعتبر اقصى اماني العديدين من زوار السعيدية في الماضي، فانه لا بد من التذكير بأن شاطىء المدينة الرومانسي،طالما تحول الى ملتقى العشاق الذين يطلقون ،،العفة والاستقامة،،القسريين في معاقلهم،ليفتحوا قلوبهم للبوح الدفين، وما يليه…
كانت هوايتي الى جانب السباحة التي تعلمت اصولها بنهر،،زا،،منذ الطفولة،هي تامل البحر وهديره، بعد الانزواء لاستعراض ما يجول في أعماقي من تساؤلات حول هذا السر الرباني وما يثيره في النفس من أسئلة سوريالية.
لقد تعززت أسئلتي حول ايحاءات البحر واسراره مع اولى دروس الفلسفة ،التي تابعناها على أيد اساتذة كان كل همهم أن يلغوا الروحانيات وما وراء الطبيعة من عقولنا الناشئة،ليجعلوا منا مشروع جيل تائه ،قبل حدوث الصدمة الكبرى بعد سقوط جدار برلين ،وتفكك الاتحاد السوفياتي،بينما ظل البحر ملتزما بسنفونية أمواجه،لافظا لكل جسم غريب عن عوالمه، ليعود الى قمامتنا التي نعلق بها في كل مكان
.
عدت أمس بعد سنوات طويلة لزيارة،،السعيدية،،التي تجردت من جل غطائها النباتي ،لصالح الاسمنت الذي تغول حتى غدا يهدد الغنى الايكولوجي بخطى حثيثة.
تعرف المدينة اقبالا كبيرا، وازدحاما على مدار اليوم،ويسود فيها هرج ومرج لا يخفف منهما الا الاهتمام الملحوظ بالنظافة،حيث تجوب الشاطىء فرق من العمال يحولون دون احياء جرم دفن النفايات المؤذية في الرمال الذهبية.
ينعم المواطنون باستغلال شواطىء السعيدية الفسيحة،في ظل توفر كل ضروريات الحياة،وعلى يمين المدينة يتهافت ابناء الجيران على ، ،مرسى بن مهيدي،، الذي لا يستوعبهم،وعلى بعد امتار منهم،مدينة نهضت بسرعة البرق من دون نفط ولا غاز،لكن عمرانها وجماليتها ،يذكيان في نفوس الحساد كما هائلا لا يخفى من المرارة وخيبة الحسابات الخاسرة….
عند العودة الى مقر الاقامة المكلف،أبيت الا أن اقف بمحاذاة ،،مخيم جرادة،،حيث كان البيت الخشبي الفني للسيدMartin،يشكل اهم معالم ممتلكات شركة مفاحم المغرب،وهاهو المكان يلوذ بالصمت الرهيب ويعيد الى الذاكرة وجوها وأحداثا غيبها الموت والنسيان،وكأن جرادة مكرهة على ان تبدأ كل شيء من الصفر، وعلى انقاض ماض لا يعرفه الا من سكن المدينة مبكرا !
Aucun commentaire