ورقة الدخول
محمد شحلال
عندما ينتقل المتعلم من الطور الابتدائي الى ما يليه من مراحل التحصيل الدراسي، فانه ما يلبث أن يكتشف بعض،،الطقوس،،التي لم يعهدها،وفي مقدمتها عدم ولوج الفصل بعد التأخر أو الغياب، الا بعد استلام ورقة الدخول المبررة-طبعا- وهذه الوثيقة المعمول بها لضمان الانضباط،لا تتم دائما بالسهولة التي يتصورها معظم المتعلمين،حيث يجبرون على احضار أولياء أمورهم في حالات معينة،من قبيل الاكثار من التأخر والغياب او مخالفة قوانين وأعراف المؤسسة.
تتميز جل المؤسسات بوجود اداريين جديين يحرصون على ضمان السير العادي للدروس،الى درجة ان كل مؤسسة يطبعها موظف اداري أو أكثر، يظل شخصه حاضرا في أذهان الأجيال بسبب صرامته.
واذا كان القانون والوازع الأخلاقي يفرضان أن يعامل المخالفون على قدم المساواة،فان بعض الاداريين كثيرا ما يستسلمون للعاطفة فيجاملون هذا ،ويقسون على ذاك، دون تقدير لعواقب التمييز في المعاملة التي قد لا تنسى أبدا.
وفي هذا السياق،لا أخفي أني عشت صدمة نفسية مع ،،ورقة الدخول،،في الطور الاعدادي بمدينة جرادة،حيث مازلت لم أتخلص من أثرها ولا من شعور الكراهية نحو بطلها رغم مرور كل هذه العقود.
كان مدير المؤسسة فرنسيا صارما،وكنا نتجنب الوقوع بين يديه حتى لا يلحقنا عقابه الجسدي والمادي .
كنت أحسب الف حساب لمقابلة هذا المدير،لذلك اليت على نفسي ألا أتأخر أو أتغيب الا اذا كان العذر مقبولا.
أصبت بوعكة داخل الفصل ذات حصة،فرخص لي الأستاذ في العودة الى البيت ريثما اتعافى، على أن أخبره في حالة مطالبتي بتبرير ورقة الدخول لاحقا.
عدت صباح اليوم الموالي،فلما أخبرت المعيد المكلف بالغياب بأنني كنت مريضا بالأمس،وأن الاستاذ فلانا قد رخص لي في الخروج،لم يهتم الموظف بكلامي،بل نهرني بغلظة ثم توعدني بأن يحيلني على مدير المؤسسة ليؤدبني !
تسمرت أمام شباك مكتب الغياب لعله يرق لحالي،لكنه تجاهلني.
في الوقت الذي كنت أعيش هواجسي وأنا أتصور نفسي في حضرة،،المسيو،،فورصان،،Mr Forçan،
قدمت تلميذة تكبرني سنا وصاحبة،،لوك،،وغنج نادرين يومئذ،فتوجهت للموظف مباشرة متسلحة بابتسامة ماكرة ليسلمها ورقة الدخول رغم أنها تغيبت عن الدراسة يوما كاملا.
ضحك الرجل بدوره ،ولم يطلب منها مبررا معقولا،بل سألها عن أحوالها بما يليق بمقام تلميذة حسناء،ثم سلمها الوثيقة وهو في منتهى الانبساط،بينما عاد ليجدد وعيده في حقي،وأن الأمر لن يتجاوز دقائق، ريثما يفتح مكتب المدير.
أيقنت بأن العقاب حاصل لا محالة،فهممت بالعودة الى البيت في انتظار أن يعود أخي من جوف المنجم ويوافق على مرافقتي لأني لم اضطر يوما لطلب حضوره.
خطوت خطوتين،فاستوقفني صوت موظف اخر وهو يأمرني بالعودة.
كان قد تابع المشهد منذ البداية،فقرر أن ينتصر للعدالة،لذلك سلمني الوثيقة من غير بحث ،وأزاح عني كابوس السيد Forçan وعدت الى الفصل مزهوا بهذا الانتصار الذي جعلني أكره صاحب الكيل بمكيالين،وظل هذا السلوك النشاز حاضرا في حياتي المهنية ،حرصا على اشاعة مبدإ تكافىء الفرص ما استطعت الى ذلك سبيلا.
ليت الموظفين في كل مجالات الحياة يتشبعون بمبدا المعاملة المستمدة من القانون وأخلاقيات المعاملة،ليجنبوا الناس مشاعر الاحساس بالغبن والحقد ،ولنا في بلاد الغرب خير مرجع في هذا المجال بالذات…..
Aucun commentaire