الدخول المدرسي: مشاهد تتكرر(الجزء الثاني)
الدخول المدرسي: مشاهد تتكرر(الجزء الثاني)
بقلم: نهاري امبارك
مقدمة:
يطل، بعد عطلة صيفية مرت بما لها وما عليها، موسم دراسي جديد، حيث تقنن الدخول المدرسي تشريعات مدرسية، وتحدد، بشكل جلي، مواعيد مختلف العمليات والأنشطة والإجراءات التربوية والإدارية المنصوص عليها، من أجل التنظيم حتى يمر الدخول مدرسي في ظروف عادية، لضمان انطلاق الدراسة في موعدها المحدد لتحقيق مردودية مدرسية جيدة، وجودة تعليمية وفق الأهداف التي تسطرها مختلف التشريعات المدرسية. فالنصوص التشريعية المنظمة، تحدد الدخول المدرسي ابتداء من فاتح شتنبر، وإلى غاية اليوم العاشر منه، حيث تخصص هذه الفترة لالتحاق جميع الأطر الإدارية والتربوية والتقنية بمقرات عملهم، سواء على الصعيد المحلي أو النيابي أو الأكاديمي أو المركزي. كما تبرمج مختلف العمليات آخذة بعين الاعتبار حجم المقررات والحصص الدراسية الأسبوعية والشهرية والسنوية. وقد تناول الجزء الأول من هذا الموضوع مختلف العمليات والإجراءات التي تتم مع انطلاق كل موسم دراسي بالمؤسسات التعليمية وسماتها وخصائصها ومواصفاتها المميزة وكيفية إنجازها والوسائل المادية والبشرية الكفيلة بإنجازها وظروف العمل.
والموضوع الحالي ذو العلاقة الوطيدة بما أسلف، يتناول العمليات والإجراءات الاستثنائية والإضافية التي لاتزال تشغل القائمين على الشأن التعليمي محليا وإقلميا لمواجهة كل الطوارئ والمستجدات التي علت محيى الدخول المدرسي والاختلالات التي تشوبها وآثارها وانعكاساتها على الانطلاق الفعلي للدروس وإنجاز المقررات وتحقيق المردودية المدرسية والجودة التعليمية المتوخاة. وفي ما يلي، نحاول مناولة ظروف الدخول المدرسي وفق الإشكالية المحددة أعلاه، بالمناقشة والتحليل، قدر الإمكان، انطلاقا من واقعنا التربوي المعيش، واستنادا إلى تقارير ميدانية وملاحظات ترتبط، عموما، بمختلف المؤسسات التعليمية، من أجل مناقشة واقعنا التربوي والمدرسي والمساهمة في تحسين أوضاعه.
I.
حركية التلاميذ من المفروض أن تنتهي عملية التسجيل قبل عيد المدرسة لتنطلق الدروس مباشرة بعد العيد، ولكن هذه العملية تستمر تحت وطأة ضغوط وإكراهات كثيرة ترتبط بواقع التلاميذ وأسرهم، وذلك من حيث تغيير السكن والانتقال إلى سكن جديد يرتبط بمجال عمل الآباء، وظروف عملهم، ومدى توفر وسائل النقل وغير ذلك، فيضطر الآباء والتلاميذ إلى البحث عن التسجيل بمؤسسات تعليمية قريبة من محل سكناهم، الشيء الذي يطرح مشاكل عويصة تنعكس على الجدولة الزمنية للتسجيل، كما تنعكس على انطلاق الدروس. من حيث الواقع الاجتماعي المعيش، فالفترة المخصصة للتسجيل مع انطلاق السنة الدراسية قد تستغرق مدة أطول حسب عدد تلاميذ المؤسسة التعليمية، وجدية وصرامة الطاقم الإداري المشرف، ومدى التزامه بالجدولة الزمنية المخصصة لهذه العملية، والإكراهات السوسيومهنية للأسر المغربية. لهذه الأسباب وغيرها، فالدخول المدرسي يتأخر حتما لأيام أو أسابيع. ولاستدراك هذه الفترة، فالأسرة التعليمية مطالبة بتدبير التوزيع الزمني الدوري والسنوي لتمكين التلاميذ من استيعاب جميع الدروس بشكل متكافئ حتى لا تحدث مفاجآت خلال الامتحانات، خصوصا، الإشهادية منها.
II. تغييرات طارئة تجد أغلب المؤسسات التعليمية صعوبات متفاوتة الحجم، تتجلى في بنيتها التربوية وطاقمها الإداري والإمكانات المادية المتوفرة بها، لتدبير الشؤون التربوية والإدارية. فبعد إنجاز استعمالات الزمن الخاصة بالتلاميذ وجداول حصص المدرسين، فوجئت بعض المؤسسات التعليمية بتغييرات إما في البنية التربوية أو في عدد الحصص المخصصة لمختلف المواد، فطرأت تغييرات على استعمالات الزمن للتلاميذ وجداول حصص المدرسين. هذه العملية تتطلب وقتا وجهدا إضافيين، وتسهم بجلاء في تأخير الدخول المدرسي وتأجيله أياما معدودة، وتؤثر في إنجاز الدروس والتحصيل الدراسي. انطلاقا من هذا الواقع المعيش، على الطاقم التربوي انتهاج أنجع الأساليب لتمكين التلاميذ من استدراك ما فات لتجنب كل مفاجأة صادمة.
III
. الكتب واللوازم المدرسية: فنظرا لكثرة الكتب واللوازم المدرسية المطلوبة بكل مستوى دراسي، ونظرا لتزامن الدخول المدرسي هذه السنة مع شهر رمضان المبارك، ونظرا كذلك لإطلاق المبادرة السامية لجلالة الملك المتجسدة في توزيع المحافظ والكتب واللوازم المدرسية، فإن أغلب الأسر تأنت قبل اقتنائها المتطلبات المدرسية، ترقبا للاستفادة من الهبة الملكية أو من مبادرة المجتمع المدني عن طريق الجمعيات وتبرعات المحسنين. ومعلوم الدور الجسيم للكتب المدرسية والدفاتر والورق وأدوات الكتابة والرسم وغير ذلك من الأنشطة التربوية، فإن المدرسين لا يستطيعون الشروع في التلقين والقراءة والكتابة والحساب والدروس النظرية والتجارب المخبرية، وذلك إلى غاية توفر جميع التلاميذ، أو أغلبهم، على الكتب واللوازم المدرسية، الشيء الذي لن يتم إلا بعد فترة ليست بقليلة، وعليه، فهذا التأخر سوف يؤثر سلبا على السير العادي لإنجاز الدروس لاحقا، حيث يلجأ المدرسون إما إلى السرعة في التلقين والمرور مر الكرام على بعض الدروس، أو الدروس المنسوخة وتحميل التلميذ مسؤولية المعرفة والفهم والتطبيق والاستيعاب والتحليل والاستعداد لمواجهة الامتحانات الإشهادية.
IV. لجن تخويل المنح: من المعلوم أن كل تلميذ منقول ممنوح، حيث يفد على المؤسسات المستقبلة، بالوسط الحضري، أعداد هائلة من التلاميذ من الوسط القروي، إما بمستوى الأولى ثانوي إعدادي أو بالجذوع المشتركة بالتعليم الثانوي التأهيلي. إن التلاميذ الوافدين من القرى والبوادي، خصوصا النائية منها، وخصوصا أبناء الأسر المعوزة، لا يمكنهم بأي حال من الأحوال متابعة دراستهم إلا عن طريق استفادتهم من منحة التعليم الثانوي وتأمينهم الغذاء والإيواء إما بالقسم الداخلي بالمؤسسة التعليمية أو بدار الطالب(ة). إن عملية تخويل المنح تتطلب وقتا وجهدا، فمن دراسة ملفات طلب المنحة، إلى ترتيبها حسب الوضعية الاجتماعية لأسر التلاميذ، إلى البت فيها من طرف لجنة خاصة مشتركة بين الأطر الإدارية والتربوية والتقنية والسلطات المحلية وممثلي الجماعات المعنية، إلى مراسلة آباء وأولياء التلاميذ المقبولة طلباتهم، حيث تستغرق هذه الرسالة مدة طويلة ليتوصل بها أب أو ولي التلميذ، ثم تبدأ معاناة من نوع آخر، السفر إلى المدينة، زيارة المؤسسة التعليمية، أداء واجبات التسجيل المطلوبة، اقتناء الألبسة والأغطية ولوازم الداخلية. وللإشارة فإن التلاميذ الذين يقطنون في قرى نائية، لا يسجلون أنفسهم بالمؤسسات المستقبلة، إلا بعد توصلهم برسالة الإخبار بحصولهم على منحة التعليم الثانوي. فهل عقدت لجن تخويل المنح اجتماعاتها بجميع الأقاليم ليتم إخبار التلاميذ ويلتحقوا ويسجلوا أنفسهم ويقتنوا الكتب واللوازم وتطأ أقدامهم قاعة الدرس والتحصيل؟. إن فترة زمنية ليست بالهينة، لا محالة تهدر، فكيف يمكن تعويضها لاحقا؟
V. الاستعطاف وإعادة التوجيه: بمجرد انطلاق الموسم الدراسي، والتحاق أطر الإدارة التربوية بالمؤسسة التعليمية، يتقاطر التلاميذ وأولياء أمرهم على الثانويات التأهيلية، لتقديم طلبات وإعادة التوجيه، كما يقدم آباء وأولياء التلاميذ المنقطعين أو المفصولين عن الدراسة طلبات الاستعطاف إلى إدارة مؤسساتهم التعليمية، لتستمر هاتان العمليتان أياما كثيرة: جمع الطلبات، تصنيفها، معالجتها، تشكيل لجن للبت في هذه الطلبات، نشر النتائج على سبورة الإلصاق ليطلع عليها المعنيون، الذين يتوجب عليهم الالتحاق بأقسامهم الجديدة، والشروع في مسلسل استعمال الزمن ولوائح الكتب واللوازم المدرسية واقتناؤها وربما تغيير القسم ثم تغيير المؤسسة. فهل تم إنجاز هاتين العملين لإخبار التلاميذ المقبولين للالتحاق بأقسامهم؟ خاتمة: إن إنجاز العمليات المشار إليها أعلاه والتي تمت مناقشتها، قدر الإمكان، مع عرض ظروف إنجازها والوسائل المادية والمعنوية التي تتطلبها، لابد وأن تؤثر على الدخول المدرسي، كونها تستهلك مدة زمنيا لا يمكن تعويضها خلال السنة الدراسية، حيث يمكن أن تؤثر كذلك على إنجاز الدروس وحصص المراجعة والتثبيت الموزعة وفق أسابيع محددة. وحتى تنطلق الدروس في موعدها الذي تحدده النصوص التشريعية، فإنه من الضروري إنجاز جميع هذه العمليات خلال شهر يوليوز من كل سنة دراسية.
نهاري امبارك: مفتش في التوجيه التربوي، مكناس.
4 Comments
تحية إلى الأخ نهاري
لقد أصبت القول في كل ما تطرقت إليه فهذه الأمور كلها تقف حاجزا كبيرا دون السير العادي للدراسة
ومنه ندعو من يهمهم الأمر إلى قراءة وتحليل ما جاء في مقالة الأستاذ النهاري و محاولة إيجاد حلول لهذه المعوقات
والسلام
إن ما يقف حجر عثرة أمام دخول مدرسي عادي هو التهاون وسوء التسيير الإداري والتربوي في العديد من الممؤسسات التعليمية فإلى حدود الساعة ،لا زال أبناؤنا في الإعدادي والثانوي لو يستأنفوا دراستهم .اللهم إن هذا لمنكر.
من الاجتهادات التي جاءت مع الدخول المدرسي نجد اجتهادا خاصا من ثانوية الزرقطوني التاهلية حيث فرضت على التلاميذ والتلميذات احضار شهادة السكنى وما ادراك ما شهادة السكنى خاصة للوافدين من التعليم الخصوصي ومن خارج الاقليم وقد استثنت الادارة التلاميذ والتلميذات الذين يسكنون قرب المؤسسة وبذلك جعلته حلالا على البعض حرام على الاخر
من المفروض أن تحد التعليمات الوزارية من هذه الفوضى. فأين لجن المراقبة للحد من هذا العبث.؟ ما دور المفتشين ؟ ما دور جمعيات الأباء و الأمهات؟ لم أر في حياتي دخول متعثر كهذه السنة.و بمما أنك الأخ النهاري من مكناس فكيف الدخول المدرسي هذه السنة.