متى سيحزم العالم الإسلامي أمره لقطع الطريق على تدخل الدول الكبرى السافر في شؤونه واستباحة أراضيه لإدارة الصراعات فوقها بدافع التنافس فيما بينها ؟
متى سيحزم العالم الإسلامي أمره لقطع الطريق على تدخل الدول الكبرى السافر في شؤونه واستباحة أراضيه لإدارة الصراعات فوقها بدافع التنافس فيما بينها ؟
محمد شركي
أحداث أفغانستان الأخيرة لم تكن سوى عملية استعادة الشعب الأفغاني سيادته على أرضه بعد احتلال غربي دام لعقدين من السنين حاول خلالها المحتل أن يفرض عليه نظاما خاضعا له بالقوة ليكون طوع يده ، ولينوب عنه في مواصلة ما بدأه من تغريب وعلمنة في أفغانستان خدمة لمصالحه الدائمة في أقطار العالم الإسلامي بشطريه العربي وغير العربي إلا أن هذه الأحداث كشفت عن مدى إصرار هذا الغرب ومنافسيه الصينيين والروس على استباحة بيض العالم الإسلامي ومواصلة فرض الهيمنة عليه ،والتدخل السافر في شؤونه ،واستباحة أراضيه لإدارة صراعاتهم فوقها ولتصفية حساباتهم فيما في إطار تنافسهم على قيادة العالم سياسيا بدافع المصالح الاقتصادية التي تحقق لبلدانهم وشعوبهم الرفاهية على حساب بؤس وفقر الشعوب الإسلامية .
والمتتبع لردة فعل الدول الكبرى بعد سيطرة حركة طالبان على أفغانستان من خلال تصريحاتها الرسمية التي تنقلها وسائل الإعلام العالمية يدرك حدة الصراع فيما بينها وكأن الأمر يتعلق باقتسام غنيمة ، ذلك أن قادة الدول الغربية لم يخفوا بل صرحوا بأنهم لن يتركوا أفغانستان للصين وروسيا ،كما أن قادة هذه الأخيرة بدورهم سارعوا إلى خطبة ود حركة طالبان معتبرين أن التعامل معها واقع لا يمكن تجاهله ، وطالبوا خصومهم الغربيين بالتسليم بالأمر الواقع الذي فرضته هذه الحركة على الأرض وقد هزمت جيشا أنفق عليه الغرب أموالا طائلة لتسليحه وتدريبه إلا أنه هزم في أيام معدودات أمام مقاتلي الحركة الأقل عددا من أعداده ، وبعدة وعتاد لا مجال للمقارنة مع عدته وعتاده ، وهو ما أفزع الغرب وأصابه بالدهشة والذهول على حد تعبيره إن لم يكن الواقع شيء آخر.
ولا زالت وسائل الإعلام العالمية توافنا على رأس كل ساعة بوقائع المؤتمرات الصحفية لقادة الدول الكبرى هنا وهناك يرسلون من خلالها إشارات تتراوح بين إظهار الاستعداد للتعامل مع الواقع الجديد في أفغانستان من جهة ، ومن جهة أخرى توجيه رسائل إلى حركة طالبان فيها من التحذير ما يرقى إلى مستوى الوعيد والتهديد إن هي لم تستجب لمطالبها أو بالأحرى لشروطها بدءا بإشراك جميع مكونات الشعب الأفغاني في حكم البلاد بما في ذلك عناصر ممن كانوا يحكمون البلاد خلال فترة الاحتلال الغربي حكما يشترط فيه أن يكون على النمط الغربي ، ومرورا بمطالبتها باحترام الحقوق والحريات وعلى رأسها حقوق وحرية المرأة ، وانتهاء بالالتزام بعدم السماح لاتخاذ أفغانستان منطلق الأعمال العدائية ضد بلدانهم من طرف الجماعات المسلحة المحسوبة على الإرهاب ،وهذا الشرط يتقاسمه قادة الدول الغربية مع قادة روسيا والصين . وكل هذه الشروط أو لنقل هذه الإملاءات هي ما يجعل حركة طالبان في نظرهم تكسب مكانة بين أقطار المجتمع الدولي وإلا فلا مكان لها فيه .
ولحد الساعة لا زالت حركة طالبان ترسل هي الأخرى برسائل إلى قادة الدول الكبرى عبر تصريحات قادتها من خلال مؤتمراتهم الصحفية تحرص خلالها على طمأنتها بخصوص موضوع اقتسام السلطة مع كل مكونات المجتمع الأفغاني، و بخصوص موضوع احترام الحريات والحقوق بما فيها ما يتعلق بالمرأة الأفغانية ، وبخصوص العفو العام الشامل حتى للمتعاونين مع المحتل الغربي ، وبخصوص منع استخدام الأراضي الأفغانية منطلقا للعدوان على دول الجوار أو غيرها إلا أن هذا الخطاب المطمئن من طرف قادة حركة طالبان لم يحظ بالثقة لحد الآن إذ لا زال قادة الدول المتوجسة منهم يشككون في نواياهم ، وينتظرون منهم الأفعال عوض الأقوال على حد قولهم .
ومقابل انشغال الدول الكبرى بأحداث أفغانستان ،لا يوجد أي رد فعل لدول العالم الإسلام بشطريه العربي وغير العربي وكأن الأمر لا يتعلق ببلد إسلامي يمر بظرف دقيق ، وهو في مفترق طرق بين استقرار سياسي يضمن أمنه وسلامه وبين احتمال نشوب صراع على السلطة بين مكوناته قد ينتهي لا قدر الله بحرب أهلية كما هو الحال بالنسبة لعدة أقطار أخرى في العالم الإسلامي تتفرج عليها الدول الكبرى بل تصب الزيت على نيران صراعاتها تسليحا وتحريشا …
ولقد كان من المفروض أن يكون لدول العالم الإسلامي حضور وازن في هذا الظرف بالذات من شأنه أن يكبح جماح الدول الكبرى المتنافسة على قيادة العالم لتدرك أنه قد آن الأوان لوقف تدخلها السافر في شؤونه واستباحة أراضيه لتدير فوقها صراعاتها لتصفية الحسابات فيما بينها والتعامل معها كمناطق نفوذ ومصادر تمويل ، وحقول تجارب … إلى غير ذلك مما هو جلي مصرح به أو خفي طي الكتمان .
و أخيرا يبقى السؤال الذي يفرض نفسه إلى متى سيظل هذا العالم الإسلامي البائس مستباحة أقطاره وشعوبه من طرف الدول الكبرى التي تتدخل بشكل سافر في شؤونه ما صغر منها وما عظم ، وتملي عليه أوامرها ونواهيها كأنها وحي يوحى ، وتشيع فيه الفوضى والصراعات المدمرة التي تحول شعوبه إلى جيوش من اللاجئين الذين يغادرون أوطانهم مضطرين وكارهين ليواجهوا حياة الاغتراب والذل والهوان بعيدا عنها وظروفهم المعيشية في منتهى القسوة ؟؟؟
Aucun commentaire