خواطر 109 – « شكرا للمواقف »
محمد اسماعيلي
يقول الداعية الأمريكي من أصل إفريقي والمدافع عن حقوق الإنسان مالكوم إكس: » الكَلِماتُ قَد تَكذِبُ لَكِن التَّصَرُّفات دائِماً تَقولُ الحَقيقَةَ.. شُكراً لِلمَواقِفِ الّتي تُظهِرُ حَقائِقَ البَشَرِ .! »
ويقول الأديب الكبير الروائي والكاتب المصري الحاصل على جائزة نوبل للآداب نجيب محفوظ: » المَواقِفُ تَكشِفُ النّاس فَلا تَحكُم عَلى إِنسانٍ مِن كَلامِهِ، النّاسُ مِثالِيون حينَ يَتَحَدَّثونَ ».
مهما كانت الأقوال جميلة والادعاءات مثالية تبقى بلا قيمة أمام المواقف المجسدة في التصرفات العملية التي تختصر طريق التعرف عن حقيقة ما يقال وما يتم ادعاؤه، فالمواقف تُريك الحقيقة كما هي بلا تنميق وتزييف، وتبين لك الأشياء بشكل واضح؛ فموقف واحد قد يغنيك عن آلاف الكلمات… ولا يمكن أن تصيب كبد الحقيقة سوى بالمواقف.. فالأحبة الحقيقيون لا تلدهم القرابة ولا الصدفة ولا الأيام بل تلدهم المواقف.. والصادقون هم أصحاب المواقف الذين يتبنون القيم الإنسانية في أفعالهم بصدق وإخلاص، فإما أن تكون حقيقيا أو مزيفا وليس هناك خيار آخر، وحسب تعبير شكسبير: « إما أن تكون أو لا تكون ».
فالذي يحبك حقا تعرفه من خلال الطريقة التي يتعامل بها معك ومن خلال المواقف التي يتخذها إلى جانبك وليس بالكلام الذي يقوله لك .. إذ من السهل أن تجد من يقول لك أحبك لكن من الصعب جدا أن تجد من يؤمن بما يقول ويجسد ذلك الحب من خلال تصرفاته ومواقفه… الذي يحبك لا يبتعد عنك ولا يفارقك أبدا.. فحتى عندما لا يكون بالقرب منك.. سيجد دائما طريقة تجعلك تشعر بوجوده دائما بجانبك…
كثيرون هم من يحترفون القول الرنان والكلام المعسول والتشدق بالحب والوفاء.. لكن في وقت الشدة تفضحهم مواقفهم الجبانة وغير المبدئية… إن الحياة لا تخلو من التعرض إلى المواقف التي تجبر المرء على التصرف بحكمة، كما أن الدنيا مليئة بالمواقف التي تساعدك على التعلم من كل ما تواجهه وتخطو بذلك خطوة نحو الأفضل، فالمواقف هي التي تجعلك تعيد النظر في كثير من علاقاتك الإنسانية والاجتماعية والعاطفية، لهذا فالمواقف تستحق لقب المعلم لأنها تلقنك كثيرا من دروس الحياة، وتمكنك من التمييز بين الصادق والكاذب وبين النزيه والمحتال، وبين المحب والمنافق… إذ لا بد من أن تنتصر المبادئ النبيلة والقيم الإنسانية في مواجهتها للمصالح الشخصية والأغراض المادية..
المواقف هي التي تثبت حقيقة الأمور.. وتتكلف بإسقاط الأقنعة.. وتظهر مدى صدق وفعالية القيم الإنسانية التي يتبجح بها أو يتم إدعاؤها علنا هذا أو ذاك…
المواقف هي المحك الذي يرفع أو ينزل المرء.. وهي الكاشفة التي تفضح معدن الإنسان وما في باطنه من مكر وخداع ونفاق رغم أنفه.. فترده إلى حقيقته بدون لف ولا دوران فيصبح مجرد ظاهرة صوتية مواقفه لا تسمن ولا تغني من جوع…
قد تعجب المرء أحيانا كلمات رغم زيفها لأنه يتعامل بصدق وحسن نية فيحدث أن يتلقى أوجع الطعنات ممن أعلن حبه وإخلاصه وأمانته ووفاءه بالأقوال وخان كل ذلك بالأفعال… والمواقف لا تظهر إلا في الشدائد والأزمات؛ فهي التي تبين لك معادن الناس وأخلاقهم وقيمهم، لأنها تجلي كامن صفاتهم، فلكأنما تكشف الحقيقة الخفية وتعري ما كان مضمرا…
وما يصدق هذا في العلاقات الإنسانية والاجتماعية والعاطفية قد يصدق في السياسة عندنا خاصة في موسم الانتخابات حيث تكثر الوعود والزرود وشراء الذمم بأبخس النقود.. وما أن يمر يوم التصويت معلنا نتائج المولود والمفقود.. حتى تذهب أدراج الرياح كل تلك الوعود… وبعدما تكون قد عرفت طريقها إلى مجاري المياه العادمة تبعات تلك الزرود.. ولم يبق غير أثر الورقة الزرقاء من النقود..
إن الثبات في المواقف وعلى المبادئ وبخاصة إذا تعلق الأمر بالقضايا الإنسانية التي تتطلب إخلاصا وصدقا في التعامل؛ وإيمانا بالمبادئ السامية وتبنيا بالقيم النبيلة الشيء الذي يستدعي العزم وبذل الجهد فداءً لها، وقد يجعلك موقف واحد تدفع ضريبة قاسية جراء تمسكك بمبادئ رافضة للانصياع والخنوع…
م.إسماعيلي
2021/08/07
Aucun commentaire