محمد شحلال

أقبلت امرأة يوما على،،معاوية،،وعنده وجوه قريش وأشراف العرب،وكان من بينهم ،،أبو الأسود الدؤلي،،إمام النحو،فقالت المرأة :
السلام عليك يا أمير المؤمنين، ورحمة الله تعالى وبركاته.
إن الله جعلك خليفة في البلاد،ورقيبا على العباد،يستسقى بك المطر،ويستنبت بك الشجر*،وتؤلف بك الأهواء،ويأمن الخائف،ويردع بك الجانف*،فأنت الخليفة المصطفى،والإمام المرتضى،فأسأل الله لك النعمة في غير تغيير،والعافية من غير تكدير!
لقد ألجأني إليك يا أمير المؤمنين أمر ضاق علي فيه المنهج،وتفاقم علي فيه المخرج،لأمر كرهت عاره،لما خشيت إظهاره !
فلينصفني أمير المؤمنين من الخصم،فإني بعدله من العار الوبيل*والأمر الجليل الذي يشتد على الحرائر ذوات البعول الأجائر* !
قال معاوية :
ومن بعلك الذي تصفين من أمره المنكر ؟
قالت :
هو أبو الأسود الدؤلي ،جليسك يا أمير المؤمنين.
فالتفت معاوية إلى أبي الأسود الدؤلي وقال له :
ما تقول هذه المرأة ؟
فقال : هي تقول من الحق بعضه،ولن يستطيع أحد عليها نقضا !
أما ما ذكرت من طلاقها،فهو حق،وأنا مخبر أمير المؤمنين عنه بالصدق !
والله يا أمير المؤمنين،ما طلقتها عن ريبة ظهرت،ولا لأي هفوة حضرت،ولكني كرهت شمائلها،فتقطعت عني حبائلها !
قال معاوية :
وأي شمائلها كرهت يا أبا الأسود الدؤلي ؟
قال :
يا أمير المؤمنين ،إنك مهيجها علي بجواب عنيد ولسان شديد !
فقال معاوية :
لا بد لك من محاورتها،فاردد عليها قولها عند مراجعتها،فقال أبو الأسود الدؤلي :
يا أمير المؤمنين !
إنها كثيرة الصخب دائمة الذرب*،مهينة للأهل،مؤذية للبعل،مسيئة إلى الجار،مظهرة للعار،إن رأت خيرا،كتمته، وإن رأت شرا،أذاعته!
فقالت الزوجة :
والله لولا مكان أمير المؤمنين،وحضور من حضره من المسلمين،لرددت عليك بوادر كلامك بنوافذ أقرع*بها كل سهامك،وإن كان لا يجمل بالمرأة الحرة أن تشتم بعلا،ولا أن تظهر لأحد جهلا،فقال معاوية :
أناشدك أن تجيبي وتردي عليه ،فقالت :
يا أمير المؤمنين ! ما علمته إلا مسؤولا جهولا،ملحا بخيلا،إن قال،فشر قائل،وإن سكت،فذو دغائل* !
ليث حين يأمن،وثعلب حين يخاف،شحيح حين يضاف،إن ذكر الجود،انقمع*،لما يعرف من قصر رشائه*،ولؤم آبائه،ضيفه جائع،وجاره ضائع،لا يحفظ جارا،ولا يحمي ذمارا*ولا يدرك ثارا،أكرم الناس عليه،من أهانه،وأهونهم عليه،من أكرمه !
قال معاوية :
سبحان الله لما تأتي به هذه المرأة من السجع !فقال أبو الأسود الدؤلي :
أصلح الله أمير المؤمنين،إنها مطلقة ! ومن أكثر كلاما من مطلقة؟
قال لها معاوية :
إذا كان المساء،فتعالي أفصل بينك وبينه بالقضاء.فلما كان المساء،جاءت ومعها ابنها قد احتضنته،فلما رآها أبو الأسود،قام إليها لينتزع ابنه منها،فقال له معاوية :
يا أبا الأسود،دعها تنطق بحجتها ولا تعجلها ! فقال :
يا أمير المؤمنين؛أنا أحق بحمل ابني منها! فقال له معاوية :
يا أبا الأسود،دعها تتكلم،فقالت :
أصلح الله الأمير:
هذا ابني،كان بطني له وعاء،وحجري له فناء،وثديي له سقاء،أكلؤه إذا نام،وأحفظه إذا قام،فلم أزل كذلك سبعة أعوام حتى كملت خصاله،واستوكفت*أوصاله،فحين أملت نفعه،ورجوت دفعه*،أراد أن يأخذه مني !
فقال أبو الأسود :
أصلحك الله،هذا ابني،حملته قبل أن تحمله،ووضعته قبل أن تضعه…وأنا أقوم عليه في أدبه،وأنظر في أوده*،أمنحه حلمي،وألهمه علمي،حتى تحكم عقله،واستحكم فتله*!
فقالت المرأة :
أصلح الله الأمير..صدق. حمله خفا،وحملته ثقلا،ووضعه شهوة، ووضعته كرها ! فقال معاوية :
اردد على المرأة ولدها،فهي أحق به منك، ودعني من سجعك يا أبا الأسود !
*يستنبت بك الشجر: أنت مصدر الخير في المحن والشدائد
*الجانف :الآثم،المعتدي
*الوبيل :الشنيع والمهلك
*الأجائر :الظالمين
*الذرب :الطويل اللسان
*أقرع:ترد عليه بما يبطل حججه
*الدغائل :الأحقاد
*انقمع :اختفى خجلا
*الرشاء :الحبل الذي يربط به الدلو لجلب الماء،وقصره كناية عن البخل.
*ذمارا :عهدا
*استوكفت أوصاله :اشتد ساعده
*رجوت دفعه :سعيه وكفاحه
*أوده :صلاح اعوجاجه
*استحكم فتله :أصبح قويا