تقويم وضعية-مشكلة وفق المقاربة بالكفايات
حمزة شرعي
إنه من واجب المدرّس أن يكون على دراية تامة بالإطار المنهجي الذي تتخذه المقاربة بالكفايات لعرض التساؤلات ومعالجتها، وذلك بعد أن أصبح مدخل التدريس بالكفايات خيارا رسميا في البناء التعليمي بالمدرسة المغربية، وذلكم الإطار المنهجي والإجرائي هو الوضعية-المشكلة التي تتطلب من المتعلم تعبئة مجموعة مندمجة من الموارد (الداخلية والخارجية) قصد تخطي المشكل، وتحقيق التوازن والتكيف.
وإنه مما دعاني إلى الكتابة في هذا الموضوع بيانُ طريقٍ صحيح في إنجاز وضعية-مشكلة مكتملة وفعالة، لتكون قابلة للتوظيف والاستثمار في بناء التعلّمات وتحقيق الكفايات، وذلك من خلال تطبيق عملي يعنى بتقويم وضعية-مشكلة مقتبسة من الكتاب المدرسي لمادة التربية الإسلامية للسنة الثانية باكالوريا. وقد جاء هذا العمل التطبيقي وفق الخطوات الآتية:
.1 استخراج وضعية-مشكلة من مقرر التربية الإسلامية للسنة الثانية باكالوريا.
.2 قراءة أولية في تلك الوضعية-المشكلة.
.3 تقويمها في ضوء خصائص الوضعية-المشكلة ومكوناتها المرعية في الاعتبار.
.4 اقتراح وضعية-مشكلة بديلة تراعي الشروط والضوابط والخصائص والمكونات.
.1 استخراج وضعية-مشكلة من مقرر التربية الإسلامية للسنة الثانية باكالوريا.
⦁ تم اختيار وضعية-مشكلة درس: التصور الإسلامي للحرية / مدخل الحكمة. وقد صيغت تلك الوضعية على النحو الآتي:
تشكل قضية الحرية إحدى القضايا الأساسية التي تثير نقاشا كبيرا، إذ بالإضافة إلى أنها قيمة كونية، لا خلاف في كونها من الحقوق الأساسية للإنسان التي تقرها كافة الشرائع السماوية والقوانين والمواثيق الدولية. لكن يقع الإشكال في تحديد مفهوم هذه الحرية، إذ يختلف باختلاف المرجعيات، وبناء على هذا الاختلاف يقع الاختلاف في حدودها وضوابطها. فما حقيقة الحرية في الإسلام؟
في رحاب التربية الإسلامية، المقرر المدرسي للسنة الثانية من سلك البكالوريا، ص: 36.
2. قراءة أولية في تلك الوضعية-المشكلة.
لعل الإشكال الذي تثيره هاته الوضعية هو إشكال بارد مورث للخمول والضجر، ذلك بأنه لا يأخذ المتعلم عنوة إلى عالم الحيرة بالتساؤل والبحث عن أجوبة تشفي غليله المعرفي. فبالرغم من كونها وضعية-مشكلة قائمة بذاتها، على اعتبار أنها تغطي مقاطع الدرس كلها، إلا أنها غير قادرة على التأثير في المتعلم البتة؛ لا من حيث أسلوبها الذي أجده لا يناسب سنّ المتعلمين، ولا من حيث موضوعها العاري عن المثال والبعيد عن ميول المتعلمين وحاجاتهم ومشكلاتهم الحياتية. ثم إن القضية اليتيمة المتعلقة بحقيقة الحرية يمكن تناولها في إطار فلسفي تجريدي بعيد كل البعد عن واقع المتعلمين…
فكان من الأفضل الانطلاق من وضعية دالة تلامس المتعلم ويحس بها نابعة من واقعه المعيش. وفي ما يلي تقويم لهاته الوضعية في ضوء الخصائص والمكونات المرعية في الاعتبار، وسوف أتناول تلك الخصائص والمكونات بتوزيعها على ستة محاور أساسية لا تخلو من تداخل، وهي وإن اختلفت في تحديد أولوية الشروط والخصائص، فإنها اتفقت على ضرورة توافرها في الوضعية-المشكلة.
3. تقويم الوضعية-المشكلة في ضوء الخصائص والمكونات المرعية في الاعتبار.
من المشاكل وكيفية تجاوزها نتعلم، وكذلك المتعلم فإن الوضعية-المشكلة تحفزه على دمج مجموعة من الموارد المعرفية والمهارية والوجدانية لكي يجد حلا للمشكلة التي تعترضه، ويعتبر النجاح في حل تلك الوضعية دليلا على التمكن من الكفاية المرتبطة بتلك الفصيلة من الوضعيات. فهل الوضعية-المشكلة موضوع الدراسة والتقويم تتضمن الخصائص والمكونات المطلوب توافرها في الوضعية-المشكلة الفعالة؟
أولا: أن تتضمن الوضعية-المشكلة صعوبة لا يمكن للمتعلم تقديم حلول جاهزة لها.
بالنظر إلى الوضعية-المشكلة موضوع الدراسة نجد أنها تتضمن صعوبة متعلقة بحقيقة الحرية في الإسلام، ولا شك أن هذا المفهوم يطرق لأول مرة بنية المتعلم المعرفية، كما أن رصيد المتعلم وتمثله للحرية في هاته المرحلة لا يسعفانه على الإجابة عن كنه الحرية وحقيقتها في الإسلام، ومن ثم لا يمكنه تقديم جواب جاهز وحاسم لهاته الصعوبة، وإنهاء الدرس في مهده وبدايته، إذ يحتاج إلى المرور على محاور الدرس ومقاطعه كلها ليتمكن في نهاية المطاف من الإجابة الكاملة على تلك القضية المطروحة في الوضعية.
فمن باب الإنصاف التأكيد على أن هاته الوضعية قد وُفقت إلى حد ما في اعتبار هاته الخصيصة، وفي الأخذ بهذا المميز الأساس، المطلوب توافره في الوضعية-المشكلة.
ثانيا: أن تكون الوضعية-المشكلة ذات مصداقية تعني المتعلم في حياته الخاصة أو العامة.
من خصائص الوضعية-المشكلة أنها تتضمن عقبة أمام إشباع حاجات المتعلم المعرفية والنفسية والسلوكية، والتي يمكن أن يصادفها في حياته الخاصة أو العامة، داخل المدرسة أو خارجها؛ كتلك الوضعيات والعقبات التي نواجهها في حياتنا اليومية، فتفرض علينا صياغة تخمينات وفرْضيات من أجل تخطيها وتجاوزها.
وبالرجوع إلى الوضعية-المشكلة موضوع الدراسة نجدها غير مستقاة من الحياة اليومية للمتعلم، فهي تتعلق بقضية إبستيمولوجية يمكن أن تتناولها النخبة في إطار فلسفي تجريدي بعيد كل البعد عن الواقع. ومن هنا فالمطلوب صياغة وضعية مشكلة تنطلق من وسط المتعلمين الاجتماعي، تلامس واقعهم وتعكس حاجاتهم وتطلعاتهم، ذلك بأن للوسط الاجتماعي والثقافي للمتعلمين دورا هاما في تكوين تصوراتهم. كما أن ارتباط الوضعية-المشكلة بقدرات المتعلمين يجعلهم قادرين على فهمها واستيعابها، ومن ثم تعطيهم القدرة على تحريك طاقاتهم الخلاقة الكامنة فيهم، وفي المقابل فإن تعارضها مع قدراتهم ومرتبة أفكارهم يؤدي إلى عدم استيعابهم، بله اهتمامهم.
وبناء على ذلك يمكن إعطاء أمثلة كثيرة مستلهمة من الواقع المعيش عن قضايا تعكس تمثلات خاطئة عن حقيقة الحرية، وعن نظرة الإسلام إليها، فيشعر المتعلم حينئذ بأن الوضعية تلامسه وتعبر عن حاجة في نفسه، فتجلب انتباهه، ومن ثم ينخرط إيجابيا في بناء الدرس، من خلال الإفصاح عن تمثلاته وطرح فرْضياته، إلى جانب المشاركة في معالجة القضايا المرتبطة بالوضعية-المشكلة.
ثالثا: أن تكون الوضعية-المشكلة محفزة على البحث والتقصي قصد التوصل إلى حل المشكل.
إن الوظيفة الديداكتيكية للوضعية-المشكلة هي وظيفة تحفيزية بالأساس، تجعل المتعلم ينتقل من وضعية السكون والخمول والاتكالية، إلى وضعية الفاعل والمشارك في بناء الدرس وتحصيل المعارف والقدرات والمهارات، ولا يتحقق ذلك إلا بجعل المتعلم ينخرط في الدرس بطريقة مُشوّقة تدفعه إلى استدعاء موارده المختلفة، وتعبئتها قصد إيجاد الحلول للموقف المشكل أو السؤال المحير.
والوضعية-المشكلة التي بين أيدينا تفتقد إلى حد كبير لخاصية التحفيز على المشاركة الإيجابية في بناء التعلمات، إذ قُدمت بطريقة باردة وجافة، حيث لا نجد في تلك الوضعية أمثلة حية من واقع المتعلمين، ولا نجد أحداثا ومواقف متضاربة بين فردين أو أكثر، أو بين نمطين في السلوك متعارضين، وإنما وجدناها تتضمن قضية اجتماعية مختلفا فيها بين منظومتين قيميتين بمرجعيتين متباينتين، وهو ما يجعل هاته الوضعية-المشكلة غير ملائمة لمستوى المتعلمين الفكري والمعرفي، فهي لا تراعي البعد السيكوبيداغوجي، ذلك بأن مرتبتهم العلمية لا تسعفهم كثيرا على فهمها وتذوقها، فضلا عن تحليلها وتركيبها. ولا بد أن نشير هنا إلى أن المدخل الرئيس لتحقيق وظيفية الوضعية-المشكلة أن تكون مرتبطة ارتباطا وثيقا بحاجيات المتعلمين وهمومهم.
رابعا: أن تستهدف الوضعية-المشكلة خلخلة بنية المتعلم المعرفية من أجل بناء التعلمات الجديدة المرتبطة بالكفاية.
إن الوضعية-المشكلة هي وضعية معقدة تشتمل على أهم المعلومات الواضحة، والأخرى المشوشة خاصة تلك التي يقصد منها التلاعب بتعلمات المتعلم، وخلخلة بنيته المعرفية، حتى يقع في حالة من التوتر وعدم الاتزان. ومن خلال مقاطع الدرس يعيش المتعلم تحت إشراف المدرّس مراحل التراجع والتخلي عن التمثلات والأفكار الخائطة، مما يجعله في نهاية الدرس يستعيد توازنه واستقراره من خلال تبنيه لتصور جديد ومتكامل عن المفاهيم والأفكار المرتبطة بالقضية موضوع الدرس. وهذا هو البناء الذي أشار إليه جان بياجيه (Jean Piaget) بقوله: «إنه لا يتم تطور بنياتنا المعرفية إلا بتتابع مرحلتين: (فقدان التوازن-إعادة التوازن)».
وبالنسبة لوضعيتنا فإنها لن تتمكن -قطعا- من خلخلة بنية المتعلم المعرفية، لأن تمثلاته في الأصل عن الحرية في نظام الاجتماع الإسلامي هي شبه منعدمة، فمواجهة المتعلم بمشكل لا يملك تصورا حوله يجعل وجوده وعدمه سواء، إذ لن يحقق الثمرة المرجوة منه، وبالتالي فهاته الوضعية-المشكلة قد تكون مدخلا تمهيديا، أو منطلقا توليفيا لبناء الدرس، وأما اعتبارها وضعية-مشكلة فإن في ذلك تسامحا وتساهلا شديدا، لأن وجودها وعدمها -في تقديرينا- سواء، فلا هي تجلب انتباه المتعلم، ولا هي تعمل على خلخلة معارفه، وقد تكون هاته الوضعية مفيدة أكثر في توليف المتعلم وتعريفه ببعض المفاهيم والأفكار والقضايا المؤطرة لموضوع الدرس.
خامسا: ألا تكون الوضعية-المشكلة تمرينا أو مسألة تطبيقية، وإنما هي مقاربة لإشكالية ما.
إن المتأمل في صياغة تعليمة الوضعية-المشكلة موضوع الدراسة، يلحظ أنها جاءت في حقيقة الأمر على شكل سؤال أو تمرين شبيه بما يقدم في المباريات ويعرض في الامتحانات.
وإن هذا السؤال: «فما حقيقة الحرية في الإسلام؟» قد ورد في امتحان مباراة ولوج سلك التدريس -تخصص التربية الإسلامية لسنة 2020، ولا يخفى أن هذا السؤال قد استهدف الطلبة المجازين فما فوق، ولعل ذلك ما جعلني أحكم على هاته الوضعية-المشلكة بأنها تفوق مستوى المتعلمين الفكري والمعرفي.
سادسا: أن تكون الوضعية-المشكلة سياقا حدثيا يشتمل على ثلاثة مكونات رئيسة.
إن المتأمل في بناء الوضعية-المشكلة موضوع الدراسة يلحظ أنها تشتمل على المكونات الثلاثة، وفي المقابل نجدها تفتقر إلى سياق ودعامة وتعليمة تلفت انتباه المتعلم وتجعله ينخرط في بناء الدرس، وسأبين ذلك على النحو الآتي:
⦁ السياق: ويكون تمهيدا لوضع المتعلم داخل مجال تعليمي أو اجتماعي أو ثقافي أو غير ذلك من المجالات مجتعمة أم متفرقة، وداخل فضاء واقعي يساعده على التفكير استعدادا للقيام بمهمة ما. وإن اعتبار هاته الجملة «تشكل قضية الحرية إحدى القضايا الأساسية التي تثير نقاشا كبيرا» سياقا حدثيا فيه تسامح، فهو سياق لا يعتبر المتعلم، بل يضعه في موقع المتفرج. إذ لم ينخرط المتعلم قبلا في هذا النقاش الكبير حول الحرية !!
⦁ الدعامة: وهي مجموعة من المعطيات والعناصر المادية التي تقدم للمتعلم. «بالإضافة إلى أن الحرية قيمة كونية، لا خلاف في كونها من الحقوق الأساسية للإنسان التي تقرها كافة الشرائع السماوية والقوانين والمواثيق الدولية. لكن يقع الإشكال في تحديد مفهوم هذه الحرية، إذ يختلف باختلاف المرجعيات، وبناء على هذا الاختلاف يقع الاختلاف في حدودها وضوابطها». وقد تقدم نقد هذا النص الذي جاء دعامة وسندا في هذه الوضعية-المشكلة، وتحتاج الوضعية إلى نصوص أو وثائق أو صور أو مبيانات…، تنتقى بعناية لكي يعتمدها المتعلم لأداء المهمة.
⦁ المهمة: وهي التعليمات المطلوب من المتعلم إنجازها. «ما حقيقة الحرية في الإسلام؟».
أما الدعامة فقد عرجنا على نقدها وبيان القضايا التي تثيرها بتفصيل، وأما المهمة فإنها لا تراعي المستوى السيكوبيداغوجي للمتعلم، كما أنها جاءت على شكل سؤال استفهامي يحتاج إلى تحرير نص مقالي اعتمادا على نصوص وشواهد…، والحق أن الوضعية-المشكلة تحفز المتعلم على مقاربة قضية إشكالية تعنيه في حياته، ولا تجعله يقنع بما لا يفهم.
4. اقتراح وضعية-مشكلة بديلة تراعي الشروط والضوابط والخصائص والمكونات.
خلال زيارة أويس للمعرض الدولي للكتاب بمدينة الدار البيضاء في شهر فبراير من السنة الماضية، التقى بصديقه هشام الذي كان يتواصل معه على مواقع التواصل الاجتماعي، والذي جاء هو الآخر للاطلاع على جديد الإصدارات العلمية، وأثناء حوارهما لمح أويس أن هشاما يرسم وشما (تاتو) على جلد عنقه، فسأله عن دواعي هذا الفعل، فأخبره هشام بأن بدنه ملك له، على اعتبار أن للإنسان الحرية المطلقة في التصرف كيف شاء فيما يملك، وأن هذا التحرر هو السبيل الأمثل لنمو الطاقات الخلاقة في كل إنسان.
لم يستسغ أويس موقف هشام، فحاول إقناعه مستشهدا بآيات وأحاديث في هذا السياق، كما أخبره بأن هذا الفعل محرم شرعا، ذلك بأن الإنسان لا يملك بدنه، وإنما البدن عارية من الله للإنسان، وأمانة شرعية تستلزم الحفظ من جانبي الوجود والعدم.
السند 1
. السند: 2
المهمة:
.1 استخرج الكلمات المفاتيح المؤطرة للوضعية المشكلة.
.2 ما هي القضية الأساس التي تعالجها الوضعية؟
.3 ما هي الإشكالية التي تطرحها هاته الوضعية؟
.4 انطلاقا من الوضعية، املأ الجدول الآتي:
الزمان المكان الشخصيات الأحداث
5 هل تقييد حرية الإنسان بالشرع يحول بين الإنسان ونمو طاقاته الإبداعية كما أخبر هشام؟ علل جوابك؟
6- انطلاقا من مكتسباتك الشخصية، واعتمادا على السند 1 و2 اقترح فرضيات تحدد موقف الإسلام من الحرية؟
حمزة شرعي: أستاذ التعليم الثانوي
باحث بسلك الدكتوراه في قضايا الفكر التربوي الإسلامي
Aucun commentaire