أزمة الطالب بين مطرقة التخرج وسندان التدّرب
الدكتور محمد بنيعيش
كلية الآداب والعلوم الإنسانية وجدة المغرب
لكل مجهود ثمرة ولكل مسار نهاية ولكل نهاية بداية ،هذه هي الحياة ودورتها الطبيعية السليمة، بل اللائقة بأن يستمتع بها ويجتنى محصولها ويستمرأ مرقها ويستنشق عبيرها.
وأعظم وأجمل المسارات في هذه الكرة الأرضية والكوكب الأزرق يوجد مسار العلم بلا منازع !.والعلم علوم ،والعلوم عوامل وعوالم ،وهكذا لو أردنا أن نمطط وننطط ونتفلسف ونسفسط .
فطالب العلم لا حدود لطلبه ولا ثمن لتعبه ،ولا تعويض يمكن أن ينوب عن سهره وقلقه وتوتر أعصابه وتقلبه في الدارسين ،وتخبطه مع المشاكل والمعادلات والحلول والحذف والشطب، وربما قضم وتقليم الأظافر بالسن وخدش أو لطم الجبين، والتصبب عرقا عند استعصاء الدرس وغموض المعنى وانفلات القياس ،وقس على هذا.
ومن هنا فقد كان من المفروض مكافأته من جنس كفاءته ،ومجازاته في مقابل منجزاته ،سواء أكانت مادية أم معنوية .وحتى إن لم تكن مادية فيكفيه فخرا وشرفا أنه حامل للعلم ومتفرغ لساحة الوغى ضد الجهل ،ومدرب على القلم والتزام السطر : » ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ ، مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ ، وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ ، وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ « .
وحتى لا نسبح في المحيط ونترك الشطوط، فقد رأيت من المفيد أن أثير مسألة من ضمن آلاف المسائل والمشاكل التي تعترض طالب العلم في عصرنا ،وخاصة في بلداننا وديارنا العربية أو لنقل دولنا النامية وفي طريق النمو،ألا وهي مطلب التدّرب (الستاجstage ) عند نهاية الدراسة بالمعاهد والمؤسسات ،وخاصة التقنية والهندسية منها والاقتصادية وما شابهها .
وهذا المطلب الإلزامي ربما قد يعتبر في بعض المعاهد ،سواء أكانت عمومية أم خصوصية ،من المواد الموجبة للرسوب ،أو بالأحرى المؤثرة على ميزة الطالب والمنعكسة على تحصيله وطموحه فيما بعد التخرج من هذه المؤسسة أو تلك.
وهذا الهم الخاص بالتدرب ،نظرا لثقله وهاجسه ،قد يؤثر في بعض الأحيان بالسلب على تحصيل الطالب النجيب في دراسته الموازية لهذه المرحلة . فيترك مواده وحرصه على المتابعة بالانشغال بمسألة التدرّب من أين سيحصل عليه وفي أي مؤسسة سيقبل ،بل في أي مدينة وإقليم سيكون حصوله عليه ،وهكذا .
والمؤسف المكلف والمحرج في هذا من جهات متعددة،نذكر من بينها :
في غالب المؤسسات قد يبقى الحبل على الغارب في تعيين محطات الاستقبال للطالب حتى يجري تدريبه ويقبل فيه ،أي أن المؤسسات المؤطرة له لا تكلف نفسها العناء لمساعدته على اختيار مقر تدربه ،ولو برسالة رسمية تشعر مدراء المؤسسات المستقبلة ،كعمومية أو شركات، بأن هذا البرنامج ملزم ومكمل لتكوين الطالب ،وأنه يدخل في ضمن حقوقه العلمية والقانونية كنهاية لتحصيله العلمي الذي به تقيم الكفاءات والاستحقاقات.
في الغالب قد لا توجد اتفاقية شراكة بين المؤسسات ،وخاصة الجامعية ،مع المؤسسات المستقبلة ،سواء على مستوى الوزارات المركزية أو الجهوية وأيضا المحلية . وبهذا فيبقى الطالب منتظرا ضربة حظ أو وساطة قريبة إن وجدت ،وإلا فتدربه قد يكون في مهب الريح أو المريخ.
في كثير من الأحيان ،حتى إن وجد من يقبل هذا المتدرب، فقد لا يكون الميدان والمؤسسة المستقبلة له من نفس تخصص الطالب ،لا من قريب أو بعيد.وبهذا فيكون تدربه عبارة عن روتين وتضييع للوقت، مع إحداث انقطاع غير مبرر في تحصيل الطالب والزيادة من تعمقه ودراسته.
وأيضا ،وهذا في حالة قبول بعض الطلبة لدى بعض المؤسسات ،فقد تكون مقراتها خارج المدينة التي درس فيها الطالب ،وربما تكون بعيدة عنها بمئات الكيلومترات ،وهذا يتطلب مصاريف مرهقة ومكلفة ومجحفة ،من بحْث عن سكن ومواصلات وغير ذلك .وهذا قد يأتي بمثابة الضربة القاضية في آخر دورة من دورات الملاكمة ،حيث يكون المتباري منْهكا فتنزل عليه اللكمة من خصمه كالصاعقة التي لا يستطيع بعدها حراكا.وفي هذه الحالة فقد يتفاوت الطلبة بين الموسرين والمعسرين ،لكن المعسرين قد يزداد عسرهم درجات فوق درجات رِشْتر.هذا إذا علمنا بأن الغالبية لا منحة لهم ولا مساعدة اجتماعية أو وقفية وغيرها.وعند هذه الحرج ربما قد تتغير نفسية الطالب وتتذمر وينزلق سلوكه،ويضيع تحصيله وتكوينه ،وقس على هذا.
وحيث إن الوضع بهذا التصور أو أسوأ فقد يكون من اللازم على المسؤولين في قطاعات التعليم والتكوين والشغل، ولم لا الداخلية، أن يبادروا إلى حل هذا المشكل الذي يتخبط فيه كثير من الطلبة، و يمثل بالنسبة إليهم هاجسا أكثر قتامة من هاجس التحصيل والسهر والصبر على القليل وهم معتصمون في الحرم الجامعي، أو قريبون من مؤسساتهم التي كانوا يتلقون فيها تكوينهم ودراستهم لبناء مستقبلهم ولخدمة وطنهم بالعلم والمثابرة.
وأرى كاقتراح متواضع ،أن الحل لهذه المشكلة في كل المؤسسات ذات الطابع التقني والهندسي والطاقي وما والاه قد يتمثل مبدئيا في إصدار قوانين ملزمة للمؤسسات المستقبلة للمتدربين بحسب طاقتها وتخصصها،مع إضفاء طابع الشراكة وإمكانية التوظيف من خلال هذا التدرب إن تبينت الكفاءات ،هذا مع إحصاء جدي لعدد المتخرجين وتوزيعهم بالتساوي عليها ،سواء في المؤسسات العمومية أو الخصوصية على حد سواء.
كما تنبغي مراعاة القرب والبعد من الجامعة ، أو المدرسة العليا التي تخرج منها الطالب ،وبالموازاة مع ذلك يكون من الضروري رصد مساعدات للطلبة الذين سيكونون ملزمين بالسفر والإقامة خارج مدينتهم .وهذه المساعدات إما أن تكون على حساب المؤسسة المرسلة أو المستقبلة أو هما معا ،باعتبار أن هذا الأمر قد يدخل في إطار الواجب الوطني الذي يقتضي تكوين الطالب الصالح من أجل خدمة الوطن والمواطن الصالح « وَاَللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ ».
Aucun commentaire