ليبيا .. السيسي وبوتين والاخرون.. أوتغريبة التقسيم
بقلم .. عمر الطيبي
في اطار متابعتي لتطورات القضية الليبية شاهدت مؤخرا فيديوهات على اليوتوب تغطي تجمعات تعبوية نظمتها مطلع السنة الجارية قبيلة الفرجان المصرية، خاصة في محافظتي الفيوم والمنيا، تم تخصيصها بالكامل للتعبير عن مناصرة ودعم من وصفه شيوخ هذه القبيلة وخطباؤها بـ « ابن العم صاحب نجمة العبور، المشير الركن المهيب خليفة أبو القاسم حفتر »، وذلك بطبيعة الحال دون اغفال « تجديد البيعة » بهذه المناسبة للرئيس « القائد المشير » عبد الفتاح السيسي.
وفرجان مصر هؤلاء للعلم، هم بمثابة الاصل لقبيلة الفرجان الكبرى اللذين ظلوا مستقرين بأرض الكنانة من ايام تغريبة بني هلال باتجاه ارض المغرب الكبير (القرن 11 م)، فاستوطن جزء منهم ربوع وفيافي ليبيا، وتوجه الباقي نحو تونس والجزائر، ومجموعات أخرى منهم الى البلاد المغاربية الاخرى حيث اندمجوا مع النسيج القبلي لأهلها الامازيغ، علما بأنه توجد فضلا عن ذلك قبائل مصرية من أصل ليبي، قامت بهجرات معاكسة نحو الاراض المصرية واستقرت بها في فترات مختلفة ولاسباب شتى.
الواقع انه لايمكن فهم دلالات هذه الفعاليات القبلية المصرية الا باستحضار التداخل السكاني القبلي بين مصر وليبيا، حيث لا يقتصر التداخل على قبيلة الفرجان، التي ينتمي اليها خليفة حفتر وحدها (أبوه من فرجان ليبيا وامه من فرجان مصر)، انما يشمل جل القبائل الكبرى المنتشرة في البلدين، ومنها قبيلة العبيدات التي ينتمي إليها رئيس برلمان طبرق عقيلة صالح، الحليف اللدود لحفتر، وكذلك قبائل اولاد علي، والعواقير، والبراعصة، و »المغاربة » .. وغيرهم.
وقد اتخذ النظام المصري من هذا التداخل السكاني القبلي الارضية التي أقام عليها مشروعه التوسعي للتدخل في الشأن الليبي منذ سقوط جماهيرية القذافي، بحيث يمكن القول أن هذه الفعاليات التعبوية لا تمثل في نهاية المطاف سوى عنصرا مكملا للاجراءات التي اتخذها نظام السيسي، من أجل الزج بالمكون القبلي المصري في هذا المشروع متعدد الاطراف، الذي اسندت قيادته الميدانية والى حين لـ « جنرال فرجاني » متعدد الولاءات من جهته للاجنبي، هو الجنرال حفتر.
قامت هذه السياسة، على محورين اساسين تمثل أولهما في تدريب والحاق اعداد من ابناء القبائل المصرية بما يسمى بـ « الجيش الوطني الليبي »، بحيث وصل عددهم حسب الجنرال سليمان العبيدي، أحد ضباط جيش الوفاق، من الفرجان المصريين وحدهم، سنة 2017 إلى نحو 500 متطوع، وتمثل ثانيهما في زرع ابناء القبائل المصرية ضمن النسيج القبلي الليبي، ومن ثم تجنيدهم كعناصر ليبية ضمن جيش حفتر، بعد منحهم الجنسية الليبية، على اعتبار أن الانتماء العشائري، في العرف القبلي، يسبق الانتماء الوطني ويعلو عليه.
استغرب البعض رد فعل السيسي السريع وغير المتوقع على هزيمة حفترالاخيرة، اذ رغم ما أدت اليه هذه الهزيمة من سقوط المشروع الذي راهن عليه هو وحلفاؤه خلال سنوات طوال، باقامة نظام عسكري شمولي عميل على كامل التراب الليبي، فقد اعلن عن « مبادرة للسلام »، تعتمد على تقسيم البلد الى ثلاثة اجزاء، تبعا لحدود الاقاليم الثلاثة المشكلة لليبيا التاريخية، أي طرابلس وبرقة والفزان، على أن يتبع هذا التقسيم بمحاصصة سياسية واقتصادية واجتماعية، تحت بند توزيع الثروة والسلطة بين هذه الاقاليم.
الحقيقة انه ليس هناك ما يدعو للاستغراب في موقف السيسي اذا ما أخذ في الحسبان، الارضية القبلية التي اقام عليها مشروعه التوسعي في ليبيا، فمشروع التقسيم، ربما بدا له أكثر ربحية من مشروع السيطرة الشاملة، فهو يمكن أن يتيح له استكمال التمدد القبلي المصري في اقليم برقة، بل والعمل على تغيير التركيبة السكانية للاقليم، اذا ما توفرت الشروط، وربما رأى فيه أيضا امكانية لتعظيم نصيبه من الغنيمة الليبية، لاعتبارت شتى منها، غنى الاقليم بالثروات الطبيعية، خاصة النفطية، مقارنة مع اقليم طرابلس، وأيضا ضعف كثافته السكانية.
هكذا اصبح السيسي يراهن اذن على مشروع لتقاسم الاراضي الليبية مع حلفائه، وأيضا على تنفيذ تغريبة قبلية مصغرة لتعظيم ارباح نظامه الاقتصادية والسياسية والاجتماعية من الحرب العدوانية المفروضة على الليبيين، لكن عليه أن يدرك قبل ذلك وبعده أن أمر « قسمة ديزى » هذه التي يحلم بها، لا بد انها تتوقف أولا وأخيرا على ارادة الكبار، ومنهم على وجه التحديد القيصر الروسي بوتين، وذلك في انتظار التحاق نظرائه الاخرين بالقاعة التي ستجري فيها عملية القسمة والتقسيم.
ع.ط
Aucun commentaire