نظرات في المناهج النقدية الحديثة:من المنهج الاجتماعي إلى المنهج البنيوي الجزء(3)
نظرات في المناهج النقدية الحديثة:من المنهج الاجتماعي إلى المنهج البنيوي الجزء(3)
بقلم:د خالد عيادي
مدخل عام: (يتابع)
إن المنهج التاريخي القديم بهذا الاختيار، يتجه نحو رصد نشأة الأدب، ويطمح بالأساس إلى تحقيق هدفين اثنين: الأول تعليمي، والآخر قومي. ذلك أن هذا النوع من المقاربات النقدية، يصلح لتزويد النشء الجديد، والأجيال المتعاقبة، بمعرفة شاملة، عن مختلف مظاهر الحياة الثقافية العربية. كما يهدف إلى تثبيت الهوية العربية في أذهان هؤلاء([1]). ويبقى السؤال مطروحا، ومشروعا أيضا، إلى أي حد مكن هذا المنهج هؤلاء المتلقين، من الطلبة وغيرهم، من تذوق جمالية تلك النصوص الإبداعية؟ وهل وفر لهم وسائل إجرائية، للاندماج والتفاعل معها، والتلذذ بقراءتها.؟
بيد أن تطورا هاما قد حدث، حينما تحول الاهتمام من هذه العناصر الأدبية: مبدع– إبداع – محيط – إلى الاهتمام بالإبداع ،النص، في حد ذاته. وذلك لما رفع الشكلانيون([2]) الروس، في وقت مبكر شعار الأدبية Littérature. وأنه: « ليس في الأدب إلا الأدبية »([3])، داعين إلى ضرورة التمييز بين اللغة الشعرية، وبين اللغة العادية واليومية. كما دعوا إلى نبذ سائر المقاربات النقدية: كالمقاربة التاريخية، والاجتماعية، والنفسية، التي من سلبياتها إخفاء جمالية النص، و وظائفه عن القارئ.
في تلك الظروف ظهرت الدراسات البنيوية والتفكيكية، والتي يمكن اعتبارها ردة فعل قوية بالنسبة لكل المناهج النقدية السائدة وقتئذ. حيث دعت هذه الدراسات ، البنيوية، إلى موت أحد عناصر الإبداع المهمة ألا وهو: « المؤلف »، وانغلاق النص على نفسه، باعتباره كائنا لغويا بنيويا يتسم بانغلاق عالمه اللغوي. وعدم إحالته، أثناء دراسته، إلى أي مرجع واقعي. وبذلك تم الإعلان عن استقلالية « اللغة » و »العلامة »، عن أية علاقة مادية خارج النص. « فدلالة الدلالات يحددها النص، والنص وحده »([4]).
والواقع أن « رولان بارط » حينما أعلن عن « وفاة المؤلف » يكون بهذا التصور قد فتح عصرا جديدا في النقد، ألا وهو عصر التلقي. لأن هذا المنظور النقدي الجديد، يعني أن اللغة هي التي تتكلم في النص وليس « المؤلف ». وأن: « دلالة النص لا تنبع من مقصدية منتجها، ولا هي أمر مخطط له في ذهن الكاتب. »([5])، بل تنشأ المعاني من علاقة تفاعلية وجدلية جمالية تتم بين النص الأدبي والمتلقي أو القارئ.([6])
…………………………………………………………………………………………………………….
([1]) تزامن انتشار المنهج التاريخي، مع الحضور القومي للقومية العربية، في المجال السياسي.
([2]) ظهرت الشكلانية في روسيا في مطلع القرن العشرين.ووصلت إلى أوجها مع مطلع الثلاثينيات. واسم « الشكلانية » يطلق من طرف خصوم هذا الاتجاه النقدي.
([3]) قولة مشهورة لجاكبسون. انظر « الشعرية »، تزفيطان تودوروف، ترجمة شكري المبخوت…
([4]) المرايا المحدبة من البنيوية إلى التفكيكية. عبد العزيز حمودة. سلسلة عالم المعرفة..
([5]) انظر حديث الناقد « حميد لحمداني » عن المقصدية في كتابه « الواقعي والخيالي في الشعر العربي القديم العصر الجاهلي »..
) يراجع كتابنا:الشعر الجاهلي بين مقصدية الشاعر ومحصلة القارئ.[6](
Aucun commentaire