نظرات في المناهج النقدية الحديثة:من المنهج الاجتماعي إلى المنهج البنيوي الجزء(2)
نظرات في المناهج النقدية الحديثة:من المنهج الاجتماعي إلى المنهج البنيوي الجزء(2)
بقلم:د خالد عيادي
مدخل عام: (يتابع)
المبدع سواء أكان فردا أم شريحة اجتماعية، هو الذي حظي بالحظ الأوفر، من بين سائر أطراف التواصل الأدبي الأساسية: مبدع– نص– متلقي. والقارئ في هذه المعادلة كان أكبر منسي في نظرية الأدب الكلاسيكي. فالتيارات الرومانسية، والبيوغرافية([1])، والتاريخية، والسوسيولوجية، كلها ترى أن المبدع هو الأوحد وراء العملية الإبداعية.
في هذا السياق نورد، باختصار شديد، تصور المنهج التاريخي في مقاربة النصوص الإبداعية. ذلك المنهج الذي هيمن على الساحة العربية، بدءا من مطلع القرن العشرين. وذلك بسبب تأثر النقاد العرب، برواد هذا المنهج من النقاد الغربيين، وانجازاتهم النظرية مثل: اطلاعهم على نظريات « هيبوليت تين » (ت 1893) H.Taine، و »سانت بوف » (ت1804)Sante Beuve ، و »غوستاف لانسون »(ت1857) G.Lanson وغيرهم..
لقد اكتسح هذا المنهج الحقل الأكاديمي في المشرق، ثم بعد ذلك ظهر في المغرب، حيث هيمن لزمن طويل. ففي المشرق مثلا يعد الدكتور « طه حسين » من أوائل السالكين في إطار المنهج التاريخي. خاصة في كتابه » حديث الأربعاء ». حيث خصص الجزء الأول للدراسات الخاصة بالأدب الجاهلي والإسلامي. والجزء الثاني خصصه للأدب العباسي. كما خصص الجزء الثالث للأدب الحديث. وقد ألف « طه حسين » هذا الكتاب، على نمط ما فعلته « سانت بوف ». كما أراد أيضا، إرساء قواعد المقاربة النقدية التاريخية، التي تعلمها في فرنسا، والتي تمركزت على يد « سانت بوف » و »غوستاف لانسون »([2]).
يتخذ المنهج التاريخي، إذن، من الحوادث التاريخية والاجتماعية والسياسية وسيلةً لتفسير الأدب وتعليل ظواهره وخصائصه، ويركِّز على تحقيق النصوص وتوثيقها باستحضار بيئة الأديب والشاعر وحياتهما. وهو بعبارة أخرى، قراءة تاريخية في خطاب النقد الأدبي، تحاول تفسير نشأة الأثر الأدبي، بربطه بزمانه ومكانه وشخصياته. والتاريخ بهذا المعنى يصير خادمًا للنص، ودراسته لا تكون هدفًا قائمًا في حد ذاته، بل تتعلق بخدمة هذا النص.
وفي هذا السياق، يوجز أحد النقاد ملامح التصور النقدي للمنهج التاريخي، في كون هؤلاء: « ينظرون إلى النص باعتباره وثيقة تحيل على منتجها. لذلك نجدهم يعمدون إلى إعطاء نبذة موجزة عن حياة المؤلفين، مشيرين إلى مكانتهم الأدبية، وأهم أعمالهم الفنية، ومكتفين بالاستشهاد بمنتجات من أشعارهم. »([3]) ومعنى هذا الفعل النقدي أن هؤلاء النقاد يولون أهمية قصوى للمبدع، والملابسات التاريخية والاجتماعية للمبدع، على حساب النص الأدبي والقارئ.
…………………………………………………………………………………….
([1]) التيارات البيوغرافية، والتاريخية، والسوسيولوجية، ترى أن البيئة الجغرافية والعرقية والاجتماعية، التي يحي فيها المبدع هي التي تمده بالطاقة الإنتاجية.
([2]) يمكن رصد الخطوات الكبرى، التي ترسم معالم الاتجاه اللانسوني، في كونه يبدأ بالتعرف على النصوص الأدبية، ثم مقارنتها ببعضها البعض، لتمييز الفردي من الجماعي، والأصيل من التقليدي، ليسهل جمعها في أنواع ومدارس وحركات. ثم بعد ذلك تحدد العلاقات بين هذه المجموعات، وبين الحياة الثقافية والأخلاقية، التي أفرزت لنا هذه النصوص الفنية. هذه الرؤية النقدية، هي في نظر كثير من النقاد، أحد أسباب الوقوع في المنزلق المعرفي المعروف، وهو التحول من تاريخ الأدب، إلى تاريخ النص الأدبي ذاته. أنظر النقد التاريخي في الأدب، رؤية جديدة، « حميد لحمداني ».
([3]) من المنهج التاريخي إلى جمالية التلقي، محمد امساعدي، فكر ونقد.
Aucun commentaire