Home»National»لقد تبين الرشد من الغي

لقد تبين الرشد من الغي

0
Shares
PinterestGoogle+

بسم الله الرحمن الرحيم
لقد تبين الرشد من الغي
الحسن جرودي

ورد على صفحات احدى الجرائد  الإلكترونية مقال بتاريخ 18 أبريل 2020، تحت عنوان « تقرير رسمي يدعو إلى إلغاء « زعزعة العقيدة » من القانون الجنائي » تناول فيه صاحبه بعض توصيات المجلس الوطني لحقوق الإنسان في تقريره السنوي لسنة 2019 الصادر بمارس 2020، من بينها ما يتعلق بموقف هذا الأخير من الفصلين 220 و 222 من القانون الجنائي المغربي، حيث أورد أن المجلس ذهب إلى حد المطالبة بحذف الفقرة الثانية من الفصل 220 من القانون الجنائي، ودعا إلى حذف الفصل 222 المتعلق بعقوبة الإفطار العلني في رمضان. وللتأكد من صحة هذه المعلومات رجعتُ إلى نص التقرير وتبين لي أن المجلس يوصي فعلا بما ورد في المقال، بالإضافة إلى توصيات أخرى أكتفي منها بالتوصيتين التاليتين:
تعديل القانون الجنائي بما يضمن رفع التجريم عن جميع العلاقات الجنسية الرضائية مع تجريم الاغتصاب الزوجي حيث ينتفي عنصر الرضا.
دعوة القضاء إلى الاجتهاد لتكريس تطبيق المعايير الدولية لحقوق الإنسان التي صادقت عليها بلادنا وإعمال مبدأ سمو هذه المعايير على القوانين الوطنية تفعيلا لما جاء في تصدير الدستور.
وعند التمعن في هذه التوصيات تساءلت مع نفسي: هل من الممكن أن تَصُدر مثل هذه التوصيات من قِبَل مجلس يُنعت بالوطني في وطن دينُه الإسلام ؟ وقلت إذا كان هذا ممكنا قبل جائحة كورونا بسب تَغوُّل مجموعة من الجمعيات الممولة من قبل جهات أجنبية مقابل تنزيل أجندات هدفها ضرب كل الرصيد القيمي للأمة المغربية واستبداله بمنظومة قيم لا علاقة لها بها، بتغليفها بغلاف العالمية والكونية، مستغلة في ذلك الاستلاب الثقافي الذي رسَّخه الإعلام الخارجي والداخلي لدى شريحة لا يستهان بها من أفراد المجتمع الجاهل بثقافته خاصة وبثقافة الآخر بصفة عامة.
قلت إذا كان هذا ممكنا من قَبْلُ، فهل بقي هناك مبرر لمثل هذه التوصيات بعدما قامت كورونا بتعرية الغرب وإظهاره على حقيقته، من خلال تمحيص كل تلك المفاهيم والقيم التي يتم الإصرار على نعتها بالكونية بدون وجه حق، واضطرت المغاربة إلى مراجعة أنفسهم وإعادة النظر في مجموعة من الممارسات التي تم تطبيعهم معها والتي لا تتماشى والقيم الإسلامية المتجذرة في الشعب المغربي الأصيل.
فكيف يمكن بعد هذا أن يتم العمل بتوصية التطبيع مع الزنى الذي استُعير له مصطلح العلاقات الرضائية، والكل يعلم أن الله عز وجل أدرج الذين لا يزنون ضمن عباده الذين وصفهم بعباد الرحمان وحذر الواقعين فيه من الخلود في العذاب المهين يوم القيامة في قوله تعالى من سورة الفرقان:  » وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69)، في الوقت الذي يتم فيه الاجتهاد في تنفيذ كل الأوامر والتوجيهات البشرية التي « تُفترض » فيها الحماية من وباء كورونا، بحيث حُرِّمت حتى المصافحة العادية لأقرب الأشخاص، وأُغلقت الخمارات ومحلات الدعارة، بل وحتى المقاهي التي حتى وإن لم يكن لها ضرر بادٍ، فإنها كانت تستهلك من أوقات الناس الكثير، وكانت سببا في كثير من الغيبة والنميمة والنهش في أعراض الناس.
وكيف يمكن أن تتم الدعوة إلى الإفطار العلني في رمضان في الوقت الذي يُبشِّر فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم الصائمين بحسن الخاتمة من خلال أحاديث كثيرة، أذكر منها قوله صلى الله عليه وسلم « من صام رمضان إيماناً واحتساباً، غُفر له ما تقدم من ذنبه » (رواه الشيخان.) وقوله: « الصيام جُنّة وحصن حصين من النار » (رواه أحمد)، وقوله: « في الجنّة ثمانية أبواب، فيها باب يُسمى الريّان، لا يدخله إلا الصائمون »(رواه البخاري)، مع العلم أن النتائج الوخيمة لمثل هذه الممارسة من تشنج العلاقات بين أفراد المجتمع، وتأليب البعض على البعض الآخر لا تَخفى على أحد. فإذا كان هؤلاء استسلموا للحجر الصحي لمجرد الخوف من الوقوع في شرك الفيروس الذي تنحصر مضاعفاته الخطيرة على أقل من 20 % من المصابين، فهل يملكون من الشجاعة ما يسمح لهم بالخروج إلى الشارع والإفطار في رمضان؟ أم ينطبق عليهم قول الله تعالى في الآية 19 من سورة الأحزاب حيث يقول جل جلاله:  » فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا » فأيهما أكثر سلامة وأمنا ؟ أهو الالتزام بشرع الله ككل والفوز بالجنة، أم الاكتفاء بالالتزام بالحجر الصحي الذي يُعد واجبا شرعيا بالنسبة للمؤمنين مع العلم أنه لا يعدو أن يكون احتمالا من بين احتمالات أخرى للوقاية من وباء كورونا دون أن يضمن بأي حال من الأحوال الوقاية من الموت التي تأتي بالأجل ولا شيء غير الأجل.
وكيف يمكن أن يُوصَى بتطبيق المعايير الدولية لحقوق الإنسان مع وجود كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، حيث الحقوق الواردة فيهما حقوقا كونية عن حق، من مثل حق الإنسان في الحياة الذي لا يجوز لأحد أن يعتدي عليه مصداقا لقوله تعالى في الآية 32 من سورة المائدة:  » مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا  » في الوقت الذي أظهرت فيه الأحداث ما قبل وخلال كورونا أن الدول التي تتشدق بهذه الحقوق وتستأجر من يسوقها لنا من بني جلدتنا هي نفسها التي تدوس على هذا الحق الأساسي في مختلف أصقاع الكون، وأساسا في بلاد الإسلام كفلسطين وسوريا والعراق واليمن والسودان… بالإضافة إلى ما يتعرض مسلمو الإيغور في الصين، ومن مثل تساوي الناس كلهم في القيمة الإنسانية مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم في خطبة حجة الوداع: « كلكم لآدم وآدم من تراب » وقوله: « لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود، ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى » وإنما التفاضل يكون بحسب العمل: مصداقا لقوله تعالى « وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (الآية 19 من سورة الأحقاف)، بينما يتجلى التمييز يوميا في هذه البلدان، بين البيض والسود وبين الأوروبيين وغيرهم من باقي الأجناس والديانات، حتى أنه صرح بعض المحسوبين ضمن كبار الأطباء بفرنسا بإمكانية تجريب لقاحات ضد فيروس كورونا على الأفارقة، هذا بالإضافة إلى التمييز داخل هذه الدول نفسها بين فئة الشباب وفئة كبار السن والعجزة من خلال إعطاء الأولوية لمعالجة الشباب، بل تم منعُ مُريدو ديار العجزة من حقهم في الاستفادة من زيارة أقربائهم، ومن أبسط وسائل الوقاية من هذا الفيروس، ولم يتم السماح لبعض الأفراد من زيارة ذويهم العجزة في إطار شروط جد صارمة، إلا بعد أن هلك عدد غفير منهم دون أن يظفَروا حتى بكلمة وداع أخيرة من أقربائهم، وذلك بعد طرق هؤلاء لكل الأبواب من بينها باب القضاء.
وإذا استيْقَنَّا بهذا الواقع المُر الذي يدعو المجلس الوطني لحقوق الإنسان لاستنساخ ثقافته علينا، فإننا لا نستغرب اعتبار التعري حق من حقوق المرأة في الوقت الذي يتم منعُها من وضع خرقة قماش على رأسها حتى جاءت كورونا التي فرضت ارتداء الكمامة على الجميع، كما لا نستغرب قرار الرئيس الأمريكي بوقف مساهمة الولايات المتحدة الأمريكية في صندوق منظمة الصحة العالمية…
في الختام أحمد الله على حسم السلطات المغربية منذ الوهلة الأولى في اتخاذ مجموعة من القرارات السيادية لمواجهة جائحة كورونا، وأتمنى أن تواصل على نفس النهج إلى أن يفتح الله علينا برحيل الجائحة. واليوم و « قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ » بفضل الله وبفضل هذا الوباء الذي اضطر المغاربة والعالم كله إلى إعادة حساباته، أرجو أن لا تتوانى السلطات المغربية ابتداء من اليوم في مواجهة مختلف الجوائح التي تستهدف قيمنا وثوابتنا، وعلى رأسها جائحة ما يسمى بالحقوق الكونية التي تتعارض مع ديننا الحنيف وقيمه السمحاء، وكل ما يستتبعها من مظاهر العربدة والفساد التي يُراد لها أن تَعُم البلاد والعباد، بنفس الحزم والصرامة الذي واجهت وتواجه به جائحة كورونا. والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل.
الحسن جرودي

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *