نظرات في المناهج النقدية الحديثة:من المنهج الاجتماعي إلى المنهج البنيوي الجزء(1)
نظرات في المناهج النقدية الحديثة:من المنهج الاجتماعي إلى المنهج البنيوي الجزء(1)
بقلم:د خالد عيادي
مدخل عام(*)
كان للاصطدام العنيف الذي حصل بين العالمين العربي والغربي، آثار متنوعة على ميادين عدة، ففي الميدان التقني والعلمي، حاول العالم العربي اللحاق بقافلة الاختراعات الغربية دون جدوى. وفي الميدان الفلسفي استزرع مجموعة من مثقفينا بعض الفلسفات الغربية، كما فعل « يوسف كرم »، مع فلسفة العقل المعتدل، و »عبد الرحمان بدوي » مع الوجودية، و »زكي محمود » مع الوضعية المنطقية،([1]) و »زكريا إبراهيم » مع الظاهراتية.. و »طه حسين » مع المنهج الديكارتي. أما في الميدان النقدي والأدبي، فقد تبنى مثقفونا ،في إطار المثاقفة مع الغرب، جملة من المناهج النقدية، مثل المنهج التاريخي،والمنهج الاجتماعي، والمنهج البنيوي، والمنهج النفسي والمنهج الشكلاني، والمنهج الموضوعاتي، والمنهج السيميائي، والمنهج التكاملي..
إن فكرة ربط الأدب بالواقع فكرة قديمة جدا،يرجع تاريخها إلى العهد اليوناني،منذ أن درس الفلاسفة اليونان فكرة « محاكاة » الأدب للواقع. فالفن عند « أفلاطون »، كما عند « أرسطو » محاكاة للواقع أو الطبيعة أي للعالم الحسي. ولهذا برزت قيمة الحقيقة وكيفيتها الفنية في نظرية المحاكاة. ومفهوم « المحاكاة » يشير إلى نظرية « أرسطو » الشهيرة في الفنون. وأصل هذه النظرية ثابت في فلسفة « أفلاطون » (ت 348 ق- م)،وذلك حين اعتبر كل ما هو موجود في العالم محاكاة، أو إعادة تمثيل، لما هو موجود في عالم المُثُل. فالأشياء عند « أفلاطون » مخلوقة في ذلك العالم غير الحسي، على صورة الجمال التام، ومتعالية عن النزول.
أما « أرسطو » (ت 322 ق- م) فيقول:« فالمأساة إذن هي محاكاة فعل نبيل تام، لها طول معلوم، بلغة مزودة بألوان من التزيين، تختلف وفقا لاختلاف الأجزاء، وهذه المحاكاة تتم بواسطة أشخاص يفعلون، لا بواسطة الحكاية. وتثير الرحمة والخوف، فتؤدي إلى التطهير من هذه الانفعالات. »([2]) ويرى « أرسطو » بأن الفنون كلها تعود، في أصل منبعها، إلى رغبة الإنسان في محاكاة ما حوله، ففي الموسيقى تتحول انفعالات الإنسان إلى أصوات وإيقاع. وفي الملحمة تتحول إلى لغة سردية تقص الأحداث. لكن الانفعالات في الشعر الدرامي تتحول مرتين: المرة الأولى إلى لغة، تتبعها المرة الثانية، التي تحول هذه اللغة إلى أفعال على خشبة المسرح. إذن فالملحمة عند « أرسطو » تحاكي الفعل بالرواية عنه، أما المسرحية فتحاكي الفعل بالفعل، فتصور بعض ما يحدث، أو بعض ما هو ممكن الحدوث.
والمتأمل في المسار التاريخي للدراسات الأدبية والنقدية، ينتهي إلى أن الأديبة الفرنسية »مدام ديستايل »(ت1817) أول من نبه في القرن التاسع عشر إلى أهمية العلاقات بين الأدب والمجتمع ،وبين الأدب والسياسة .وبعدها قام الناقد »دي بونالد » يؤكد أن « الأدب هو التعبير عن المجتمع »([3]). ثم جاء « إيبوليت تين » (ت1893) الذي بذل مجهودات هامة في نشر النظرية السوسيولوجية في الأدب، ذلك أنه نادى إلى تدريس الأدب بطريقة تكشف حتميته، وذلك من خلال التعرف على الأسباب التي أدت إلى حدوثه،فتجعل الشكل الذي يظهر به الأدب أمرا حتميا. ([4])
…………………………………………………………………………………………..
*) يقع درسا المنهج الاجتماعي والمنهج البنيوي،ضمن مقرر مادة اللغة العربية، فئة تلاميذ السنة الثانية من سلك الباكالوريا: مسلك الآداب والعلوم الإنسانية،ويندرج بالضبط ضمن المجزوءة الرابعة بعنوان: المناهج النقدية .فتعميما للفائدة ارتأيت نشر سلسلة من المقالات في الموضوع .
([1]) تجليات النقد الأدبي الغربي في نقدنا المعاصر. عادل الفريجات -علامات في النقد-
([2]) نقلا عن المذاهب النقدية عند العرب والغربيين. شكري عياد.
([3]) موسوعة النظريات الأدبية.نبيل راغب- الشركة المصرية العالمية للنشر- لونجمان- ط-1-2003-.
Aucun commentaire