Home»International»مشاهد من زمن كورونا…المشهد (5): حرب الجميع ضد الجميع…

مشاهد من زمن كورونا…المشهد (5): حرب الجميع ضد الجميع…

0
Shares
PinterestGoogle+

الكتابة تصالح مع لحظة الحجر الصحي وتجاوز لها في نفس الوقت…البوح  » التلقائي » استفزاز للمشاعر  » الجامدة  » لفيروس كرونا كي يخرج من جحره. سنظل نكتب ونبوح حتى تخرج من عالمنا أيها العابر « الهجين  » في دروب « عولمة  » عابرة…..

مشاهد من زمن كورونا…المشهد (5): حرب الجميع ضد الجميع…

بائعة الخبز تحيي إحدى النساء المارات من الدرب الضيق:
– السلام من بعيد، السلام من بعيد .
النساء المارات يطلقن ضحكات مدوية وإحداهن تردد بصوت مبحوح جهوري وساخر:
– « زينب » بائعة الخبز مسكونة…حل الجن عليها ضيفا…
رجل خمسيني يعانق شابا أمام باب المنزل…يضمه الى صدره بحرارة مفعمة بالشوق والتمرد كأنه يقول بصوت مرتفع  » اذهبوا أنتم والكورونا فقاتلا، فنحن هنا قاعدون نتقارب، نتعانق، نعطس و « نتكرع على بعضنا البعض »…أنتم والكورونا الى الجحيم…. »
هل قرأ الرجل الخمسيني لفيلسوف الوجودية الفرنسي  » سارتر  » صاحب «  » الآخر الى الجحيم « .. ؟، كاد « عوتو  » بعشقه لتفاصيل التفاصيل أن يصاب بنوبة جنون تقوده الى الموت وتنهي قلقه حول مصير الآخرين… » أليس الأحمق هو الذي فقد كل شيء إلا العقل « …كانت هذه الأطروحة لميشال فوكو كافية كي يطمئن « عوت » أنه ليس أحمقا… فوكو من وهب حياته كلها وهو يحفر في الآليات الظاهرة والمعلنة ل » المراقبة والعقاب « ..مناضلا ضد مختلف أشكال الحجر المؤسساتي للمجانين و »الشواذ » والمنبوذين…الاحتجاز من أجل صناعة الجسد الانضباطي… أصبح فوكو في زمن الجائحة ملاذا للمحتارين والتائهين من أمثال  » عوتو ».
إننا في زمن الضبط عبر السلطة الحيوية أو السلطة « البيوسياسية  » المتداولة بقوة في سوق المطاردة النظرية للكورونا والتي تعني أننا كلنا مشاريع عدوى… مصدر خوف وترهيب…كل واحد منا رقيبا على ذاته وعلى غيره… يجب أن نبتعد عن بعضنا البعض ونكمم وجوهنا كأننا  » سوبرمانات من ورق  » ..مجموعة لصوص يستعدون لاقتحام بورصة وولستريت بنيويورك…جماعة من الإرهابين توحي عيونهم البادية وراء القناع أنهم على موعد غرامي عاجل مع حور العين…فنسمع دوي انفجارات في قلب عواصم الكفر…يتلذذ شيوخ العمامة والصراخ بهذه الغزوة وينتظرون اللقاح القادم من دار الكفر ! .
اركيولوجيا الكورونا تترقب انبعاث فوكو…سقط المهدي المنتظر…فوكو هو المنتظر لتحررينا من سجون العزلة وإكراهات المسافات اللانهائية ومن الحرب الكبرى… حرب الجميع ضد الجميع…وهذا الجميع يتطلع جميعه الى فتوى العلم كي يتسابق الكبار نحو احتكار النبوة العلاجية لتخليص البشرية من الجائحة !
بائعة الخبز « زينب » حريصة على احترام مسافة الأمان كما اصطلح عليها في المخطط الصحي لمواجهة الجائحة…لكن كيف يمكنها بيع الخبز وهي تحيي من بعيد؟…كيف تمد للناس خبزهم وطاولة البيع لصيقة بباب منزلها وهي تقف بقامتها الشاهقة العريضة السمينة وراء طاولة صغيرة يصطف فوقها الخبز البلدي مغطى بمنديل أحمر؟…ومن يدري، هل المنديل الأحمر معقم ضد الفيروس اللعين؟ أليس هذا هو مبعث سخرية النساء المارات ومعهن ذات الصوت المبحوح التي اتهمت « زينب  » بالجنون؟ وهل تعلم زينب والنساء المارات ومعهن ذات الصوت المبحوح، أن يد الوطن ممدودة لهن من أجل مدهن بالضرورات الدنيا للبقاء من زيت وخبز وشاي كي يحجرن أنفسهن وأسرهن الممتدة ؟
سيطرت هذه الأسئلة على ذهن  » عوتو  » المتعب، وفكر أن يقصد بائعة الخبز بحثا عن من يخلصه من هذا القلق…لكنه لم يفعل… »عوتو  » معروف عنه في أوساط محيطه الأسري ورفاقه أنه متردد وغير حاسم رغم أنه في كثير من مرافعاته الجماهيرية يصرخ عاليا بأن لحظة اتخاذ القرار الحاسم قد حلت، إما أن نقرر ونكون، وإما أن لا نقرر فلا نكون، ورغم أنه خضع لدروات تدريبية متعددة في  » Les stratégies de prise de décisions « …لكن ذاكرته الضعيفة وفهمه الثقيل لم يحتفظا بغير هذا العنوان العريض المتعلق بالاستراتيجيات….
الرجل الخمسيني الغاضب يبدو أن اشتداد حقده على ذاته التي لم تنصفها عدالة السماء ونعيم الأرض، لم يعد يكترث لسطوة الفصل والمراقبة والحجر…هل فكر هذا الرجل في استجداء عطف السلطة؟ هل توجه الى الملحقة الإدارية القريبة من مقر سكناه للحصول على رخصة التنقل الاستثنائي؟ هل هاتف المصالح الاقتصادية كي ينال دعما ماليا يتغلب به على ظروف الاختباء والسرية عن العيون الجاحدة للجائحة؟ هل يعلم أن توجيه طلب الدعم الاستثنائي في زمن الجائحة يتم عبر اتصال هاتفي بالرقم التضامني أو رسالة الكترونية، أو تعبئة استمارة في الموقع الإلكتروني للجهة المكلفة بصرف الدعم؟ هل يملك الرجل الهاتف الذكي؟ الحاسوب؟ صبيب الأنترنيت؟…
 » لا اعتقد.. الرجل غاضب.. »، هكذا قال  » عوتو  » كي يتخلص من ثقل هواجس انقلبت رأسا على عقب في مرحلة مقلوبة على رأسها…من زمن السرية عن عيون المقدمين والشيوخ الى زمن السرية عن الكورونا والبحث عن المقدمين والشيوخ الذين أطلقت عليهم جماهير الضرورة …Wanted
 » الجائحة صنعت من كوكبنا سجنا كبيرا يقيم فيه نصف البشرية في انتظار النصف الآخر. »…هكذا أنهى « عوتو  » وساوسه المرضية وفضوله المسرف كأنه الفتح المبين المنقذ من ضلال القلق والتهويل ومنطق الحرب.
محمد امباركي
وجدة 11 أبريل 2020

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *