Home»National»النموذج التنموي: ميلاد مزرعة مستحيلة

النموذج التنموي: ميلاد مزرعة مستحيلة

3
Shares
PinterestGoogle+

رمضان مصباح الادريسي

الى لجنة النموذج التنموي الجديد:
لا شك أن عملكم سيكون شبيها بهذا الجهد الجبار السيزيفي الذي بذله بطل هذا المقال /الشريط في صحراء المنقوب ليزع فيها جنة فيحاء.
نموذج تنموي جديد ينسخ قديما ،لم يحاسب أحد على فشله؛وقد يوكل تنزيله الى نفس الأشخاص/الأحزاب.
لقد صارع مصطفى كاكا الصحراء والعطش والذئاب والثعالب،ولهذا أفلح.
وما دمتم فضلتم الحوار التنموي الهادئ على الصراع،فضمنوا خططكم ملاحق تحدد شروطا صارمة للتنزيل ؛حتى تظهر فعلا مشاتل للأمل.
وكلي ثقة في كفاءتكم ..
رغم مرور السنين العديدة على نشر هذه التجربة الفريدة ،فإنها لم تفقد راهنيتها ؛وحبذا لو اتخذت لبنة في نموذجكم.
آخر الأخبار من منطقة المنكوب تتحدث عن مزارع مستحدثة تفوق الخمسين ،محاكاة لمصطفى كاكا.

يقول الخبر الصحفي:
“ »مشتل الصحراء” كان الفيلم الوثائقي الذي أعطى انطلاقة لفقرات المهرجان، وهو حكاية عن ثمرة لقاء بين مغربيين، أحدهما يعيش في فرنسا، والثاني يعيش بصحراء منكوبة تسمى “المنكوب” وتعتبر إحدى أفقر مناطق المغرب، أما الفكرة الأساسية للفيلم فتتناول رفع التحدي لإنشاء مشتل الأمل وسط الصحراء حتى لا يخضع قرويو المنطقة لحلم الهجرة نحو الخارج، الفيلم و رغم بساطته التصويرية والإبداعية استطاع أن ينتزع إعجاب و ابتسامة الجمهور الذي ثمن تحدي و إصرار مصطفى كاكا ومصطفى عفيف.. »
ياسر الخلفي: نبراس الشباب 11.11.2009
أخيرا يصل « مشتل الصحراء » إلى القناة المغربية الثانية:
يصل – وان متأخرا- ؛وبين يديه الجائزة الثانية لمهرجان الفيلم الوثائقي ،المنظم بأكادير في التاريخ المذكور.
ومن يعرف مصطفى كاكا يدرك أن مثل هذه الجوائز لم تكن واردة أبدا في صراعه ؛ وهو يواجه قساوة الطبيعة:  » طاو ثلاثا عاصب البطن مرمل * بصحراء لم يعرف بها ساكن رسما » ؛كما يقول الشاعر عن شبيه له من زمن آخر.
ولما كان المعروف لا يذهب « بين الله والناس »؛ فقد كان مصطفى عفيف ؛وهو عامل مغربي مهاجر بالديار الفرنسية ،صلة الوصل التي جعلت القناة الألمانية الفرنسية تنتقل الى بلدة « المنكوب » ؛من اقليم فكيك ؛لتعاين « مشتل الأمل » وتنتج شريط « مشتلRTE الصحراء » الذي لم يعرض إلا مؤخرا بقناتنا الثانية ؛رغم أن شبابنا هو المعني به ،أساسا،وليس الشباب الألماني والفرنسي.
من هو مصطفى كاكا؟
يحدثني خاله ،وملهمه، الأستاذ محمد هكو ؛رجل التربية المتقاعد ،عن شاب طموح ،يبدو أن نظامنا التربوي أخطأ تفعيل طاقاته ،ولهذا لم يكمل تعليمه ؛وربما لهذا السبب احتفظ يملكانه التدبيرية كاملة ،وعناده البناء ،وإصراره على تحدي الصعاب .
راوده ،كحال شبابنا،حلم الهجرة ؛خصوصا ومدينة بوعرفة على ما هي عليه :منطقة طاردة ؛لا زرع بها ولا ضرع ولا عجلة تدور. كانت الهجرة الأولى صوب الشرق ،وصولا إلى ليبيا ؛حيث قضى بضع سنين.
عاد إلى بلدته بقليل من المال،وبالكثير من الذكريات السيئة عن ليبيا القذافي ؛وحرص خاله،وهو من طينة متميزة من المثقفين،أن ينقل إليه حلمه في إنشاء ضيعة صغيرة ،بمنطقة نائية ؛ونقل إليه – وهو التربوي المتمرس- منظومة كاملة من القيم ؛التي لا تشتغل عليها –مع كامل الأسف- برامجنا التعليمية: قيمة العمل اليدوي،الاعتداد بالنفس،المبادرة،الابتكار،الصبر على المكاره…..
البدايات:
كل واقف على بدايات مصطفى ،في مشروع »مشتل الأمل » لا بد أن يستحضر قول الله تعالى :
 » ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون  »
سورة إبراهيم 37

حل مصطفى بمنطقة »المنكوب » البعيدة عن مدينة بوعرفة بحوالي خمسين كيلومترا، جنوبا في اتجاه الراشدية ؛حيث اقتنى قطعة أرض بخمسمائة درهم للهكتار.تقريبا « ببلاش » كما يقول أهل الكنانة؛مما يؤكد أن الأرض من النوعية المعتبرة بدون قيمة ؛أو مما لا ينبت غير السدر والحرمل.
ولما كان المبتدأ والخبر،في الحياة كلها، هو الماء، شمر الرجل على ساعديه ،وصمم أن يصل إليه حيث هو في أغواره أو يهلك دونه ؛ويقول لسائليه المستغربين لحاله :
« أحاول ماء أو أموت فأعذرا ».
لا يهتم مصطفى للأيام والليالي ،وللزمن وهو يعبره ؛فيما يعبر ؛وحيدا في قفراء ،كل ضربة فأس تقربه من الميلاد؛ إذ الميلاد – كما في قصة الخلق كله- يبدأ مع الماء : »وكان عرشه على الماء » « وجعلنا من الماء كل شيء حي ».صدق الله العظيم.
وفار الماء:
تسبقه دموع مصطفى ،ونبض فلبه المتسارع ،وهو يعاين رطوبة الأرض المتزايدة ؛ثم وهي تصير وحلا ،رويدا رويدا؛ثم ضربة أخرى وأخرى فإذا به ينبجس.نعم الماء ،معلنا ميلاد حياة.
من يفرح مع مصطفى في هذه الفيافي ؛التي انقطعت حتى الثعالب والضباع عن ارتيادها منذ زمن؟
لا بأس فليفرح معه فرحه ؛ولم لا حتى فأسه وعرقه.المهم حيث يوجد مصطفى الآن يوجد معه الماء؛وما تبقى تفاصيل ؛كتفاصيل نهاية الأفلام الهندية؛ بعد أن ينتصر الخير على الشر ؛ويستعيد كل ما مسخه الساحر جمادا سيرته السعيدة الأولى.
ينتبه الرجل إلى قوة الرياح ؛بل حتى عويلها ،وكأنه أصوات الأزمنة الغابرة تبكي مجدها البائد ؛ثم يفكر بعقله الميكانيكي الذي كونه في ليبيا: لم لا أجرب تسخير هذه القوة الطبيعية لا ستخراج الماء،بدون عناء ؟بدون محرك غال ثمنه وبنزينه؟
ترتسم في ذهنه صورة مروحة كبيرة قائمة على دعائم حديدية ؛ويتخيل القوة الريحية وهي تدير العجلة ؛ويكاد يسمع خرير الماء وهو يفور ؛صاعدا ،رقراقا،من غوره السرمدي.
بعد أن نزل به الحفر إلى أسفل فأسفل؛ هاهي الحدادة ترفعه إلى الأعلى ثم الأعلى. إسراء ومعراج فلاحي ملحمي؛ لا شاهد عليه غير مصطفى ؛وهذا الورش الترابي الحديدي الذي رواه بعرقه.
ورش يلوح في عمق الصحراء »كباقي الوشم في ظاهر اليد ».
ها هي ذي مروحة الهواء منتصبة على قوائمها ،وهي تبدو في ليل « المنكوب » كحيوان خرافي.
يقبل بعض من في الجوار البعيد ؛بعد أن تناهى إلى علمهم خبر الماء ؛وخبر الشاب مصطفىالذي ينتظر ،بفارغ الصبر ،عواصف الصحراء القوية ليجرب ما صنعت يداه؛وكأنه نبي الله نوح إذ صنع الفلك ،وطفق ينتظر أمر الله والطوفان.
بداية المشتل:
مصطفى الآن،وبعد شهور عن ميلاد الحياة في « المنكوب » ثالث اثنين:الماء والمروحة؛في أرض بدأت الخضرة تدب فيها شيئا فشيئا ؛يراها الناس ، ويرجعون البصر كرتين ،ثم يمسحون ما بعيونهم من قذى لتتضح الرؤية أكثر.وينقل القريب الخبر للبعيد:
إنها هي؛ طلائع غلال فلاحية ،من حبوب وذرة ولفت و كمون ؛بين شتائل أشجار آخذة في النمو.
من قال إن قدر « المنكوب » أن يظل منكوبا؟
وبين موسمي كد وجد يتزوج مصطفى ليكمل دينه:يتزوج مضيفا اللبنة الناقصة إلى معماره ؛فتكون نعم الزوجة الصابرة المضحية .
ويولد له الابن الأول ؛كما تولد له خرفان تتلوها خرفان ؛ويظهر الابن وهو يلاعب خروفا ؛وكأنه يعلن جهارا : »حرفة بوك لا يغلبوك ». هذا الشبل من ذاك الأسد…
وسيرا على نهج نبينا إبراهيم عليه السلام يشرع،بدوره، في بناء بيت لله :رويدا رويدا ،بفضل سواعد الجيران الذين وثقوا في مصطفى،يكتمل مسجد في منتهى البساطة ؛كمسجد الرسول صلى الله عليه وسلم.
بئر، مروحة ريحية ، مزرعة جنينية ومسجد يلتئم فيه،للصلاة، شمل قرويين كادحين، سمر وشعث ؛قادمين من بعيد .
وهل يتأخرون وقد أذن مصطفى ولا أحد غيره.؟أيتخلفون عن شاب أنطق الصحراء ماء ونماء؟
ثم ينتصب للإمامة متذكرا محفوظاته الشرعية القديمة ؛مستلهما من حاجيات مأموميه اليومية مواضيع خطبه:حدثهم في الشريط عن الزواج وحض الشباب على التزوج درءا لمفاسد خلقية وصحية ومنها السيدا .ثم تحدث في فرصة أخرى عن العلاقات الزوجية داعيا إلى « الرفق بالقوارير ».
ثم يكتمل المشهد ببناء مصطفى ،ومعاونيه،لروض أطفال لم تحلم به المنطقة قط . هاهم طيور الصحراء – أو سرب القطا- بين يدي فتاة من الجوار ،وقد تطوعت للتدريس .
عقل واحد واشتغالات شتى ؛مزرعة تلد مزرعة: فلاحية ،روحية،وتربوية ؛ وهل فعل الأنبياء أكثر من هذا في أممهم.لله درك يا قاهر الصحراء.
ثم تنبت فكرة ورشة للحدادة ،رهن إشارة ساكنة الجوار؛فتكون لهم ،في ظرف وجيز .لا عناء بعد اليوم ولا مصاريف زائدة للتنقل إلى بوعرفة.
مصطفى الآن مزارع ،كساب،امام،مدير روض ثم حداد ؛وماذا بقي؟
السلطة تتساءل :
من أنت؟ ما مشروعك؟ من أين إمامتك وخطبك؟ لعلها اللحية التي نبتت لمصطفى ؛هو الذي لا يعرف غير الإنبات.
أنا ما ترون، فهل خرقت قانونا؟
يضطر إلى الاتصال بالمجلس العلمي لفكيك ،فيحصل فعلا على ترخيص بالإمامة؛هو الذي يستحق أيضا دبلوم هندسة وميكانيك؛ودبلوما في السوسيولوجيا ؛ودكتوراه الدولة في الصبر والطموح.
يتحدث قروي من الجوار فيقول: جاءني أصحاب الفلاحة، وطلبوا رخصة البئر.عجبا بئري تعود الى عشرات السنين فكيف أبحث لها عن رخصة الآن.
مآلك السجن إن لم تفعل :الله الله أخيرا جاءت الدولة لتقودني إلى السجن ؛ما أسعده من يوم.الدولة ستأخذني من هذه البيداء. يضحك الرجل يضحك مصطفى عن تصرف موظفين بلهاء؛لا يفقهون في شظف الصحراء وشقاء السواعد .
ويصل شبان فرنسيون:
ليعاينوا « مشتل الصحراء »؛ بغير عيون السلطة؛ يقضون أياما ،في ضيافة مصطفى ؛ينخرطون مع الأسرة في معيشها اليومي أياما؛ثم يغادرون والدموع في عيونهم ؛فمن يتعرف على مصطفى يصعب عليه فراقه.
انه يخدم الوطن ،من زوايا شتى ؛آخرها تعجز عنه مندوبية كاملة للسياحة.
وهو يصر ،في الشريط،كما في الواقع،على إقناع الشباب بأن حفر ما تحت الأقدام ؛في الوطن ،وان قسا،أفضل من مغامرة الهجرة إلى المجهول ؛وان أثمرت.
يبقى أن تكافئ الدولة هذا الرجل ،ليس بريع بل بمساعدته على خدمة قرية « المنكوب » الجنينية؛فهو يقول: لو كان بوسعي ادخال الكهرباء لفعلت ؛ولو كان بوسعي بناء المدرسة لما بخلت ؛ولو كان تعبيد الطريق،مما يستطيعه الفرد لبدأت ؛تماما كما فعلت في أول يوم لي بالصحراء.
طوبى للصابرين المثابرين.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *