من المثير للسخرية محاولة احتكار العلمانيين للديمقراطية وتسمية أنفسهم بها
من المثير للسخرية محاولة احتكار العلمانيين للديمقراطية وتسمية أنفسهم بها
محمد شركي
مرة أخرى ينشر العلماني سعيد لكحل مقالا تحت عنوان : » تحالف لإنقاذ البلاد من قبضة الإسلاميين » حمل فيه كعادته على الإسلاميين في الوطن العربي عموما ، وفي المغرب على وجه الخصوص . ويبدو من خلال عنوان المقال كأن الإسلاميين في المغرب قد وصلوا إلى السلطة عن طريق انقلاب عسكري على طريقة السيسي في مصر ، ولم يصلوا عن طريق اللعبة الديمقراطية التي يحاول هذا العلماني أن يجعلها حكرا على تياره دون غيره من التيارات خصوصا التيار الإسلامي .
ومعلوم أن كل الذين يدعون الديمقراطية في العالم بدءا بمن يوجدون في الغرب الذي يدعي أنه هو من أرضعها ألبانه ، وأنه الوصي الشرعي عليها، وانتهاء بأذنابهم في الوطن العربي يكفرون بها حين توصل الإسلاميين إلى السلطة وإلى مراكز صنع القرار ، ويتهمونهم بأنهم أعداؤها ، وأنهم إنما يستغلونها من أجل الوصول إلى السلطة ثم يتنكرون لها بعد ذلك على حد زعمهم . وهذا يعني أن التيار العلماني لا يعترف إلا بديمقراطية توصله هو دون الإسلاميين إلى السلطة ، وهو أمر مثير للسخرية.
ومما جاء في مقال العلماني سعيد لكحل قوله :
» قيادة الدولة تحتاج كفاءات حقيقية وخبرات واسعة يفتقر إليها الإسلاميون الذين لا يتقنون سوى الخطب الدينية والمواعظ ، لذا مكانهم المناسب هو المسجد وليس رئاسة المجالس الترابية والحكومة » .
هذه العبارة تختزل كل ما يكتبه وينشره هذا العلماني أسبوعيا منذ زمن طويل ، وتعكس افتقاره إلى موضوعية في الحكم على الإسلاميين ، كما تعكس نظرته الدونية إلى الخطب والمواعظ والمساجد التي يراها مكانا مناسبا للتيار الإسلامي وهو ما يعني إقصاءه تماما من حقه في تدبير شأن وطن هو جزء منه إن لم يكن الأغلب فيه بينما يرى المكان المناسب لتياره العلماني هو المجالس الترابية والحكومة ، ويجعل الكفاءة والخبرة قاصرة عليه وحده . ولو قيست كفاءات وخبرات التيار الإسلامي بكفاءات وخبرات التيار العلماني في كل المجالات لرجحت كفة التيار الإسلامي، ولكن النعرة العلمانية تضرب غشاوة على أعين دعاتها فهم يبصرون ، ولا يقرون بحقيقة ولا بواقع .
وخلافا للواقع يزعم هذا العلماني أن فوز الأحزاب الإسلامية في الوطن العربي بعد ثورات ربيعه كان سببه هو تفرقة سادت ما سماها أحزاب ديمقراطية ، وهو بهذا يجعل الديمقراطية حكرا عليها وحدها دون غيرها إلى جانب انصراف أنصارها عن التصويت مقابل تجمع الأحزاب الإسلامية وإقبال أنصارها على التصويت . وواضح أن هذا التحليل بعيد عن الحقيقة لأنه لم يكن بعد ثورات الربيع العربي ما يجعل الشعوب العربية تقاطع التجارب الديمقراطية وقد سقطت الأنظمة الفاسدة وانهارت بل كان الأمر عكس ذلك، لأن هذه الشعوب كانت تواقة إلى تغيير أنظمتها ، وهو أمر يقتضي الإقبال على الانتخابات وليس مقاطعتها .
والحقيقة التي يريد سعيد لكحل التمويه عنها هو أن تياره العلماني في الوطن العربي لا يمثل إلا نسبا في منتهى الضآلة ، وصدق الإسلاميون في تونس إذ سموها نسب » صفر فاصلة « . وما لا يريد هذا العلماني الإقرار به هو وأمثاله من العلمانيين في الغرب وفي الوطن العربي أن الشعوب العربية الثائرة في ثورات ربيعها على الأنظمة الفاسدة لما أتيحت لها فرص إجراءات انتخابات حقيقية لأول مرة راهنت على الإسلام للخروج من ورطة الفساد السياسي والاقتصادي والاجتماعي ،فاختارت التصويت على الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية بعدما جربت غيرها من الأحزاب الليبرالية والاشتراكية أواليمينية واليسارية التي كانت هي سبب استشراء الفساد بكل أنواعه في طول وعرض الوطن العربي .
ويقفز العلمانيون عمدا على حقيقة فوز حزب الجبهة الإسلامية للإنقاذ في الجزائر بالانتخابات التي أجريت على إثر حراك الشعب الجزائري وثورته على الفساد وهو أول ربيع عربي في نهاية القرن الماضي قبل الربيع الثاني في بداية هذا القرن ، وهو فوز أجهزت عليه العلمانية الغربية الوصية على الديمقراطية في العالم والتي أوعزت إلى العسكر في الجزائر بالانقلاب على أول تجربة ديمقراطية في الجزائر بعد فترة طويل من الحكم المستبد . ولم يعط حزب الجبهة الإسلامية للانقاذ فرصة قيادة الجزائر لحظة واحدة بالرغم من حصوله على ما يزيد عن أحد عشر مليون صوت ، وهي أغلبية لا مثيل لها ،وكان ذلك بذريعة الخوف على الديمقراطية التي قيل أنه سيستغلها هذا الحزب على حد زعم العلمانية الغربية للوصول إلى الحكم .والواقع أن هذه العلمانية لها مصالح خافت عليها من حزب إسلامي ينشد إخراج البلاد من هيمنتها ومن استغلال مقدراتها . ولم يمهل هذا الحزب لتعرف طبيعة تجربة حكمه ، وقد نصح يومئذ المرحوم الحسن الثاني الانقلابيين في الجزائر بإمهاله عسى أن يفشل، فيثبت فشله عوض حرمانه من فوز مستحق عن طريق انقلاب عسكري دموي .
وما حصل لحزب الجبهة الإسلامية للإنقاذ في الجزائر في أول ربيع عربي حصل لحزب الحرية والعدالة المصري في ثاني ربيع حيث لم يمهل حكم البلاد إلا قليلا، فأجهز عليه ايضا الجيش بانقلاب عسكري دموي قاده السيسي بإيعاز من الغرب العلماني الذي باركه وبتمويل خليجي ، وكان ذلك توجسا من الغرب العلماني ومن الأنظمة الفاسدة التي خشيت من نفس المصير الذي لحق أنظمة انهارت أمام ثورات الشعوب العربية . وكان الانقلاب العسكري على أول تجربة ديمقراطية في مصر سبقتها مهازل انتخابية من قبل إيذانا من الغرب العلماني بإجهاض كل التجارب المماثلة في الوطن العربي ، فتحولت بموجب ذلك ثورات الشعوب العربية في بعض البلدان إلى فوضى وحروب أهلية بسبب تحريك الثورات المضادة المدعومة من قبل أنظمة عربية فاسدة ، كما تم التضييق على بعض التجارب الديمقراطية من خلال تشويه تجربة حكم الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية بغرض استعداء من اختاروها عليها .
والحقيقة التي يريد خصوم الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية من العلمانيين داخل الوطن العربي غض الطرف عنها أيضا هو أن هذه الأحزاب أفضى إليها الحكم وبلدانها تعرف خرابا اقتصاديا بسبب الفساد السياسي الذي كان وراء اندلاع ثورات الربيع العربي ، ولم يكن بالإمكان معالجة هذا الخراب بيسر وسهولة خصوصا وأن في بعض تلك البلاد يشار إلى ما يسمى بحكومات ظل من بقايا الفساد الممسك بزمام الأمور ، والذي لم يدخر جهدا في توريط تلك الأحزاب في تدابير من شأنها أن تستعدي عليها من راهنوا عليها للخروج من وضعية الخراب . ومعلوم أنه لو كانت أحزاب أخرى مكان هذه الأحزاب ذات التوجه الإسلامي ما كان بإمكانها أن تجد مخرجا من هذا الخراب ما دامت بقية من آثار الفساد الذي توارى عن الأنظار لكنه لم يزل ولم يختف تماما.
ومن الموضوعية أن يتم الإقرار بأن فشل الأحزاب ذات التوجه الإسلامي إذا لم يكن في الأمر تعمد إفشالها كما يسود بعض الاعتقاد لدى البعض لا يختلف عن فشل أحزاب سبقتها وقد جربت وتبين فشلها ، ولو كانت تجاربها موفقة لما دعت الضرورة إلى اندلاع ثورات الربيع العربي. وإذا سلمنا بفشل تجارب الأحزاب ذات التوجه الإسلامي كغيرها من التجارب السابقة الفاشلة لأحزاب ذات توجهات أخرى يمينية ويسارية ، فالمؤكد أن الفساد ما زال ضاربا أطنابه ولما يزل بعد ، ولا نجاح لحزب مهما كان والوضع على ما هو عليه .
وأخيرا نختم بالقول إنه من المثير للسخرية أن يحاول التيار العلماني احتكار الديمقراطية التي هي لعبة فوز أغلبية . ولن تضفي تسمية هذا التيار نفسه بالديمقراطي شرعية ولا مصداقية، وعليه أن يثبت ذلك عن طريق الصناديق الزجاجية الشفافة حقيقة لا مجازا حين يخرج من وضعية » صفر فاصلة » على حد قول إخواننا في تونس ، ويكون هو من يمثل الأغلبية، ولن يكون ذلك في بلاد الإسلام حتى يلج الجمل في سم الخياط .
Aucun commentaire