ما حق اللغة العربية على المغاربة في يومها العالمي؟
بسم الله الرحمن الرحيم
ما حق اللغة العربية على المغاربة في يومها العالمي؟
كثيرة هي الأيام المسماة عالمية، حتى لا يكاد يخطر على البال شيء في الأرض ولا في السماء إلا خُصص له يوم عالمي، فتجد يوما للأرض، ويوما للشمس، ويوما للبيئة، ويوما للمحيطات، ويوما لحقوق الإنسان، ويوما للمرأة، ويوما للشباب…، ولم يُستثن من ذلك حتى الكذب حيث يُعتبر الفاتح من أبريل يوما « للكذب الأبيض » حتى وإن لم يكن ذلك بشكل رسمي، وتمتد هذه الأيام لتشمل اللغات إذ خُصِّص لكل لغة من اللغات المعتمدة لدى الأمم المتحدة يوما عالميا للاحتفال بها، من بينها اليوم العالمي للغة العربية.
وإذا كان اهتمام الأمم بهذه الأيام تتحكم فيه مجموعة من الخلفيات والاعتبارات أهمها القضية المُحتفل بها وقيمتها الاعتبارية التي تختلف باختلاف طبيعة مجتمعات هذه الأمم، والتوجُّهات المتحكمة في مسارها، علما أن هذه التوجهات إنما هي عبارة عن مُحصِّلة مجموع التفاعلات الداخلية التي تَحدُث بين مختلف شرائح المجتمع، والتأثيرات الخارجية المتمثلة في الضغوطات الاقتصادية والعسكرية من جهة ومجموعات الضغط المتمثلة بالنسبة للمغرب في التيار العلماني الفرنكفوني والتيار الأمازيغي المتطرف وتيار المطالبين بالتدريج مرورا بمختلف الجمعيات الممولة من جهات أجنبية معلومة.
من هذا المنطلق، سنحاول تسليط الضوء على الأهمية المفروض إيلاؤها للغة العربية وللاحتفال بيومها العالمي عندنا، من خلال الوثائق الرسمية، ومن خلال طبيعة المجتمع المغربي، ومقارنتها بالأهمية الفعلية التي يجسدها الواقع المعيش.
فإذا رجعنا إلى الدستور الذي هو أسمى هذه الوثائق الرسمية نجد أنه بَوَّأَها مكانة الصدارة عندما نص على أنها هي اللغة الرسمية الأساسية للبلاد، وأن الإسلام دينُ الدولة، وإذا نظرنا إلى طبيعة الشعب المغربي نجد أنه يَدين بالإسلام، مما يتبين معه أن مكانة الصدارة هذه لم تعط لها اعتباطا، وإنما هي مسألة وظيفيَّة، على الأقل في جانبها العقدي، لأن بدونها لا يمكن للمجتمع المغربي المسلم أن يفهم النصوص القرآنية والحديثية الفهم الصحيح المتمثل في تبني الوسطية والاعتدال، ونبذ الغلو والتطرف من جانبيه، سواء تعلق الأمر بالتشدد في الدين، أو بالتساهل فيه إلى حد التطبيع مع الفاحشة والشذوذ بكل أشكاله مما يسيء للإسلام والمسلمين على حد سواء.
انطلاقا من تنصيص الدستور بصريح العبارة على أن الإسلام هو دين الدولة فإن الوظيفة العقدية، دون غيرها من الوظائف الثقافية والعلمية والتاريخية، كافية لإيلاء اللغة العربية كامل العناية حتى تتمكن من النهوض بهذه الوظيفة على الأقل، إلا أن الواقع يبين أن الأهمية الفعلية التي تحظى بها لا تتناسب مع مركزيتها في الحفاظ على هوية المغاربة وعلى ثوابتهم، وما إقبار أكاديمية اللغة العربية وفرض اللغة الفرنسية منذ السنوات الأولى من التعليم، وفرنسة المواد العلمية إلا أمثلة على غمط حقوقها، بالإضافة إلى الحملة الشرسة التي تتعرض لها من قبل بعض المأجورين المتبنين للدارجة من جهة، والأمازيغية من جهة أخرى حيث يلتقي الطرفان في تحميل العربية ما هي بريئة منه براءة الذئب من دم يوسف، ففي الوقت الذي تُصرح فيه الفئة الأولى تَقِيَّةً وخِداعا بأن إدراج الدارجة سيساعد على تعلم العربية الفصحى وتجاوز الصعوبات التي تتخلل تعلمها، يعلن بعض المنتمين إلى الفئة المتمزغة صراحة بأن العربية ليست إلا لغة مستعمر لا يختلف عن أي مستعمر آخر، مما يتعين معه محاربة كل ما له علاقة بالعرب والعربية، ويبقى الهدف المشترك بين الفئتين هو محاربة الإسلام الذي لا يمكن أن تقوم له قائمة بدون إتقان اللغة العربية، وما التناقضات الملاحظة في مُعامَلات عدد من المسلمين المغاربة إلا نتيجة لجهلهم بأهم آلية من آليات استيعاب مضمون الدين الإسلامي.
إذا كان هذا هو حال اللغة العربية، فلا يمكن أن نتصور أن الاحتفال بيومها العالمي سيكون أكبر حضا وأحسن حالا، ذلك أن مُناهضي الدين الإسلامي واللغة العربية يبذلون كل ما في وسعهم للتشويش على هذا اليوم باختلاقهم مشاكل وهمية هدفها صد المغاربة على استثمار محطة الاحتفال هذه، للتذكير بأهمية هذه اللغة في حياة المغاربة وبدورها الجوهري في لمِّ لُحمة مختلف مكونات المجتمع المغربي وشرائحه. ومن بين هذه الاختلاقات، التي تزامنت مع هذا اليوم، على سبيل المثال لا الحصر، مطالبة عضو من البرلمان رئيس الحكومة بإقرار رأس السنة الأمازيغية عيدا وطنيا ويوم عطلة مؤدى عنها، وتنظيم المسمى مركز تنمية الدارجة لندوة مغاربية بالدار البيضاء، دعا خلالها عيوش إلى توحيد الدارجة بالمنطقة المغاربية، مع العلم أن هذا المطلب صعب التحقيق حتى على مستوى المغرب، ومطالبة أحد المداومين على الكتابة في جريدة هسبريس الإلكترونية بتنظيم الآذان من خلال اشتراط مجموعة من الشروط يتبين من خلال فحصها أن المطلوب المعلن هو الاستغناء عن مكبرات الصوت بينما الممطلوب المضمر هو حذف الآذان، من خلال تقمصه دور المدافع عن راحة سكان الأحياء الشعبية، بينما الحقيقة أنه يمثل طبقة معينة ينزعج المنتمون إليها من الآذان على الرغم من قلة المساجد في الدار البيضاء أين يصعب على غير القاطنين بها العثور بيسر على مسجد لأداء صلاة من الصلوات المفروضة.
لو أردنا أن نعدد العراقيل التي يختلقها مناوئوا اللغة العربية لما استطعنا الإحاطة بها لكثرتها، وهذا أمر متوقع، إلا أن غير المتوقع هو الاهتمام الباهت بهذا اليوم من قبل المعنيين المباشرين باللغة العربية، كما هو الشأن على سبيل المثال لا الحصر بالنسبة للمجالس العلمية ومنابر الجمعة، مع بعض الاستثناءات، حيث يفترض في وزارة الأوقاف أن تُصدر مذكرة لهذا الغرض على غرار المذكرات التي تصدرها في مناسبة وغير مناسبة تحظ حتى لا أقول ترغم الخطباء على إعداد خطب في موضوع المناسبة، فما المانع والحالة هذه من إصدار مذكرة تدعو المجالس العلمية للقيام بأنشطة في الموضوع، وتحث الخطباء على تنوير المصلين بأهمية هذه اللغة وحثهم على تعلمها وتعليمها للأطفال خاصة، وذلك بالتركيز على حفظ القرآن الذي يعتبر أهم خزان على الإطلاق للكلمات العربية التي بدونها سيبقى الباب مشرعا أمام عيوش ومن معه بالصيد في الماء العكر للداورج والأمازيغيات، بغية معادات اللغة العربية والارتماء في أحضان الفرنكوفونية التي تهدف بدورها إلى تجريد المغاربة من هويتهم العربية الإسلامية واستعدائهم على ثوابتها، وهو ما لن يتحقق لهم بإذن الله لأن بقاء العربية مرتبط أكثر من أي شيء آخر بالقرآن الكريم الذي وعد الله بحفضه حيث قال: « إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (الآية 9 من سورة الحجر) صدق الله العظيم.
الحسن جرودي
Aucun commentaire