في ذكرى اليوم العالمي للاعنف
أحمد الجبلي
المسدس المعقود، هو أفضل شعار اعتمد من طرف هيئة الأمم المتحدة، هذه السنة، للتعبير عن اليوم العالمي للاعنف، ولكنه شعار يجعلنا نسائل الوضع والواقع العالمي والعربي تحديدا، أي إذا كان هذا هو المطلوب، أي: تنزيل شعار اللاعنف في جميع ساحات العالم، فلماذا لم تعقد المسدسات التي لازالت طليقة تقتل وتبيد شعوبا عربية بكاملها كالشعب الفلسطيني والعراقي والسوري واليمني والليبي؟
قبل أن يتحقق انفصال منطقة كاتالونيا عن دولة إسبانيا قام المنتظم الدولي بعقد المسدس ليمنع الانفصال لأنه لا يريد أن ينفصل جزء ولو بسيط من بلاد العم السام، حتى لا تراق الدماء لأنه في حاجة إلى كل قطرة دم لمواجهة ما يسميه وَهْما الحرب الحضارية مع السارازان.
إن منطقة كاتالونيا ليست هي المنطقة الوحيدة التي رفض الغرب أن تنفصل عن بلادها، وبالتالي عمل على تحقيق عملية عقد المسدسات حتى لا تسيل شلالات دماء الإنسان الأشقر لكونه غال ونفيس يختلف اختلافا كبيرا عن الإنسان العربي ذي العيون السوداء والشعر الأجعد، أو الإفريقي ذي البشرة الداكنة والذي لازال يُنظر إليه كإنسان متخلف يدور حول النار ويجري في الغابات ويطارد الأسود والضباع.
إن اسكتلندا رغم الزواج الكاتوليكي المبرم بينها وبين انجلترا والذي دام لأزيد من ثلاثة قرون، إلا أنها لا تزال تسعى لمزيد من الحكم الذاتي، ولازال الحزب الوطني الاسكتلندي يطالب بالحكم الذاتي الكامل حيث أن لديهم بالفعل برلمان خاص بهم. وفي عام 2014 وافقت لندن على تنظيم استفتاء مستقل من أجل تحديد مصير الاتحاد، حيث صوتت غالبية الاسكتلنديين ضد الانفصال. إلا أن نتائج البريكست البريطاني عام 2016، وما تبعه من مطالبة بريطانيا بالانسحاب من الاتحاد الأوروبي، أثار النزاع مجددا بين إسكتلندا الراغبة بالبقاء في الاتحاد الأوروبي وبين بقية المناطق البريطانية الراغبة بالانفصال. وهناك توجه في الإقليم لإجراء استفتاء ثان لتحديد مصير الروابط المستقبلية. ونحن على يقين من خلال استقرائنا للواقع الغربي وانطلاقا من أحداث التاريخ واستجلاء لمنظومة التفكير التي صنعها الإنسان الأوربي والتي جزء منها تمزيق الآخر وتقسيمه والعمل على الحفاظ على الوحدة الداخلية وتقويتها، لإيمانه بحتمية الصراع في إطار ما يسميه صراع الحضارات، نستطيع أن نجزم القول بأن المنتظم الغربي لن يسمح بانفصال أي منطقة عن بلادها.
أما بلجيكا، فقد وجدت نفسها منذ استقلالها عن هولندا سنة 1830 مقسمة اجتماعيا وسياسيا بين القومية الفلمنكية القريبة إلى الهولندية واللاتينية التي تتحدث بالفرنسية، ويعتقد السياسي البلجيكي صاحب التحالف الفلمنكي بعد انتخابات 2014 بارت دي فيفر أن بلجيكا بشكلها الحالي تسير نحو الزوال، ويقصد بذلك الانفصال، وإذا تم الانفصال يقول: ستفقد بلجيكا أكثر من نصف سكانها، ونحن نقول هل سيسمح الاتحاد الأوربي بأن تنقسم بلجيكا وهو يتخذ من أكبر مدنها عاصمة له؟
أما إيطاليا، فهي الأخرى كان من الممكن أن ينفصل عنها جزء مهم اقتصاديا وماليا وهي منطقة الشمال على اعتبار أنها منطقة بها حركة انفصالية سمت نفسها حركة « بادانيا »، وقد نادت باستقلال الشمال لكونه يمثل الدراع الاقتصادي والمالي لإيطاليا، في حين يعمل الوسط والجنوب على تبذير المال. ولنفس السبب نادى حزب ليغا نورد بالانفصال الكامل. ولكن عملت أيادي المنتظم الدولي على عقد المسدسات وهدأت الأوضاع حتى تنعم إيطاليا بالسلم والهدوء. وقد رأينا كيف قام الاتحاد الأوربي بدعم إيطاليا ماليا إبان الأزمة المالية العالمية سنة 2008 حتى تتفادى السقوط وإحياء فكرة الانفصال من جديد.
أما فرنسا فلازالت تتوجس خيفة من استنهاض الفكر الانفصالي داخلها خصوصا في منطقة كورسيكا وبريتاني واللألزاس، ولكن شعوب العالم لا تعلم شيئا عن الحركات الانفصالية هاته ولا يتحدث عنها الإعلام كما يتحدث عن التقسيم والتشظي الذي تعرفه الدول العربية والإفريقية، وتعرفه أقاليمنا الجنوبية التي تعقد في حقها مؤتمرات وندوات دولية وتسلط عليها الصحافة الدولية أضواءها رغبة في تسجيل سبق صحفي.
إن الشعار الذي تبنته هيئة الأمم المتحدة هذه السنة والذي هو المسدس المعقود لتعبر به عن اللاعنف ما هو، في حقيقة الأمر، إلا نكتة سخيفة أو مشروع معوق يقوم على العنصرية والتمييز بين دول الشمال حيث لها الأحقية في العيش بسلام والحضوة بجمع الشمل بعملية عقد المسدسات، والجنوب الذي تسعى كل دول العالم الغربي إلى تمزيقه وتقسيمه وإطلاق مسدساته لتفعل ما تشاء في إنسان عربي أو إفريقي، غباء منه، جعل من ذاته قابلا للانقسام والتشظي.
Aucun commentaire