حول الدورة الخامسة عشرة لمهرجان ثويزا بطنجة
بسم الله الرحمن الرحيم
حول الدورة الخامسة عشرة لمهرجان ثويزا بطنجة
من المعلوم أنه تم بمدينة طنجة تنظيم الدروة الخامسة عشرة لمهرجان ثويزا أيام 26 و27 و28 من الشهر الجاري، تحت شعار « تحول القيم في العصر الرقمي »، وبما أن الدورة جمعت مجموعة من الوجوه الشاذة الذين يتم إدراجهم ضمن خانة المثقفين والفنانين المرموقين، فكان لا بد علينا حتى نفهم أهداف المهرجان وأن نطرح مجموعة من الأسئلة المنهجية على الشكل التالي:
- ورد في الإعلان أن حضور الندوات مجاني، وهذا شيء عادي لو أنها كانت تجري في الأماكن والساحات أو القاعات العمومية، أما وأنها تجري في الفنادق المصنفة، فهذا أمر آخر يُطرح معه مشكل التمويل، والأهداف المتوخاة من وراء ذلك، لذلك فإن أول مشكل يتعين ضبطه هو توخي الشفافية حتى يكون الناس على بينة من أمرهم، دون التغرير بهم.
- ما علاقة مهرجان يُنسب للثقافة الأمازيغية بهذا النوع من المواضيع التي لا تمت للأمازيغية بمختلف فروعها ولا لثقافاتها ولا لدين أهلها بأية صلة، ذلك أن استدعاء أناس غرباء عن الوطن من جهة وعن هذه اللغة وعن ثقافتها من جهة ثانية ليعلمونا « القيم » ،وما هي بقيم، التي يتعين علينا استدماجها حتى يَكسِبوا رضا أسيادهم؛ وفي هذا الصدد أريد أن أذكر أن الأمازيغ هم أكثر الناس تشبثا بقيمهم وأخلاقهم التي تربوا عليها، وأن ما هم بصدده الآن لا يعدو أن يكون عبارة عن صب الماء في الرمال، كما وقع في سنوات الثمانينيات عندما تم توقيع كتاب « الخبز الحافي » لمحمد شكري بقاعة الفن السابع بالرباط ، حيث رغم مصادفته لموجة اليسار، فإن ذلك لم يدم طويلا بل تراجع معظم ألائك الشباب المغرر بهم عن تلك الموجة التي لم تكن مبنية على أسس لا عقلية ولا دينية ولا حتى ثقافية، مباشرة بعد الخروج من تلك الدائرة المفرغة والطوباوية التي لم تعمر طويلا بعد إنهاء جل الطلبة مرحلة التعليم الجامعي والتحاقهم بمجال الشغل.
- عندما تعقدون هذا النوع من المهرجانات، نريد أن نعرف موقعكم الذي تتحدثون منه، فهل أنتم متدينون، فإذا كنتم كذلك فما دينكم؟ وإذا كنتم مسلمين، فمن المعلوم من الدين بالضرورة، دون الدخول في مسألة المحكم والمتشابه والقطعي والظني الدلالة، أن هناك أفعال محرمة كأكل الميتة وكالزنا، والإفطار في شهر الصيام دون عذر شرعي…فإذا كان الوضع المزري للأمة لأسباب ذاتية وأخرى موضوعية لا يسمح بتطبيق مجموعة من الأحكام الشرعية، فهذا لا يعني أنها أصبحت متجاوزة أو تم إلغاؤها لأنه ليس لأحد الحق في ذلك ما عدى الله سبحانه وتعالى لأنه هو منشِؤها وخالقها.
أما إذا كنتم تتحدثون من خارج دائرة الإسلام، فإننا لا نطلب منكم سوى الإعلان الصريح للدائرة التي تتحدثون منها، وهذا أمر بديهي بالنسبة لكل من يُحسب على دائرة الفكر حتى وإن كنا مختلفين، وفي هذه الحالة لا يسعنا إلا أن نقول لكم » لكم دينكم ولنا ديننا » وأن « لا إكراه في الدين » فأنتم لستم مجبرون على الدخول معنا في نفس الدائرة التي نعمل ضمنها لأن نوحد الله ونلتزم بشرعه قدر الإمكان رغم كل المعيقات التي أصبحتم تضعونها في طريقنا خدمة للتوجه العلماني الذي أصبحتم تركبونه لخدمة كل ما يحارب الإسلام بصفة عامة؛ كما أننا لسنا مُكرهين على أن نلج معكم جحر الضب الذي دخلتموه بمعية المثليين، والمفطرين علنا في شهر الصيام، ومع الذين يتحدون الله جل جلاله بإلحادهم مع أنهم غارقون في نعمه في كل لحظة وحين، حتى إذا أتاهم العذاب « يَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ (الآية 44 من سورة الرعد).
عَلَّمَنا دينُنا أن كل نفس بما كسبت رهينة، وأنه لا تزر وازرة وزر أخرى، ولكن في إطار من المسؤولية الجماعية » إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآَثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ (الآية 12 من سورة يس)، لذا نقول لكم إذا كان لمفهوم السلم الاجتماعي عندكم معنى، وإذا كنتم تؤمنون ولو بنصيب من الحرية لمخالفيكم، فدعوننا نعيش حريتنا ومعتقداتنا كما نفهمها في إطار دولة القانون الذي يتعين أن يكون هو الفيصل بيننا، أما إصراركم على إلباسنا فهمكم للحياة والدين والثقافة مستأسدين علينا، لا بشي سوى بكونية حقوق الإنسان التي تُمولها جهات أصبحت معالمها واضحة للعيان وتستهدف كل ما له علاقة بالإسلام وبخصوصيات الدول الإسلامية، مع العلم أننا نحن الأغلبية ونحن من نتمتع بالشرعية الدستورية، قلت أما إصراركم هذا فإن مآله الوحيد هو زعزعة استقرار هذا الوطن الذي يبدو في أحايين كثيرة أنه على كف عفريت لولا لطف الله، وآنذاك فلن ينجو لا مؤمن ولا كافر.
نسأل الله العافية لهذه الأمة، وأن يرد بكم إلى صوابكم بوعيكم بأن المجتمع لا يستقيم على تصور واحد ووحيد من جهة، وأن الإسلام لا يمكن استئصاله من هذا البلد الأمين، بل أقصى ما يمكن البلوغ إليه هو إضعاف التدين لدى أهله، وهذا لعمري أخطر الطرق المؤدية إلى التطرف، كما أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال الاستعانة بعدو خارجي كان بالأمس يتحكم في مواردنا المادية فقط ويريد اليوم التمكن من خيراتنا المادية واللامادية، ليكون في الأخير هو الرابح الوحيد، وفي التاريخ عبرة لمن يريد أن يعتبر.
الحسن جرودي
Aucun commentaire