دلالة الجائزة الكبرى للفرنكوفونية لسنة 2019
بسم الله الرحمن الرحيم
دلالة الجائزة الكبرى للفرنكوفونية لسنة 2019
لا زال حديثي مع أحد الأصدقاء الأعزاء يَرنُّ في مسامعي، بخصوص التوجه اللغوي الذي تسلكه أكاديمية المملكة المغربية المنحاز انحيازا تاما للفرنسية، وبخصوص المواضيع التي صارت تتناولها في الآونة الأخيرة، حيث أصبَحَتْ، على الأقل في تصوري البسيط، لا تُلبي احتياجات المجتمع المغربي من حيث البحث في المواضيع الآنية واقتراح الحلول التي تسمح بالانطلاق نحو آفاق الإبداع وتحرير الفكر، وإنما على العكس من ذلك أصبحت تسوق لفكر ذو توجه معين كما كان الشأن بالنسبة للترويج للمقاربة الخاصة لمحمد أركون لما أسماه “الفضاء المتوسطي”، وكذا الثناء والتقدير المبالغ فيه لأحد اليهود المغاربة الذي خصصت للتعريف به وبأعماله ندوةَ يومي 12 و13 يونيو 2019، حيث بلغ التنويه به إلى درجة يُعتقد معها أننا بصدد اختراع العجلة أو كروية الأرض، وفي الوقت نفسه فتحت المجال « للأنثروبولوجي الفرنسي فرانسوا كزافيي فوفيل » ليزعزع ثقتنا ببعض الأعلام الوطنية كأمثال ابن بطوطة بتكذيب زيارته للصين وروسيا، وليتم مؤخرا فتح المجال أمام المسمى « كونستون هاميس، أستاذ باحث في الأنثروبولوجيا بالمعهد العالي للدراسات في العلوم الاجتماعية والمركز الوطني للبحث العلمي بفرنسا »، لعرض نتائج « دراسته » لحوالي 30 مجلدا مخطوطا قرآنيا، أصلها من موريتانيا والسينغال ومالي وشمال نيجيريا وإثيوبيا المسلمة وكينيا…،حسب ما ورد في مقال بإحدى الجرائد الإلكترونية، ليخلص إلى أنه من بين الفروق التي وجدها في دراسته لمجموعة من « القرآنات الإفريقية » اختلافاتٌ في التَّسْفيرِ أو عدم التَّسْفيرِ…فكأنه من خلال إدراج كلمة « قرآنات » عوض مصاحف يريد أن يقرن بين القرآن والإناجيل من حيث تعددها، وهو أمر لا يستقيم ولا ينبغي لمؤسسة علمية من حجم أكاديمية المملكة أن تسكت عنه بله أن تساهم في الترويج له.
قلت ورنين هذا الكلام لا زال لم يفارق مخيلتي، حتى عثرت على خبرِ تتويجِ أمين السر الدائم لأكاديمية المملكة المغربية بالجائزة الكبرى للفرنكوفونية لسنة 2019، ومن دون أن يتقدم حتى بترشيحه حسب ما صرح به لإحدى الجرائد الإلكترونية، مما جعلني أتحرر من عقدةِ مَا كُنْتُ أظنه تَناقُضا، حيث لم أكن أستسغ التوجه المعتمد في تناولها لمجموعة من المواضيع من مثل تلك التي أشرت إليها أعلاه، وكذا الاعتماد المكثف للغة الفرنسية في مؤسسة علمية وطنية يفترض أنها الأجدر بالدفاع عن مقومات الأمة وعلى رأسها اللغة العربية المنصوص عليها في الدستور.
وإذا كان من الممكن استيعاب لجوء محاضر معين لاستعمال إحدى لغات العالم بسبب عدم إتقانه للعربية أو بسبب طبيعة الموضوع، فإنه من الصعب استساغة اعتماد اللغة الفرنسية لغة أساسية للتواصل داخل الأكاديمية حتى عند المغاربة أنفسهم. لذلك فإن الإعلان عن هذه الجائزة بالنسبة إلي كان حَلاًّ للغزٍ ظلَّ يحيرني لمدة ليست بالقصيرة، وبين لي بالملموس مدى تغلغل الفكر الفرنكفوني في مؤسساتنا، وجعلني أعي مقدار الاختراق الذي تعاني منه نخبنا ومؤسساتنا على السواء في أعلى مستوياتها. ومن ثم فلا غرابة إذا عزمتِ وزارة التربية الوطنية على الشروع في تدريس المواد العلمية باللغة الفرنسية، حتى قبل المصادقة على القانون الإطار.
في الأخير أقول لنخبنا التي يفترض أن تكون هي الِحصن المنيع ضد الاختراق والاغتراب اتقوا لله فينا، واعْدِلوا عن المسارعة في أُلائك الذين تضنون أنهم قادرون على إخراجكم من الدائرة حتى لا ينطبق عليكم قول الله عز وجل في الآية 58 من سورة المائدة: » فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ » صدق الله العظيم.
الحسن جرودي
Aucun commentaire