عشرون مارس: أهو يوم عيد أم يوم حداد؟
بسم الله الرحمن الرحيم
عشرون مارس: أهو يوم عيد أم يوم حداد؟
وأنا أتابع النشرة الإخبارية الصباحية على أثير الإذاعة الوطنية ليوم الأربعاء 20 مارس 2019، لفت انتباهي خبر الاحتفال باليوم العالمي للفرنكوفونية، وخاصة ما أورده المذيع بأن المغرب قد قرر بصفته بلدا فرنكوفونيا، الاحتفال بهذا اليوم ابتداء من 20 مارس إلى غاية 31 منه، من خلال مجموعة من الأنشطة التي ستقام بكل من الدار البيضاء والرباط وفاس ومراكش، وتساءلت مع نفسي قائلا، منذ متى اكتست الفرنكوفونية صفة العالمية؟ وإذا كانت كذلك فمن الذي أعطاها إياها؟ ثم ما قصة فرنكوفونية المغرب، وما الذي يجنيه منها إذا كان فعلا كذلك؟
الذي أعلمه هو أن اليونسكو هي التي قررت تخصيص أيام للاحتفال باللغات الست المعتمدة في الأمم المتحدة، وهي على التوالي: يوم 18 دجنبر بالنسبة للعربية، و23 أبريل بالنسبة للإنجليزية، و20 أبريل بالنسبة للصينية، و6 يونيو بالنسبة للروسية، و20 مارس بالنسبة للفرنسية، و12 أكتوبر بالنسبة للإسبانية، أما فيما يتعلق بالاحتفال بالفرنكوفونية فقد تقرر على مستوى الدول الفرنكوفونية التي يبلغ عددها 57 دولة من بين ما يقارب 200 دولة من دول العالم، مع العلم أن عدد الدول التي تُعتبر فيها الفرنسية لغة رسمية هو 29 دولة فقط، فأين صفة العالمية إذن؟. وإذا علمنا الفرق الجوهري بين الفرنسية كلغة وبين الفرنكوفونية كإيديولوجيا، فالسؤال الذي يطرح نفسه هو لماذا اختيار نفس اليوم للاحتفال بكل منهما؟ أعترف أني غيرُ ملمٍّ بالأسباب الحقيقية، لكني أرجح مسألة التمويه واستغفال الشعوب واستدراجها للانخراط في الفرنكوفونية دون التمييز بين الفرنسية كلغة لا أحد يُنكر أهميتها في التواصل بين الشعوب من جهة، وبين الفرنكوفونية من جهة ثانية كمنظومة تستهدف اختراق قيم وثوابت المجتمعات المعنية من خلال ضرب مناعتها الذاتية وزرع بذور التبعية والغزو الفكري الذي يخدم المصالح الثقافية والاقتصادية والسياسية وما شئت من مصالح فرنسا ما ظهر منها وما بطن.
وإذا كان في المتناول أن نفهم احتفال فرنسا ومعها الدول التي تبنت اللغة الفرنسية لغة رسمية، بهذا اليوم، فإنه من العسير استساغة تطبيل الإذاعة الوطنية لهذا اليوم، مبررة ذلك بكون المغرب بلدا فرنكفونيا، الأمر الذي جعلني أتساءل كيف للمغرب أن يكون بلدا فرنكفونيا والدستور بريء منها حيث ينص في تصديره على: « المغرب دولة إسلامية ذات سيادة كاملة متشبثة بوحدتها الوطنية والترابية، وبصيانة تلاحم وتنوع مقومات هويتها الوطنية، الموحدة بانصهار كل مكوناتها، العربية-الإسلامية، الأمازيغية، والصحراوية الحسانية، والغنية بروافدها الإفريقية والأندلسية والعبرية والمتوسطية »، وحتى إذا سلمنا بوجود توجهات فرنكوفونية لدى بعض المغاربة، فإن المغرب ليس حكرا عليهم وإنما هو وطن كل المغاربة، ومن ثم فإن إدراج المغرب ضمن هذه المنظومة يتعين الحسم فيه عن طريق الشعب من خلال استفتاءه، أما أن تنفرد مجموعة من الذين رضعوا لبن فرنسا وأكلوا زبدة المغاربة فهذا ليس من الإنصاف ولا العدل في شيء.
وقد يقول قائل إن هذا الأمر يدخل في إطار التبادل الثقافي، ونقول مرحبا بالتبادل الثقافي عندما تخصص الإذاعة والتلفزة الفرنسية حصصا ونشرات للترويج للغة العربية وثقافتها في يومها العالمي، وإلا فإذا كان لفرنسا أن تحتفل بالفرنكوفونية كوسيلة للانتصار للغتها ومصالحها المتمثلة في إحكام سيطرتها على مستعمرات الأمس، فما هي المصالح التي يجنيها المغرب والمغاربة منها حتى يحتفلوا بها؟ لقد كان من الأولى والأجدر أن يُعلن هذا اليومَ يومُ حداد بسبب كل النكسات التي ارتبطت بالاستعمار في صيغتيه القديمة والجديدة على السواء بسبب استماته في ضرب كل ما له علاقة بهويتنا وثوابتنا ولغتنا التي أصبحت تُحارَب في عقر دارها من قبل هؤلاء الأذناب الذين يستعملون أسلوب الترغيب والترهيب، لا لنتكلم ونُتقن اللغة الفرنسية، ولكن لترسيخ التبعية لفرنسا وثقافتها في صيغتها التافهة من خلال تجريدنا بكل ما يقوي مناعتنا وينهض بفكر النّدّية عندنا والتحرر من عقدة الدونية التي تؤدي حتما إلى التبعية والإمعة.
إن مجال الإعلام من أهم وأخطر المجالات التي تؤثر في المتلقي سلبا أو إيجابا، ومع الأسف فإن مجالنا السمعي البصري مرهون في أغلب تجلياته لدى دوائر أقل ما يمكن أن يقال في حقها هو وضع علامة استفهام كبيرة على مدى تمييزها بين ما يخدم الوطن ومقومات نهضته من جهة، وبين الترامي في أحضان المستعمر القديم ومده بالوسائل اللازمة لضرب كل ما له علاقة بهويتنا وثقافتنا الأصيلة. لهؤلاء نقول عودوا إلى رشدكم، فعزتكم في عزة بلدكم، ولا تتولوا أعداء الأمس واليوم تقربا وتزلفا لأجل مصلحة عاجلة أو خشية دائرة، فدوام الحال من المحال، والفتح لا شك آت بقدرة المنان الكريم رغم كيد الكائدين، وإذا أصررتم فإني أخشى أن ينطبق عليكم قول الله عز وجل: » فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ (الآية 52 من سورة المائدة) صدق الله العظيم.
الحسن جرودي
Aucun commentaire