Home»National»سيادة الحياء

سيادة الحياء

0
Shares
PinterestGoogle+

لم يكن أبناء باديتنا مجبرين على انتظار فصول الدراسة والكتاب لتعلم خصلة الحياء،لأنها ظلت خلقا متوارثا جعل منه الأهالي أهم مقاييس تصنيف الناس.
ولعل من أكبرتجليات قوة الحياء،أن كثيرا من الأشخاص تنازلوا عن حقوق ومواقف حاسمة لأن الأولوية لهذا الخلق النبيل الذي أسس لمجتمع محلي متماسك لأنه يحتكم إلى الأعراف قبل القانون.
وأمام ما آلت إليه الأحوال بعد الانتكاسة التي تلقاها الحياء،فإنه لا يمكن مقاومة الحنين إلى أجواء العفة التي سادت العلاقات الزوجية بصفة خاصة في بلدتنا، والتي لم تكن حالة خاصة في المجتمع المغربي.
لقد كان انتقال الشباب من الجنسين إلى مرحلة التأهل لبناء الأسرة ،يمر بمراحل عسيرة على الشريكين لا يخف ثقلها إلا بعد مرحلة متقدمة من العمر،وذلك بسبب سيادة خلق الحياء الذي يحد من حرية الأشخاص في التعبير والتصرف.
كان الراغب في الزواج من الشباب يبلغ رسائله عبر طرف ثان ممن يثق به ،ويقدر أهليته للتأثير في والديه،وهكذا يختار أحد المقربين من والديه كالأصدقاء أو الأقارب.
وعندما يصل الطلب إلى الوالدين،فإن،،المرشح،،يتحاشى النقاشات المباشرة لما يعتريه من صعوبة في التواصل الذي صنعه الحياء حتى يتحول إلى خجل قد يولد التلعثم في الكلام!
أما الزوجة المحتملة،فإنها كانت تتحاشى الحوار مع وفد،،الخطاب،،لأن موضوع الزواج أصعب من أن تخوض فيه بحرية،إلى درجة أن الحياء كان يمنعها من إعلان موقغها علانية ولو كانت لا تعارض فكرة الزواج !
كانا الخطيبان يعيشان أياما عسيرة قبل حصول الزواج بسبب تندر الأصدقاء والصديقات بين محذر ومشجع حتى ليتسلل الريب والخوف إلى نفسيهما.
عندما ينتشر خبر إتمام،،صفقة الزواج،،فإن العريس يحرص على إطالة أوقات عمله حتى لا يواجه الوالدين لأن تغيرا حاسما سيطبع حياته،حيث يتحول بدوره إلى مشروع أب !
وبالمقابل،فإن العروس،لا تجد بدا من تلقي دروس في طقوس الزواج التي تؤطرها العمات والخالات والجارات إلى جانب نظيراتها اللواتي سبقنها الى الاقتران.
ولعل أكبر تجليات الحياء،هي التي تميز حياة المتزوجين بعد انقضاء العرس.
لقد كان العريس يتحاشى لقاء والديه لعدة أيام،ويبذل ما في وسعه ليتزامن التحاقه بالبيت مع حلول الظلام حتى يخفي مظاهر الخجل التي تثقل وجهه،بينما تلوذ الزوجة بالصمت،ولا يسمع صوتها إلا إذا كان لا مفر من جواب !
كان من المعتاد ألا ينادي الزوجان بعضهمها بالاسم ،لأن الأعراف حولت ذلك إلى وقاحة لا يجرؤ أحد على مقاومتها !
ولعل الجيل القديم يتذكر المصطلحات والألقاب التي كان الزوج أو الزوجة يوظفانها في المناداة من قبيل:،،نتا،(هو)،نتاث(هي)،،آوين(آهذاك)،،آثين(آهذيك)…
وفي جميع الحالات، فإنه لم يكن من الوارد أن الرجل ينادي زوجته باسمها أمام الآخرين أو العكس، بينما قد يحصل ذلك إذا خلا لهما الجو ليتحول هذا الحق الطبيعي إلى نوع من التغزل المتأخر !
لكن الحياء يبلغ ذروته حين يحل موعد،،ثامذوولت،،(ما يطلق عليه البعض:حب الراس)،حيث أن العريس يتمثل الأمثال وهو يتأهب لملاقاة الأصهار لأول مرة !
كان البعض يفضل الاحتماء بأحد الأصدقاء من ذوي التجربة والخبرة في التواصل ليسهل عليه تجاوز امتحان تأسيس الرابطة الجديدة.
كان بعض الأصهار لا يقلون حياء عن المتزوجين الجدد،مما جعل الكثيرين يفضلون التقشف في الكلام تاركين للأيام تعبيد مسالك التواصل تدريجيا، بينما يظل الحياء ميزة تطبع العلاقات لدى البعض
الآخر إلى الأبد !
لقد لعب الحياء دورا رياديا في رسم العلاقات بين ساكنة البادية،حيث يتجاوز مرحلة الزواج ليصبح سلوكا في المعاملات.
وهكذا،كان الصغار يبتلعون ألسنتهم بمجرد أن يصادفوا رجلا أو امرأة في سن والديهم،لأن كل كلمة أو سلوك يفسر بالتطاول ،قد يعرض بطله إلى عقوبة ،أو ازدراء يرهن خياراته مستقبلا !
وبسبب ذلك، فإن الأسر كانت حريصة على أن تغرس الحياء في أبنائها،لأنه خلق تهون أمامه كل المطالب،بينما يتحول الشخص الخالي من الحياء إلى كائن منبوذ .
إن سيادة خلق الحياء في القديم ،قد حصن الأسر ،وجنبها الموبقات التي تصبح حال حصولها النادر إلى حالة شاذة،أما القاعدة فهي حرص الجميع على شيوع فضائل الحياء الذي جعله الإسلام من شعب الإيمان.
عرفت تقاليد البادية تحولات هائلة كان تراجع الحياء أحد أهم سماتها بعدما كثر المنتقدون لهذه التقاليد باعتبارها دليلا على التخلف،مما جعل الناس يتخلصون من آخر أقنعة الحياء، لنجد أنفسنا فجأة وجها لوجه مع المسخ الذي شمل كل مظاهر الحياة،حتى تساوى المنزل والشارع ،وساد الفسق بتشجيع من الإعلام الداعر الذي يقصف الإنسان على مدار الساعة !
سلام عليك أيام العفة في باديتنا ،التي تسقط آخر أوراق التوت عن عورتها ،وهنيئا لكم أيها الأزواج الذين تتسلحون بالوقاحة في مخاطبة والديكم، ورحم الله أبا تمام حين توقف عند الحياء قائلا:
لقد جربت هذا الدهر حتى أفادتني التجارب والعناء
إذا ما رأس أهل البيت ولى بدا لهم من الناس الجفاء
يعيش المرء ما استحيى بخير ويبقى العود ما بقي الحياء

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *