مآرب المغاربة في فاكهة الليمون
مآرب المغاربة في فاكهة الليمون
محمد شركي
دار بيني وبين أحد الفضلاء حديث عن فاكهة الليمون ، وساقنا الحديث ذو الشجون إلى طريقة استعمال المغاربة لها وقد حبا بها الله عز وبأخواتها فاكهة الزيتون المباركة ، وفاكهة البرتقال حوض البحر الأبيض المتوسط دون سائر البلاد كما يقال . والحقيقة أن في استعمال المغاربة لهذه الفاكهة ما يفيد وما يسلي ويفكه و ما يثيرالعجب في نفس الوقت .
ولما كانت هذه الفاكهة الإبريزية اللون ، الطيبة الرائحة ذات حموضة عالية لا تستساغ كما تستساغ مختلف الفواكه الحلوة، فإن المغاربة تفننوا في استعمالها وكان شأنهم معها كشأن نبي الله موسى عليه السلام مع عصاه حين سأله رب العزة جل جلاله عنها .
ومع أن المغاربة يشاركهم في بعض استعمالاتها غيرهم من الأمم والشعوب ، فإنهم ينفردون في بعض تلك الاستعمالات دون غيرهم .
أما ما قد يشاركهم فيه غيرهم فهو اعتصار هذه الفاكهة وتحلية شرابها ليصير سائغا للشاربين ، وقد يزين هذا الشراب بكويرات مثلجة أو ما يسمى » آيس كريم »، فيحصل بينه وبينها تناغم. ومما يشاركهم في استعماله غيرهم أيضا تعطير شارب القهوة بقطع من هذه الفاكهة ، وكذا صب عصيرها على أنواع من المأكولات سواء كانت لحوما بيضاء خاصة الأسماك أو كانت خضروات كالخس والخيار وغيرهما مما لا تمسه النار .
ويتميز المغاربة عن غيرهم في استعمالات خاصة بهم لهذه الفاكهة نذكر منها ما يلي:
ـ سكب عصير هذه الفاكهة في حسائهم ، وفي بعض أطباق البقول خصوصا الفول من أجل الحصول على نكهة خاصة ، فيقع تناغم أيضا بين هذا العصير وما يخالطه من تلك المأكولات .
ـ استعمالها مربى يتناول مع قهوة الصباح أو المساء .
ـ خلط هذا العصير مع شراب العسل للتداوي ، ومع أن الله عز وجل قد خص الشراب الخارج من بطون النحل بالشفاء ، فإن المغاربة يأبون إلا إشراك شراب الليمون معه في الشفاء، وهما على طرفي نقيض هذا حلو لذيذ ، وذاك حامض لا يستساغ . وقد لا يوافق الواحد منهم الآخر عالجه بشراب العسل وحده ، فيلّح عليه بخلطه بشراب الليمون ،الشيء الذي يعني أنهم يعتقدون بمشاركته شراب العسل في خاصية الشفاء . ولا يقتصر التداوي بفاكهة الليمون على خلط عصيرها بشراب العسل بل قد تربط قطع منها في شكل دوائر على الجباه لعلاج صداع الرأس أو للتخفيف من الحمى ، كما أن شرابها يدّهن به حرصا على نعومة الجلد أو لعلاج شقوق الأقدام أو للوقاية من أشعة الشمس أثناء الاستحمام على شواطىء البحر. وقد يخلط عصير هذه الفاكهة مع بعض الأعشاب للعلاج من نزلات البلاد منها السعتر ، وبما يسميه المغاربة » نونخة » و » فليو » وغيرهما من الأعشاب ، المهم حضور عصير فاكهة الليمون فيها وهي التي تزاحم شراب العسل في الشفاء ، فكيف لا تزاحم هذه الأعشاب فيه. وقد يستعمل عصيرها لتفتيت الحصى العالقة بالكلى . وقد يشمم ريحها للمغشي عليه ليفيق أو للمصاب بالدوار أو للحيلولة دون الروائح الكريهة الزاكمة للأنوف.
ـ إعداد فاكهة الزيتون للأكل بخلطها بعصير الليمون حيث توضع فيه لبعض الوقت حتى تغلب حموضته مرارتها فيصير سائغا للآكلين .
ـ إعداد الفلفل الحار أوالحريف بقطع من الليمون حيث يوضع هو الآخر لأيام معها في ماء لتخفف من طعمه الحار وتطوعه للأكل كما تطوع فاكهة الزيتون.
ـ خلط الدواجن والأسماك قبل طبخها بقطع هذه الفاكهة وعصيرها لتزيل ما بها من روائح . وتوضع فوق الدواجن بعد طبخها قطع مخمرة منها هذه في شكل أهلة تزينها كأنها قطع ذهبية ، ويتسابق الأكلة إلى التقاطها قبل أن يصيبوا من لحم الدواجن ويجدون فيها لذة خاصة .
ـ تعطير وجبات الحلزون المطبوخ بشيء من هذه الفاكهة . وقد يستغل بائع الحلزون حبات منها يغرز فيها دبابيس تستعمل في استخراج الحلزونات من صدفاتها حتى لا تضيع منه .
ـ خلط شراب الشاي بنور فاكهة الليمون ويسميه المغاربة « اللقاح » ليخالطه رحيقه ويعطيه نكهة خاصة ، فضلا عن وضع قطع منها فيه لإحداث تغيير في لونه وفي مذاقه أيضا . وليس شراب القهوة وحده عند المغاربة من تخالطه هذه الفاكهة الحامضة بل شراب الشاي أيضا .
ـ تلميع أواني الفضة وغيرها من المعادن بحكها بقطع هذه الفاكهة، فضلا عن تلميع الأحذية الجلدية خصوصا « البلغة المغربية » .
ـ استعمال قطع هذه الفاكهة كمنظف بعد أكل السمك للتخلص من رائحته بعد التمتع بأكل لحمه الشهي .
ومن سوء حظ هذه الفاكهة أنها تذل بعد عزّ لكثرة ما تستعمل له وقد جنت عليها حموضتها، ذلك أنها بعد استعمالها شرابا لذيذا منعشا ، ومطيبا للأطعمة ، ومعدة لبعض الفواكه والخضروات ذات المذاق المر أو الحار ، ودواء لعلاج بعض الأمراض تصير منظفا للأيدي بعد الأكل ، وللأواني والأحذية وحاملة لدبابيس بائع الحلزون عند المغاربة . ومن جناية رائحتها الطيبة عليها استغلال شركات الصابون لها لتسويق منتوجاتها .
ومن سوء حظها أيضا أن يعيّر بها ،فيقال بالتعبير العامي » كلام حامض » إذا كان ثقيلا على السمع كما يقال شخص ّ حامض » إذا كان ثقيل الظل ، والحموضة ممجوجة في كل الأحوال . ومن سوء حظها أيضا أن يهدد بها فيقال للشخص المهدد سيعصر في عينيك عصيرها كناية عن قسوة التهديد .
ولا يسعنا في الأخير سوى القول لله در فاكهة الليمون في بلاد المغرب .
Aucun commentaire