نهاية حكايتي مع المصحة التي وقع بيني وبين إدارتها سوء تفاهم
نهاية حكايتي مع المصحة التي وقع بيني وبين إدارتها سوء تفاهم
محمد شركي
سبق لي أن نشرت مقالا عن سوء تفاهم وقع بيني وبين إدارة إحدى المصحات بمدينة وجدة بخصوص مقابل عملية جراحية لعلاج كسر أصبت به في يدي اليسرى ، وكان سبب الخلاف هو عدم إخباري من طرف إدارة هذه المصحة بأن هذه العملية لها شقان : شق جبر الكسر ودعمه بقضبان ، وشق نزع القضبان بعد الجبر ، ولكل شق مقابل . وعلى إثر هذا الخلاف قررت إجراء عملية خلع القضبان في مصحة أخرى ما دامت إدارة تلك المصحة اعتبرتها عملية منفصلة عن العملية الأولى إلا أن جهات أقدرها وأحترمها كثيرا تدخلت لإقناعي بالعودة إلى نفس المصحة لإتمام عملية معالجة الكسر بخلع القضبان ، وتلقيت مكالمات هاتفية من موظفة فاضلة تعمل بالمصحة استرضتني لأتمم العلاج بها بل أكثر من ذلك عبرت عن استعداد إدارة المصحة لعدم مطالبتي بمقابل ، لكنني عبرت عن إصراري على دفع المقابل كاملا غير منقوص ولو بسنتيم واحد . وبالفعل عدت لاستكمال العلاج بتلك المصحة ،وفي نفس الوقت لإجراء عملية جراحية أخرى تتعلق برتق فتق بمقابل .
ولقد أحسن السادة الأطباء الفضلاء العاملون بهذه المصحة استقبالي والعناية الفائقة بي، وأخص بالذكر منهم الأستاذ الدكتورالسيد أكومي الأخصائي في جراحة العظام ، والأستاذ الدكتورالسيد الحرودي الأخصائي في الجراحة الباطنية ، والدكتورالسيد زهير الأخصائي في التخدير دون أن أنسى الدكتور السيد غانيم الأخصائي في أمراض القلب. وهؤلاء الأطباء الأفاضل من خيرة أطباء هذه المدينة لهم سمعة طيبة لدى الساكنة ،لأنهم يجمعون بين الخبرة والمهارة الطبيتين وبين الطيبوبة ودماثة الخلق، وحسن معاملة المرضى وذويهم كما تنص على ذلك أعراف وأخلاقيات مهنة الطب .
ولقد تفهم هؤلاء السادة الأطباء الفضلاء سبب سوء الخلاف الحاصل بيني وبين إدارة هذه المصحة ، والتمسوا لي العذر في ذلك ، فأنا شاكر لهم ذلك، وأسال الله عز وجل أن يجازيهم عني كل خير .
وأغتنم هذه الفرصة للاعتذار عما صدر مني ساعة الغضب ، وإن لم يكن الطاقم الطبي مستهدفا بما جاء في مقالي الأول، ولا حتى إدارة المصحة كأشخاص بل كان الهدف هو التعبير عن الغضب من إجراء عدم إخباري مسبقا بطبيعة التعامل معها ، وبطريقة أداء واجبات التطبيب ،لأنه من حق المرضى معرفة مسار علاجهم بالتفصيل ، وذلك مما يلزم المصحة باعتماد الشفافية الكاملة .
ولقد أكد لي الطبيب السيد زهيرمشكورا أن عملية خلع قضبان الكسر تعتبر عملية منفصلة عن عملية جبر الكسر و بناء على ذلك لها مقابل آخر في الأعراف الطبية لدى جميع المصحات في العالم ، وهو ما لم يكن بإمكاني معرفته ، ولهذا لمت إدارة المصحة على إخفاء هذا العرف أو القانون على المرضى . وإذا كان القانون لا يحمي المغفلين ، ولا يعذر أحد بجهل القانون ، فإنه يلزم واضع القانون أن يصرح به وألا يخفيه لأنه إن فعل ذلك فسر على أنه تحايل للإيقاع بالضحايا . ولا يحق لم أخفى قانونا أن يحتج بقاعدة : » لا يعذر أحد بجهل القانون » لأنه سيقال له : » لا عذر لمن أخفى قانونا » وعليه إثم إخفائه ، وما يترتب عن ذلك شرعا وعرفا .
وإنني أغتنم الفرصة للتنويه بالطاقم الصحي من ممرضين وممرضات، وإداريين وإداريات ، ومستخدمين ومستخدمات بهذه المصحة للعناية التي لقيتها سواء أثناء العملية الأولى أو العملية الثانية، وأعتقد على ما يبدو أنها معاملة تشمل جميع زوار هذه المصحة من المرضى ومن يرافقهم .
وأرى أنه من الواجب عليّ تجاه إدارة هذه المصحة أن أسدي لها بعض النصح كي تتجنب كل ما من شأنه أن يسيء إلى سمعتها ومصداقيتها. وأول النصح أن تكون الشفافية في التعامل مع زوارها خصوصا فيما يتعلق بما يتطلبه التطبيب والعلاج من البداية إلى النهاية تجنبا لكل مفاجأة قد تحصل للمرضى ولذويهم وليتدبروا أمورهم المادية مسبقا . ومن النصائح أيضا أن توضع لوائح أو مطويات تحدد المقابل عن كل علاج، والمقابل عن كل يوم إقامة بالمصحة ، والمقابل عن مرافقة ذوي المرضى أثناء إقامتهم بها ، والمقابل عن كل أنواع الفحوص والتحليلات التي تتولى المصحة إجراءها . ومن النصائح أيضا أن يراعي أرباب المصحة الحالات الهشة بالتساهل معها عن طريق تخفيضات تعبر عن حضور الجانب الإنساني في تعاملهم مع المستضعفين ابتغاء مرضاة الله عز وجل والدار الآخرة .
ومن النصائح أيضا ألا تشتغل عاملات النظافة في ساعة متأخرة من الليل حين يخلد المرضى إلى النوم خصوصا الذين تجرى لهم عمليات جراحية ، وأن تخصص غرف للمرضى الذين يضجون بالصراخ من فرط الآلام حتى لا يقلقوا راحة غيرهم من المرضى . وأن يتم توفير العدد الكافي من الممرضين والممرضات خلال الحراسة الليلية حين يطلب المرضى المساعدة والرعاية الطبية عن طريق قرع الأجراس من غرفهم ، وأن تكون الاستجابة فورية لوجود حالات استعجالية . فعلى سبيل المثال لا الحصر عاينت خلال الليلة التي قضيتها بإحدى قاعات المصحة تأخر تدخل من يتولون التمريض بسبب كثرة النزلاء، لهذا لا بد أن يكون طاقم الحراسة الليلية حسب عدد النزلاء ليحظى كل واحد منهم بالعناية اللازمة . ومن النصائح أيضا أن تستخدم المصحة شبابا أشداء أقوياء لنقل المرضى من قاعات العمليات إلى أسرتهم صيانة لهم من كل أذى قد يلحقهم أثناء نقلهم وألا يعول في ذلك على ممرضات فقط قد لا يقوين على نقل بعض المرضى بالطرق المطلوبة طبيا . ومن النصائح أيضا أن يحرس المرضى حراسة جيدة بعد العمليات وهم تحت تأثير التخدير لأنني عاينت في القاعة التي كنت فيها سقوط شاب أجريت له عملية، وكان تحت تأثير التخدير من سريره، وقد حاول النهوض إلى دورة المياه خلافا للتعليمات التي أعطيت له ، الشيء الذي يعني أن التعليمات إجراء غير كاف ولا بد أن تصاحبه حراسة ملازمة للمرضى تحت تأثير التخدير تجنبا كل آفة محتملة قد تسيء إلى سمعة المصحة . ومن النصائح أن تكون الوجبات التي تقدم للمرضى متنوعة وألا تقتصر في الغالب على مجرد صحن حساء، وعلبة دانون، وفنجان قهوة وفطيرة لكل النزلاء على اختلاف عللهم . ولا يجب أن تغيب المياه المعدنية عن قاعات المرضى ، فضلا عن مناديل ورقية .
هذه نصائحي لإدارة هذه المصحة ، وأرى أنه من واجبي أن أقدمها لها كمريض زارها إذا ما اتسع صدرها للنصح ، لأن الدين النصيحة، ولأن الخير يكون فيمن يقبل النصح ، ولأنه لا خير فيمن لا ينصح ولا يقبل النصح.
وأخيرا أتوجه بالشكر الجزيل للدكتورالسيد بنعمر الذي زارني بعد خروجي من قاعة العمليات هو ودكتور فاضل من زملائه ـ أعتذر لعدم تذكر اسمه ـ ،وقد واسياني جزاهما الله عني خيرا ، وأعتذر لهما وللجميع إذا ما كنت قد أساءت إلى أحد في هذه المصحة ،علما بأن قصدي لم يكن الإساءة لأحد ، وإنما عبرت عن غضب عارض بسبب عدم إخباري مسبقا بإجراء لا علم لي به من قبل . ومما أثر عن أحد السلف الصالح أنه من استغضب ولم يغضب فهو حمار ، ومن استرضي ولم يرض فهو شيطان ، فلقد غضبت حين أغضبت ، ورضيت حين استرضيت ولست بدعا ممن يستغضب ثم يسترضى . ولن يفسد خلافي مع إدارة هذه المصحة للود قضية ، ولست أنكر ما أسدته إلي من خدمة ، وشكري لها من شكر الله عز وجل لأن من لا يشكر الناس لا يشكر الله عز وجل.
Aucun commentaire