الطبقة الوسطى : من له المصلحة في إعدامها ؟
ليس غريبا أن تنال الطبقة الوسطي في المجتمعات الحديثة وعند سائر أمم الأرض ، حظا وافرا من الإهتمام، خاصة تلك التي فطنت أنه بالإعتماد على هذه الطبقة سيصبح بإمكانها تأمين توازنها على المستويين الإقتصادي و الإجتماعي . هذا الإهتمام الثابت والمتصل ، الذي يبديه صناع القرار ،ليس من أجل سواد عيون الطبقة الوسطى ولا رغبة في تدليلها ومحاباتها بقدر ما غايته تأمين شرط ضروري لإستقرار واستمرار الأمة ،وهو شرط التوازن الذي يضمنه انخراط هذه الطبقة في أداء أدوارها الطلائعية في المجتمع.
وللتحديد فقط، لا بد أن نشير إلى موقع هذه الطبقة، فوجودها في نطاق يتأرجح بين علية القوم من الفئات الميسورة والطبقات المخملية وبين العوام المؤلفة قلوبهم على الكفاف والمقهورين والمحتاجين ،يجعلها دائمة اليقظة وفي سباق محموم مع الزمن كي تحقق بعضا من طموحاتها و تحظى بما يتاح لها من امتيازات الطبقة التي تفوقها، وفي نفس الوقت تحاول جاهدة الإبتعاد وعدم الإنزلاق إلى الطبقة التي تليها فتتماهى مع جيوش الفقراء .
وعلينا أن نتساءل عن سر هذا الرهان والإهتمام المتواصل بهذه الطبقة من طرف أغلب البلدان،خاصة المؤثرة منها، وعن التحييد الممنهج لها وإهمالها وتغييبها من دائرة الإهتمام في حالة بلدنا المغرب؟ الجواب بكل بساطة يمكن أن نوجزه في الآتي:
أولا / لأن الدولة وصناع القرار فيها لا يثقون ولم يجربوا الثقة فيها لسببين ، أحدهما أن المنتمين لهذه الطبقة لهم طموحات قد تنافسهم في المراكز والأدوار الحصرية التي يضطلعون بها ، وقد يستدعي الأمر خلط أوراق اللعبة وإعادة النظر في’ الباراديكم ‘ المؤسس لمفهوم السلطة ومن هو جدير بممارستها مثلا ، والسبب الآخر هو أن هذه الطبقة ليست من طبيعة متجانسة يسهل ضبط مآلاتها وتوقع حدود تأثيرها ،فأغلبها يتشكل من طبقة متعلمة على درجة من الوعي، وبالتالي فهي مسيسة أو قابلة للتسييس ،فيما تراهن الدولة في حالتنا على قاعدة كبرى قوامها التجار وأصحاب النفوذ المحلي من الذين تقف رغباتهم عند حدود النفع الآني والطموحات المركنتيلية دون أن يتعدوا ذلك . وما لم يتحقق لنا نحن كمغاربة هو انصهار الفئتين وتكاملهما لأسباب ليس ههنا مجال لذكرها
ثانيا / أن حرمان هذه الطبقة من احتلال موقعها الطبيعي ومن أداء أدوارها بفعالية، راجع إلى وجود نية أصيلة لدى الدولة في قطع الطريق عليها وتقزيم كيانها إن هي أصرت على فرضه. وهي –أي الدولة- تتوسل في ذلك بجملة إجراءات كاحتكار السوق واعتماد مركزية شديدة لدوائر النفوذ واستفراد في التحكم في مفاصل ماكنة التدبير الإقتصادي ..
وكنتيجة لهذا الوضع نستطيع أن نتبين كيف أن القاعدة الشعبية المفقرة أصلا ،هي في اتساع مستمر ،يعزز صفوفها قوافل متدحرجة من الطبقة الوسطى فقدت عوامل تماسكها ومعه وضعها الإعتباري كرائدة للتغيير في المجتمع، وأخذت تتماهى مع طبقة الفقراء في كل شيء عدا في إحساسها بالمسؤولية في قيادة التغيير المستعصي . وفي المقابل تلجأ الدولة إلى أسلوبها المعتاد في الإشتغال على ثلاث جبهات:
_الجبهة الأولى تختص فيها بترويج خطاب ديماغوجي تدعي فيه الإهتمام بالطبقة الوسطى دون تحديد إجرءات أو آليات واضحة وفعالة لهذا الغرض، بل أن مجمل ما توحي به تصريحاتها حول هذه الطبقة هو من باب إطلاق الشيء على نقيضه.
_الجبهة الثانية وتحاول فيها أن تعطي لتدخلها طابعا اجتماعيا وتنمويا عبر خلق مبادرات تستهدف الطبقة الفقيرة، حتي يتسنى لجزء منها أن يلتحق بالطبقة الوسطى ، لكن هذا الإجراء يظل قصرا عن الوفاء بالمطلوب ، أولا لعدم تناسب المجهودات المرصودة مع حجم الإنتظارات وهي عظيمة بسبب الإتساع المستمر لدائرة الفقر والهشاشة ،ثم لأن تدبير هذه المبادرات لا يسلم من سوء ،لأسباب ليس هنا مجال لذكرها.
_أما الجبهة الثالثة فتتجلى في دور الدولة الموسوم بالحياد ،وهو في هذه الحالة لابد أن يكون سلبيا، لأن في الركن الآخر من المثلث هنالك طبقة يستفيد أصحابها من امتيازات لا حصر لها وفي جميع المجالات، ومن حصانة تحجب الرؤيا عما يقترفونه، أولا في حق الوطن من تبذير للمال العام ومن إضعاف للتنافسية الإقتصادية، وفي حق الشعب بحرمانه من عائدات النمو الطبيعي للإقتصاد الوطني. هذه الطبقة يستفيد معظم منتسبيها وبشكل بشع من الريع الذي أنشأوا أسباب وجوده وأمنوا سيولته في غفلة من الزمن ومن المحاسبة الشعبية.
كيف إذن تأتي ذات حكومة إسلامية رفعت محاربة الفساد وإحقاق العدالة الإجتماعية لتتحدث عن طبقة وسطى لم تزدها « الإجراءات البنكيرانية الجريئة » إلا تفتتا واضمحلالا . إن الطبقة الوسطى في المغرب هي في طريق الإنقراض إن لم تكن قد انقرضت فعلا، وما يجب أن نأمله هو أن تعمل الجهات التي كانت سببا في انقراضها وفقدانها على تعويضنا عن خسارة محتملة يقدر قيمتها العارفون بجدارة هذه الطبقة كصمام أمان في كل المجتمعات.
محمد اقباش
Aucun commentaire