مذكرات استاذ متقاعد : القرص الفائر
ظل سكان سيدي لحسن ومن كان في اوضاع مشابهة الى وقت قريب يتعاملون مع الامراض والاوبئة باشكال بدائية متوارثة،حتى تحولت بعض طرق العلاج الى قواعد مرجعية ينتقي منها اهل المريض ما يستجيب لحالته.
لقد كانت طرق العلاج ابتكارا خالصا في غياب ادنى مرفق صحي،حيث تمكن اشخاص معروفون من الجنسين من تحديد وصفات لكل مرض حتى اصبح تدخلهم امرا لا مفر منه.
وباستثناء حملة تلقيح خضعنا لها بداية الاستقلال، فان كل الامراض كانت تحارب باساليب تتداولها الاجيال.
كان فصل الشتاء يقترن بنزلات البرد الحادة التي يلعب فيها شح اللباس دورا هاما،فاذا تمكن الزكام من احد افراد الاسرة، فان الام كانت تجلب من المحيط سبع قطع من حجر،،الصم،،ثم تضعها تحت الجمر حتى تحمر، وبعد ذلك يتخلص المريض من ملابسه الداخلية- ان كان يمتلكها-ويكتفي بلباس فضفاض يستجيب لشروط العلاج، وهكذا يقف المصاب بشكل يسمح بوضع اناء بين رجليه لتطفا فيه الاحجار الملتهبة الواحدة تلو الاخرى، بينما يتصاعد بخار الماء الساخن ليشمل سائر الجسم.
ما ان يفعل البخار فعلته في الجسم حتى يرتمي المريض في فراش معد بعناية لكي يفرز الجسم ،مزيدا من العرق الذي يعتبر عربون شفاء!
لا اعتقد ان احدا من جيلنا قد فوت على نفسه فرصة،، اسخسي نتزرا،،!وهي عنوان هذه الوصفة الشائعة.
وقياسا على هذه الوصفة المحلية، فقد كان لكل مرض وسيلة علاج، فنبات،،الفيجل،،(اورم)،كان يحارب المس،اما اعواد الدفلى فتصلح لعلاج امراض العنق والم الاسنان،بينما يكوى مرض القرع ببعر الابل ، الى ما في اللائحة من عقاقير.
ولعل اهم وسيلة علاجية حافظت على ،،نجاعتها،،هي الكي الذي اعتبره الرسول الكريم اخر الدواء، لكن غياب البدائل سمح له بان يعمر طويلا.
ولا يستقيم الحديث عن العلاج دون ذكر بعض ،،المعالجين،،وهكذا،
فان المرحوم م.سادة من دوار،،اسعيذن،،سيظل من اشهر المشخصين للامراض.
كان هذا الرجل الذي انتقل الى عفو الله منذ وقت قصير يمتلك يدا سحرية،ذلك انه كان يشترط على المريض الا يخبره عن موطن الداء الى ان يحدده بنفسه!
وللحقيقة والانصاف، فان هذا الرجل كان بالفعل بارعا في تشخيص الامراض، لكنه ظل يقترح الكي دون غيره وسيلة للعلاج.
في بداية الثمانينات، كنت اعاني الاما في الجهاز الهضمي، وقد قدم لي الطبيب المختص بيانا كاملا حول المرض وكيفية التعامل معه، فلما حللت بالسوق الاسبوعي ذات يوم، اقترح علي اخي رحمه الله ان اعرض نفسي على السيد سادة.
استلقيت على ظهري وراح الرجل يفحص بطني بهدوء قبل ان يامرني بالقيام لتقديم تقريره.
لقد تعجبت من قدرة الرجل على تحديد مكان الالم وتحديد مصدره بنفس دقة الطبيب المختص !
لم يكن بد من مسايرة التطورات المتسارعة خاصة بعدما شرعت الدولة في تفقد احوال المواطنين في المغرب المنسي،لذلك ظهرت اولى المستوصفات التي كانت توزع اقراصا صالحة لكل شيء.
وهكذا، وبعدما اكتشف الناس فعالية اقراص اسبانية منتصف السبعينات تعالج الام الراس(لكنينا ثازيزاوث)،فقد جاء الدور فيما بعد على(لكنينا يتشنشنن)،ويعنون بها v c،وبالفعل فقد اصبحت هذه الاقراص الصفراء الفائرة ذات النكهة الطيبة علاجا شاملا تحول الى ترياق لا ينافسه دواء اخر في النجاعة!
وكدليل على تفضيل هذا الدواء على ما سواه،فقد كان الاهالي يسالونني خلال زياراتي لمسقط الراس ما ان كنت احمل معي شيئا من (لكنينا يتشنشنن)ويرفضون استلام اي بديل عنها.
وبسبب مكانة الفيتامين س التي لعبت بالالباب،فان احد الاشخاص كاد ان يقضي بسببها.
كان صاحبنا ذا بنية قوية فاعتقد ان قرص الدواء اضعف من ان ينال منه،لذلك،وبمجرد ان اصابه الم حتى ناوله احد المعارف قرصا من فيتامين س،لكنه لم يعر اهتماما لطريقة تناوله، حيث عمد الى ابتلاعه من غير سائل، وما كاد يصل الى جوفه حتى اندلعت حرب طاحنة باحشائه!
انهارت البنية القوية للرجل وحال البخار المتصاعد من بلعومه دون التواصل مع غيره، ولم يستعد امل الحياة الا في مستعجلات وجدة!
Aucun commentaire