النظام الأساسي الجديد لوزارة التربية الوطنية : ضعف إرادة أم عسر ولادة
شكل النظام الأساسي الخاص برجال ونساء التربية والتكوين دوما مطلبا أساسيا وثابتا ضمن سلة المطالب النقابية منذ مطلع الثمانينيات من القرن الماضي . وكشأن مشروع إصلاح القطاع الذي تعودنا على معاينة فشله في المهد ، أوقد نراه يستمر في مداراة الأزمة لبضع سنوات ثم يخبو أثره، فإن مراجعة النظام الأساسي لأسرة التعليم ، على عكس ما هو منتظر منها من إضافة وتنقيح لتبديد النقائص ومعالجة الإختلالات القائمة في الصيغة الأصلية للمشروع ، فقد أصبحت تجر وراءها إرثا ثقيلا من الخلل والحيف المزمنين ككرة ثلج تكبر باستمرار .
آخر نظام أساسي وهو الصادر في فبراير 2003 لا يخرج عن هذا التوصيف ، هو الذي عمد إلى حصر هيأة التدريس في ثلاث فئات : أساتذة الإبتدائي، أساتذة الإعدادي، أساتذة الثانوي التأهيلي . لكن الغريب في هذا التعديل هو احتفاظ أساتذة التأهيلي بسيرورتهم العادية في الترقي ، على غرار هيئتا التفتيش والإستشارة التربويين ، فيما تم توقيف مسيرة نظرائهم في الإعدادي والإبتدائي في حدود السلم الحادي عشر . إجراء كهذا لا بد وأن يجعل الإمتعاض والسخط يبلغان مداهما ، خاصة مع تزايد أفواج المستحقين واستمرار تشبثهم بمطلبهم العادل . للتذكير فأول فوج ولج السلم 11 من فئة الإبتدائي مثلا يكون، مع نهاية هذه السنة، قد استكمل 15 سنة وهو جامد في نفس السلم ، فيما يكون نظراؤه من الفئات « المحظوظة » قد ترقوا مرتين وشاخوا في الدرجة الممتازة ، وهذا لعمري حيف كبير وإجهاز مقرف على حقوق ينص عليها القانون ويزكيها المنطق .
فحينما حدد عدد الهيئات العاملة بالتعليم في خمس هيئات، في تقليص منطقي لعددها الذي بلغ في نظام 1985 ثمانية ، قلنا هذا اختيار صائب ويسير في اتجاه عقلنة المشهد التربوي ومنحه مزيدا من الرشاقة في التدبير والحكامة ، لكن للأسف لم تكتمل الرؤية لدى القائمين على إصدار القوانين وتدبيج الأنظمة ولم تكتمل معها فرحة فئة عريضة من المتضررين الواقفين على باب الإنصاف الموصودة والذين ينتظرون نظاما أساسيا يبدد الغبن وينشر قيما أكثر عدلا واستحقاقا .
ولئن اعتمدت الوزارة ثلاث فئات في هيئة التدريس وأبقت التأهيلي والتفتيش والإستشارة في ترقية مفتوحة، فإنها حشرت فئات الإبتدائي والإعدادي وأطر الدعم في زاوية محصورة بين السلمين التاسع والحادي عشر، والواقع أن الذي ينظر بعين المنطق فلا بد أن يكون له رأي آخر، إذ الحكمة تقتضي أن يتم توحيد معايير الترقية وولوج الدرجات في جميع أسلاك التعليم وهيئاته ،ولا سبيل للقضاء الميداني على الإحتقان السائد أو الذي سيسود مستقبلا في الأوساط التعليمية إلا بتحطيم المتاريس التي يحرص البعض على تثبيتها بدعوى خصوصية المهام ، لأن المهام التعليمية هي في الأصل متكاملة في وسائلها وأدائها ، ومن العبث التمييز بين عناصرها . فإذا كان لا بد من تخصيص درجة ممتازة للأطر التربوية فإن أساتذة الإبتدائي هم أجدر بها وأهل لها ، وليس من الأعراف أن نربط درجة إستحقاق و مكافأة الأطر التربوية بناء على تراتبية الأسلاك التعليمية إلا في الدول المستبدة . لننظر إلى التجارب العالمية في هذا المجال ، وكيف يتم تحديد « بوفايل » أطر التدريس في المستويات الدنيا حيث تفترض الكفاءة والخبرة .
إنه لمن التخلف بمكان الإبقاء على نظام أساسي إقصائي غير مستوعب لرهانات مرحلة تقتضي انخراط الجميع على قاعدة المساواة في الحقوق والواجبات من أجل إنجاح أي إصلاح منشود. وما يروج حاليا من إحداث درجة جديدة لذوي المسار المحدود، وقد اطلعنا مؤخرا على ما تسرب من تدابير العرض الحكومي الهزيل جدا برسم الحوار الإجتماعي الجاري، ليس إلا إعادة إنتاج نفس أخطاء البلقنة التي لم ينج منها للأسف الميدان التربوي ، حيث يفتح المجال لترقيات غير متناهية ذات مطالب غير مبررة وغريبة حتى ، من قبيل إحداث درجة خارج الدرجة الممتازة ، فقط من أجل إثبات التميز عن باقي الفئات .
لعلنا نعيش الآن وبالفعل مفارقة عجيبة لا تستقيم مع المنطق السليم ، فكيف من جهة ، تعتبر الدولة أن التعليم يحتل المرتبة الثانية في الإهتمام بعد الوحدة الترابية ، ومن جهة ثانية لا تأخذ على عاتقها هم إنجاز الحلول الكفيلة بتأهيل القطاع ومعالجة مشاكله المستعصية ، وعلى رأسها سن نظام أساسي محفز ، ولم لا ، فصله عن النظام الأساسي للوظيفة العمومية لإتاحة فرص جديدة للحركية والإبداع فيه ؟
إننا نرى بالعكس توجها تفقييريا وتبئيسيا للحكومة الحالية وللتي سبقتها في ملف التعليم ، وتقصيرا واضحا في التعاطي مع قضاياه الآنية والمؤجلة . إنها تفضل أن يستتب الأمن ويقنع القانعون بمصيرهم وبما هم قابضون عليه ، وتنتظر أن تخفت الأصوات المطالبة بحقوقها ومستحقاتها ، لهذا فهي تراهن دونما تحفظ على تحويل الإعتمادات ومخصصات الدولة لجهات أخرى قد تستغل لكل غاية مفيدة .
Aucun commentaire