قراءة في ملف حراك الحسيمة على ضوء بعض المستجدات
بسم الله الرحمن الرحيم
قراءة في ملف حراك الحسيمة على ضوء بعض المستجدات
إن المتتبع لما كُتب ويُكتب حول ملف حراك الحسيمة، يُلاحِظ اختلافا كبيرا في وجهات النظر التي تتأرجح بين التبعية لجهات خارجية، إلى مجرد المطالبة بتوفير ظروف العيش الكريم، مرورا بالحالات التي يَغلُب فيها الحماس والتهور على استحضار العقل والتصرف الحكيم، كما كان الشأن بالنسبة للزفزافي حينما تجرأ على خطيب الجمعة. والنتيجة المؤقتة هي تحرك جهات مسؤولة متعددة لتطويق الموقف من خلال الإعلان عن عدد من المشاريع، مع وجود أضرار جانبية من بينها إعفاء عدد من المسؤولين واعتقال مجموعة من المتهمين من الذين شاركوا في الحراك. ويبدو منطقيا أن ملفات هؤلاء تتضمن معطيات تتعلق بمختلف وجهات النظر، خاصة وأنه يصعب تفسير مجموعة من المستجدات التي تظهر على السطح من حين لأخر في غياب وجهات النظر هذه. وسأكتفي في هذا المقال بمستجدين اثنين: الأول يتمثل في مطالبة والد الزفزافي البرلمان الأوروبي بإيفاد لجنة لزيارة المعتقلين للوقوف على حالهم، وزيارة الحسيمة لاستجلاء الحقائق كما هي على أرض الواقع، كما جاء في مقال بإحدى الجرائد الإلكترونية بتاريخ 28/ 02/2018 تحت عنوان والد الزفزافي يدعو البرلمان الأوروبي إلى زيارة معتقلي حراك الريف.
إن هذا المعطى إن صح يجعل كل غيور على وطنه وعلى مقومات بلده يتساءل: ما شأن البرلمان الأوروبي بقضية وطنية يُفترض أن تُحل بين المغاربة وبوسائل مغربية، وبأي حق يُسمح لهذه اللجنة زيارة الحسيمة، ولماذا بالضبط لجنة من البرلمان الأوروبي وليس من الولايات المتحدة أو الأمم المتحدة، أو هيئة من هذه الهيئات التي تتدخل في كل صغيرة وكبيرة، بل في المسائل الحميمية التي تهم المجتمع والأسر على السواء؟ أتهون البلاد إلى هذا الحد؟ المفروض أن البلد فيه قضاء وفيه من القضاة الشرفاء من سينصف هؤلاء، وحتى إذا لوحظ تجاوز فَبابُ الحراك والتظاهر السلمي يضمنه القانون، ثم هل المغرب يوفد لجنا لزيارة المعتقلين ببلدان أوروبا؟ كما هو الشأن بالنسبة لاعتقال أعضاء حكومة كاتالونيا ببروكسيل، وكما هو الشأن بالنسبة لطارق رمضان بفرنسا؟ وأخوف ما أخاف منه هو أن تكون هذه مقدمات لحمايةٍ من نوع آخر، إنه نفس المنطق الذي مَهَّد لاستعمار المغرب، حيث كانت الطبقة المَحمية تُحاكَم من قبل السلطات الأجنبية إسبانية وفرنسية ولا يُسمح للسلطات المغربية محاكمتها أو حتى زجرها. إن أهل الريف أهل عزة وغيرة، ولا أعتقد أنهم يوافقون والد الزفزافي على الاستنجاد بالبرلمان الأوروبي الذي لا يدخر جهدا في لَيِّ أعناقنا في الاتفاقيات الدولية من خلال الضغط علينا بورقة الصحراء، فلا تُمكنوه من أوراق أخرى تسمح له من التحكم في رقابنا أكثر مما هو متحكم فينا الآن.
المعطى الثاني يتعلق بمشكل الترجمة الذي تخلل محاكمة المعتقل رشيد أعماروش حسب المقال الوارد بنفس الجريدة بتاريخ 01 مارس 2018، حيث ورد أن الزفزافي احتج على عدم صحة ترجمة المترجِم المحلَّف. والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن مباشرة هو: إذا كان المترجم المحلف وهو الذي يُفترض غيه سبر خبايا الريفية، فمن ذا لذي يجرأ على مثل هذه الترجمة؟ ولا شك أن هذا مثال صارخ على ضيق أفق أولئك الذي يناوؤون تدريس اللغة العربية وإتقانها، فما كان لرشيد أعماروش أن يستعين بمترجم لو كان متقنا للعربية، مع الإشارة إلى أن الأمر فيه غبش لسببين، الأول هو بماذا كان يتواصل السيد اعماروش في الجلسات السابقة؟ والثاني هو بماذا كان يتواصل السيد اعماروش عند تنقله في ربوع المغرب؟ اللهم إذا اعتبرنا أنه كان يعيش في غابة معزولة في الريف لا مدرسة ولا كتاب ولا…، ثم إذا افترضنا جدلا أنه تم إطلاق سراحه وسط الدار البيضاء فمن ذا الذي سيترجم له لقضاء حاجاته؟ أليست هذه ثمرة العبث الذي يود دعاة الأمازيغية إيصالنا إليه.
لا ينكر إلا جاحد أن مقومات العيش الكريم تغيب في مناطق عديدة من المغرب، لكن توفير هذه المقومات لن يتأتى بالاستنجاد بالمتربصين بنا ليل نهار وإنما بالتآزر والتدافع والعمل الجاد، كما لا ينكر إلا معاند أن في المغرب أمازيغيات ولهجات، لكن دورها في جمع شتات المغاربة على كلمة واحدة أمر صعب، لذا فالسبيل الوحيد للاحتفاظ بمقومات الأمة وثوابتها هو إيلاء اللغة العربية ما تستحقها من عناية من قبل الحكومة والشعب على حد سواء، لا لكونها عربية بل لكونها تجمعنا على كلمة سواء تمكننا من استيعاب مقاصد ديننا الحنيف الذي ينبذ التفرق والتشرذم مصداقا لقوله تعالى « وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ. » صدق الله العظيم
الحسن جرودي
Aucun commentaire